داخل مركز تجميل، طغت عليه الألوان الزاهية، تتلقى إحدى الموظفات اتصالات من سيدات وفتيات، تجاوبن سريعاً مع خدمة «بنات تاكسي» الأولى من نوعها في لبنان. ست سائقات يجمعهن زي موحد: قميص أبيض، بنطال أسود، ربطة عنق زهرية، وردة زهرية على الشعر... وسيارات زهرية، تكمّل مستلزمات الخدمة «الأنثوية». المهمة هي تأمين تنقلات «الجنس اللطيف» ومنحهن راحة نفسية قد لا تتوافر عند سائقي «الجنس الخشن». ومنذ افتتاح المركز قبل نحو أسبوعين، تُبدي صاحبة المشروع الجديد نوال ياغي فخري، ارتياحها الى «الإقبال الكبير على طلب السائقات من مكتبنا». وتؤكد: «بدأنا بثلاث سيارات، لكننا نجهز سيارات إضافية وستوضع في الخدمة قريباً، كما أننا لا نزال نستقبل طلبات توظيف للتوسع في المشروع». في تايلاند، التي تزورها فخري من أجل تأمين «مواد طبيعية» لمركز التجميل الذي كانت تتحضر لافتتاحه، ولدت فكرة «بنات تاكسي»، حيث أعجبتها سيارات زهرية اللون، كانت تجوب شوارع بانكوك. وبعد عودتها قررت في البداية شراء سيارة زهرية كدعاية للمركز، لكن لاحقاً نضجت فكرة «التاكسي» في مخيلتها، وفوجئت بأعداد الراغبين في العمل كسائقات لديها، مما شجّعها على المضي في المشروع. والهدف تقول فخري، هو تأمين الراحة للسيدات، مع العلم أن الخدمة متوافرة للرجال شرط أن يكون من يرافق الزبونة، زوجها أو فرد من العائلة أو الأولاد أو حتى صديق. «أما اختياري للون الزهر، فلأنه يرمز الى المرأة وأنوثتها». في الطبقة الأولى من بناية متواضعة، في أحد شوارع منطقة الرابية (شرق بيروت) الراقية، تتلقى سائقات «بنات تاكسي» أوامر الانطلاق. الخدمة مؤمنة على مدار الساعة، وطوال أيام الأسبوع، مع دوامين ليلي ونهاري. أكثر من معيار اعتمد في اختيار السائقات: فوق سن الثلاثين، إجادة القيادة مع رخصة سوق، الالتزام بقوانين السير، الرغبة الصريحة في خوض هذه التجربة، الأناقة، التهذيب... وطبعاً الزي الوردي. من مربية في دار للحضانة الى سائقة تاكسي، «تغزل» في شوارع بيروت بسيارتها الزهرية. تلك كانت النقلة النوعية في حياة جانيت (44 سنة). وتقول: «لفتني الإعلان وأحببت الفكرة كونها تساوي بين الرجل والمرأة، وإن كنا في مهنتنا هذه، نُشعر الزبونة براحة إضافية غير متوافرة في شكل عام في سيارات التاكسي الأخرى... حتى أنا أشعر كأنني مع أصحابي». وتؤمّن جانيت دوام 8 ساعات يومياً، واختبرت في مشروع «بنات تاكسي» نمطاً جديداً في التعاطي مع النساء أثبتت من خلاله، كما تقول، أن المرأة وعلى عكس ما يشاع عنها، تقود أفضل بكثير من الرجال وباستطاعتها أن تؤمّن للزبونة جواً من الطمأنينة في سيارة التاكسي «النسائية». وتضحك قائلة: «أكثرية حوادث السير يتسبب بها الرجال... هذا وحده كاف لينطلق مشروعنا بسرعة البرق، وأكثر من ذلك فإن الوالد مثلاً سيكون مرتاحاً أكثر لو أرسل ابنته في سيارة تاكسي «نسائية»، بدلاً من إرسالها مع رجل غريب». وما إن قُبل طلب كريستين (متزوجة 32 عاماً) للعمل في «بنات تاكسي»، حتى سارعت الى اقفال محل ثياب داخلية كانت تديره، والتحقت بالمهنة الأحب الى قلبها... قيادة السيارات. وتؤكد كريستين: «نحن لا نضارب على السائقين في مهنتهم، تركنا لهم الرجال «ياخدوهم ويجوبوهم». وتضيف كريستين: «لا صعوبة في عملنا طالما أننا نحسن القيادة ونعرف خريطة المناطق والشوارع. والواضح أن التجاوب مع خدمة الشركة كان كبيراً بدليل الاتصالات التي نتلقاها يومياً». كريستين لاقت دعم الأهل لخوض هذه التجربة، وترى أن الزي الزهري الإلزامي يعطي طابعاً «رسمياً» لعملها ومحبباً في الوقت نفسه. وكان افتتاح شركة «بنات تاكسي»، تم برعاية وزارة السياحة اللبنانية من باب تشجيع المبادرات الفردية التي لها انعكاسات مباشرة على السائحين وخصوصاً العرب منهم. وتقول فخري: «نحن ننتظر مجئ السياح في الصيف، وندرك أن هذه الخدمة ستلقى إعجاب السيدات الخليجيات اللواتي قد يفضلن الانتقال بتاكسي نسائي، لكن عملنا ليس موسمياً بل على مدار السنة... وعلى عكس ما بدأ يشاع، فنحن لا نتوجه فقط للسياح، وإن كنا نتّكل عليهم لزيادة مردودنا».