تقفز دبي في مسيرتها نحو المستقبل بخطوات ريادية مستمرة. فهي دائماً سباقة في أفكارها ومشاريعها، وما يجول في خواطرنا للمستقبل تفعله دبي اليوم. كما أن أسلوب دبي في تعاملها وتفاعلها مع احداث العالم والمنطقة جعل منها مركزاً تجارياً مهماً يهب لها التجار من كل صوب. ومن المتوقع أن يتجاوز حجم تجارتها الخارجية هذا العام 50 بليون دولار. وتعتبر دبي بوابة التجارة الرئيسية لإيران والعراق ناهيك عن دول الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا الوسطى والتي يؤم تجارها دبي كل يوم لشراء ما هو مفيد لهم ولأسواقهم، كما أن كثيرين منهم فتحوا مكاتبهم التجارية في دبي من أجل ذلك. لقد دأبت دبي على تطوير بنيتها التحتية، من الاتصالات إلى الطرق الخارجية والداخلية والجسور والموانئ والمطارات ومحطات الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، على نحو يضاهي مثيلاتها في دول العالم المتقدم. وموانئ دبي المتمثلة بميناء راشد وميناء جبل علي أصبحت السابعة عالمياً، في حجم مناولة الحاويات. كما أن مطار دبي الدولي سجل إنجازات قياسية خلال عام 2004 عززت موقعه على خريطة السفر العالمية. وبلغ عدد المسافرين عبر المطار 7.21 مليون مسافر، وارتفع حجم الشحن الجوي فيه إلى 1.1 مليون طن فيما وصلت حركة الطائرات فيه إلى 195820 حركة بنمو شامل يفوق 20 في المئة بين عامي 2003 و2004. وهذا أيضاً ساعد في جعل خطوط الإمارات أن تكون الأسرع نمواً في العالم. وستبني دبي مطاراً ثانياً في منطقة جبل علي خلال السنتين المقبلتين ليساهم في النمو المستقبلي. وانعكست الزيادة الكبيرة في عدد المسافرين على نشاطات دبي السياحية حيث أنها حولتها إلى قبلة السياح العرب والأجانب على حد سواء ما أدى الى حصول صناعة السياحة والفندقة على حجم كبير من الناتج المحلي لدبي. وتبلغ الطاقة الحالية لفنادق دبي حوالي 26 ألف غرفة و11 ألف شقة فندقية وسيضاف إليها أكثر من 7 آلاف غرفة وشقة فندقية خلال العامين المقبلين. وعلى رغم هذه الأرقام الكبيرة فأن هناك شحاً كبيراً في هذا المجال. أما مراكز التسوق فيها فقد نمت صناعتها كثيراً خلال السنوات العشر الماضية وأثر ذلك بدأت دبي مهرجان التسوق الذي ينظم في الربع الأول من كل سنة إضافة إلى مهرجان مفاجآت الصيف. وسيتم افتتاح "مول الإمارات" في نهاية هذا العام حيث سيكون اكبر مركز تسوق في العالم خارج أميركا الشمالية. كما تم البدء في بناء "مول دبي" أكبر مركز تسوق في العالم مع "برج دبي" أعلى برج في العالم، ومن المتوقع إنجازهما في عامي 2007 و2008 على التوالي. وكذلك سيبدأ خلال هذا العام تنفيذ مشروع قطار دبي الذي سيكون الأكبر والأفضل في مجال مشاريع البنية التحتية التي تشهدها الإمارة والذي سيساهم بشكل ملحوظ في تطوير القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياحية في المدينة، وستنتهي المرحلة الأولى منه في عام 2009 والمرحلة الثانية في 2012 وسينقل حوالى 50 ألف شخص كل ساعة. إن تنوع القطاعات الاقتصادية في دبي أخذ منحنى آخر في عام 1999 عندما تم إنشاء مدينة الانترنت التي تعتبر منطقة حرة لشركات تكنولوجيا المعلومات تضاف إلى المنطقتين الحرتين في جبل علي ومطار دبي والتي جذبت أكثر من أربعة آلاف شركة تجارية وصناعية وخدمية على رأسها مايكروسوفت وأوراكل وسوني وغيرها. وأنشأت الحكومة