يصنّف اللبنانيون بلدهم من أغلى بلدان العالم على مستوى اسعار السلع والخدمات، وهو ما تؤكده بعض الأوساط الاقتصادية العالمية. ويكثرون الكلام عن الوضع الاقتصادي الحرج الذي يمرّون به، في ظل القدرة الشرائية المتدنية. إذ ان الحد الأدنى للأجور في لبنان يبلغ 350 ألف ليرة لبنانية أي ما يعادل 220 دولاراً أميركي. ومن البديهي أن تكون قدرة اللبناني في شكل عام، والمرأة في شكل خاص، كبيرة لجهة السيطرة على الظروف المعيشية والبيئية والاجتماعية. الا ان ما نشهده يختلف في شكل جذري... فالمرأة اللبنانية تعجز عن مقاومة اغراء السوق، اذ أصبح التسوق بحرية من ابرز متطلباتها. تقول لارا 32 عاماً وهي أم لطفلين:"احلم بيوم يمر اشتري فيه ما أريد من دون أن احسب حساباً لمصاريف الشهر بكامله". لارا تتسوّق بشكل شبه يومي وأكثر ما تركز عليه هو الثياب واللعب لطفليها. وتضيف بامتعاض:"زوجي يحاول أن يثنيني عن ذلك مثلاً بالقول ان الطفلين يكبران بسرعة ولا حاجة لهذا الكم من الملابس. ولكن بكل صراحة لا أستطيع مقاومة واجهات المحال التجارية، واتخيل طفلي بالثياب الجديدة. ولا اجد ان الأطفال الآخرين احق منهما بها". وعن كيفية تأمين هذه المصاريف، توضح لارا:"زوجي رجل ميسور الى حد ما، وأهلي يساعدونني، وانا افضّل ان اصرف ما املكه من مال على ادخاره، وفي النهاية ربّك بسهّل المهم ان افرح وأطفالي". يختلف مفهوم الاستهلاك بين اللبنانيات، وبعضهن يرفض هذه التسمية كأنها تهمة تُلصق بهن، فهن يقمن بما هو ضروري بالنسبة اليهن."الا يكفي انني اضطر الى اختصار نصف احتياجاتي لأن المال قليل"، تقول رولا 24 عاماً. وتختصر احتياجاتها ب"اكسسوارات، حذاء، حقيبة يد، حزام بألوان مختلفة تتناسب مع ثيابي". وتجد رولا نفسها مضطهدة لأنها اضطرت إلى ارتداء الحذاء البني اللون مع الثياب الزهرية،"في حين ان اللون الزهري للأحذية والجزادين يمثل آخر موضة". وتستدرك بعصبية قائلة:"في حال لم أصبح ثرية، لا اريد ان انجب فتيات، وسأكتفي بصبي واحد"، مع العلم انها لا تزال عزباء. وينبع موقفها من"أنني اقلّم اظافري بنفسي، واقوم بالعديد من الأمور التي تقوم بها الفتيات الاخريات عند مزينة التجميل كإزالة الشعر الزائد وغيره... وكل ذلك لتوفير بعض المال لشراء احتياجات أخرى". المراكز التجميلية لا تختلف حال السيدات عن حال الفتيات وان اختلفت متطلباتهن. وقد يختلفن في الانفاق على شراء الملابس والاكسسوارات لكنهن يلتقين في المراكز التجميلية ولدى مصفف الشعر. ومع انتشار المراكز التجارية الكبرى المولات، بات التسوق للأعمار كلها يبدأ بالوصول الى المول ولا يتنهي الا بتناول وجبة الطعام او على الأقل احتساء القهوة، ما يحتّم موازنة جديدة. ليلى 21 عاماً تذهب برفقة والدتها مرة في الأسبوع على الأقل الى احد المولات الكبرى. وبعد القيام بالدورة المعتادة على المحلات للوقوف على آخر الموديلات، تدخلان إلى مركز التجميل حيث تقومان بتقليم أظافرهما، وتصفيف شعرهما، وما الى ذلك من أمور تجميلية تصل إلى حد التدليك. بعدها، تتناولان وجبة الغداء في أحد المطاعم حيث ينضم إليهما بعض الأصدقاء. وتقول ليلى ضاحكة:"اليوم الذي اقضيه مع والدتي هنا هو الأهم، فأنا أقوم بما أريد على حسابها". وتغمر ليلى والدتها ضاحكة وتضيف:"على كل حال كله من بطاقة ائتمان الحاج والدها". الإسراف لا يقتصر على النساء، ويعتبر الرجل اللبناني الذي يهتم بمظهره وأزيائه شريكاً للمرأة في هذا الإطار حتى في مراكز التجميل. وان ظهر اهتمامه اكثر في اقتناء احدث السيارات، والهواتف المحمولة... للموبايل الجوال قصة أخرى في لبنان، اذ انه سلسلة استهلاكية لا تنتهي، يشارك فيها الحاضر والغائب، والمستفيد الوحيد هو المُصنِّع وشركة الاتصالات. وما موبايل فاتن الا نموذج عن هذه القصص. فاتن ترفض إلا أن تقتني احدث هاتف من"ماركة"معينة، ما يدفعها في بعض الأحيان إلى تبديل هاتفها مرتين في الشهر. وهذا التبديل يحتم أولاً خسارة مالية نتيجة الفرق في السعر بين الجهازين، فالأول يفقد حتماً جزءاً من قيمته... بعدها تشتري له الإكسسوار... ومن ثم غلافاً يحميه من الخدوش... وبعد أن دخلت الكاميرا الى الهواتف الخلوية، اصبح لا مفرّ من شراء الأدوات التي تساعد في نقل الصور من الجهاز إلى الكومبيوتر... هذا فضلاً عن بطاقة التعبئة المدفوعة سلفاً، أولاً بطاقة للكلام، وبعدها بطاقة للرسائل القصيرة ، فبطاقة لارسال الصورMMS... وغالباً ما يترتب على تعبئة البطاقة اتصالات بأصدقاء من اجل القيام بالمهمة:"اتصل باحد اصدقائي لتعبئة بطاقتي لأن لا مركز لبيع البطاقات بالقرب من منزلي". الإصرار على رغد العيش، والمظاهر التي تعتبر من أهم ما يحكم العقلية اللبنانية، لا يقف في وجهه الدخل المحدود. ومديونية العائلات اللبنانية مرتفعة جداً، وقلّما تجد منزلاً لم يلجأ إلى القروض المصرفية... فمن لم يأخذ قرضاً سكنياً حصل على قرض من اجل شراء سيارة، أو من اجل شراء كومبيوتر، أو أثاث منزل... ويبقى اللجوء إلى الدفع بالتقسيط سيد الموقف وقد لجأت إليه بعض محلات الألبسة في الأحياء الشعبية حيث يدفع الزبون أسبوعياً ما يتوافر معه. اما بالنسبة إلى الموظفين فتبقى الcredit card وسيلتهم الى برّ الأمان، اذ يشترون ما يريدون ويدفعون شهرياً. وتلخّص بشرى 26 عاماً الموظفة في شركة تأمين هذه الحالة بالقول:"اشتري ما يحلو لي، غير آبهة بالأسعار، لأني ببساطة لا ادفع الثمن مباشرة، فلا اعي كم صرفت الا في نهاية كل شهر. وياما صدمتُ وقطعتُ عهوداً على نفسي ألا افعل ذلك مجدداً، ولكن... ما بيدي حيلة لقد اعتدت ذلك".