شركة دبي القابضة التي أصبحت تملك مؤسسات كثيرة مثل مدينة الانترنت ومدينة الإعلام التي تجمع شركات التلفزة والأخبار العالمية والإقليمية، وقرية المعرفة التي تجمع عدداً من الجامعات ومؤسسات التربية والتعليم والتدريب. وسيتم تأسيس شقيقة لها هي المدينة الأكاديمية والمدينة الصناعية ومدينة الاستوديوهات ودبي لاند مدينة الترفيه والرياضة ومدينة دبي الصحية التي ستجعل من دبي مركز الخدمات الصحية الأول في الشرق الأوسط، والقائمة طويلة وستطول أكثر. إضافة إلى ذلك فقد استحدث أخيراً مركز دبي المالي العالمي وهو منطقة مالية حرة ستضم مؤسسات مالية مهمة ما يجعل هذا السوق مركزاً رئيسياً للتعامل بالأسهم والسندات والكثير من المنتجات والأدوات المالية الأخرى في المنطقة الواقعة بين غرب أوروبا وشرق آسيا. ومن الجدير ذكره أن حكومة دبي أصبحت أول حكومة في الشرق الأوسط تستخدم الأدوات الإلكترونية في معاملاتها واستلام إيراداتها ويسمى ذلك بالحكومة الإلكترونية. وخلال السنوات الثلاث الماضية أنشأت دبي مشاريع عمرانية سكنية سمحت فيها للوافدين الأجانب والعرب بالتملك فيها، ما أدى إلى تطوير العشرات من المشاريع التي تتكون من أبنية سكنية ومكاتب من الطراز الأول حول مرسى دبي والمناطق المحيطة بها ما جذب آلاف العائلات للتملك فيها. وهناك الكثير من الأبنية وناطحات السحاب ذات التصميمات الجذابة حيث يتبارى فيها مهندسو العمارة من كل مكان، ناهيك عن الحدائق الجميلة وملاعب الغولف الخضراء التي تملأ كل أرجائها. وبعد النجاح الكبير لدبي في إدارة بنيتها التحتية بدأت بتصدير خبراتها الإدارية والفنية إلى العالم. وفي السنوات الثلاث الماضية وقعّت دبي عقوداً كثيرة مع بلدان مختلفة في الشرق الأوسط وأفريقيا وأسيا كي تقوم إما بإدارة الموانئ أو المطارات أو المناطق الحرة في هذه الدول أو تأسيس مشاريع جديدة لهذه البلدان في هذه المجالات. ان ما أقيم في دبي من مشاريع خلال السنوات الخمس الماضية وما سيتم استحداثه مستقبلاً يعتبر رائعاً بكل المقاييس العالمية. ومن المفارقات أن النفط محدود الكمية في دبي، وفي تضاؤل يوماً بعد يوم كما أنه لا يمثل إلا جزءاً صغيراً من الناتج القومي. ومن الواضح ان هناك قوانين في دبي يجب تغييرها لتلائم التطور الاقتصادي، ومنها قانون الشركات والوكالات التجارية وهما قانونان اتحاديان اصبحا لا يناسبان المتغيرات الاقتصادية الجديدة، وتتم دراستهما الآن بإمعان من جانب الأخصائيين كي يصار إلى تحديثهما قريباً. وعندما يرى المرء كيف تدير الدول العربية شؤونها الاقتصادية يصاب بالكآبة وذلك للانغلاق الذي يلف قوانين هذه الدول وأسلوبها في إدارة الاقتصاد والتجارة والروتين الذي يعرقل كل شيء فيها. لكن دبي تبث روح الطمأنينة والأمل نظراً الى طريقة إدارتها لاقتصادها ومشاريعها التطويرية المختلفة والتي تغطي كل المجالات الاقتصادية. وهناك من يقول إن مشاريع دبي تنفذ كلها في وقت واحد ويشبّه نموها بالفقاعة التي ستنفجر تاركة وراءها ما لا يحمد عقباه. لكن ما تجدر الإشارة إليه هو ضرورة درس حالة دبي الاقتصادية الجديدة، ومحاولة التعرف على نقاط القوة والضعف فيها، وبخاصة من جانب الدول العربية التي تريد النهوض باقتصاداتها، ومن ثم استخدام ما هو مفيد منها لها من هذه التجربة الاقتصادية الجديدة في المنطقة. * رئيس مجموعة إنتر - العراق