بدأ رئيس الحكومة المكلف تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة عمر كرامي تبادل الاتهامات مع قيادات معارضة حول المسؤولية عن إمكان فشل دعوته الى تأليف حكومة اتحاد وطني، منذ اللحظة الاولى لتكليفه بعد ظهر امس، ودعوته المعارضة الى الانضمام الى هذه الحكومة. راجع ص 2 و3 وترافق الجدل على الحكومة امس مع تلميحات نشرتها"نيويورك تايمز"مفادها ان واشنطن قد تكون تخلت موقتاً عن المطالبة بنزع سلاح"حزب الله"وباتت تعطي اولوية لدخوله النسيج السياسي. لكن وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس اكدت في تصريحات لها من مكسيكو ا ف ب ان"النظرة الاميركية الى حزب الله لم تتغير". وعبرت بريطانيا عن قلقها من تكليف كرامي تشكيل الحكومة الجديدة، وقال جاك سترو وزير الخارجية البريطانية:"أشعر باستياء بالغ لأن الرئيس اميل لحود طلب الى رئيس الوزراء عمر كرامي تعيين الحكومة نفسها وآمل بشدة ان تكون هذه حكومة موقتة". وأضاف بعد محاضرة في لندن:"أعبر عن القلق ازاء الظروف التي ستجرى فيها الانتخابات الجديدة. نحن نشعر بالقلق لعدم توافر الظروف الكفيلة بايجاد فرص متكافئة". في غضون ذلك، يصل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة المكلف مراقبة تنفيذ القرار 1559 تيري رود لارسن الى بيروت اليوم ليتوجه منها الى دمشق، باعتبارها المحطة الأولى لتنفيذ القرار الذي طالب بانسحاب جميع القوات الأجنبية من لبنان والكف عن التدخل في شؤونه الداخلية، حيث يتوقع أن يسمع رسالة معينة من الرئيس السوري بشار الأسد. ويقوم لارسن بزيارته الثانية، بصفته الجديدة كمراقب لتنفيذ القرار 1559، الى بيروتودمشق لمدى"تعقيد وهشاشية"الوضع السائد في لبنان، حسبما مقربين اليه، و"عازماً على الاستماع بدقة"لاجواء كل من الحكومة السورية والحكومة اللبنانية و"حزب الله"باعتبارها جميعها معنية بتنفيذ القرار 1559. عملياً، يذهب لارسن الى دمشق ليؤكد أن أولوية المجموعة الدولية هي انسحاب القوات والاستخبارات السورية من لبنان كاملاً قبل الانتخابات البرلمانية في شهر أيار مايو. قد يوافق على أن القرار 1559 لا يطالب ببرنامج زمني للانسحاب، ولا يدخل في كونه تدريجاً، ولا ينص على ضرورة إكماله قبل الانتخابات، لكنه سيشير الى أن القراءة الدقيقة للبيان الرئاسي الذي صدر بعد القرار وللتقرير الأول للأمين العام توضح ان هناك نوعاً من برنامج زمني كأمر واقع يجعل من شهر نيسان ابريل الموعد الحاسم إذ انه موعد تقديم الأمين العام ومبعوثه التقرير الى مجلس الأمن الذي سينص على ما إذا نفذت سورية القرار 1559 أو لم تنفذه. ما لن يقوم به رود لارسن، حسب المصادر، هو ربط هذا المطلب الدولي برسائل قد تريد القيادة السورية بعثها الى المعنيين الدوليين وبينهم الولاياتالمتحدة أو اسرائيل. فهو سيكون هذه المرة بالغ الحذر في ما يخص الرسائل بين اللاعبين بعدما نُسفت جهوده السابقة التي قامت على التهدئة والتدريجية عندما اغتيل الرئيس رفيق الحريري، ما أدى الى إجماع بين أعضاء مجلس الأمن على أن هذا ليس وقت المساومة أو المقايضة وانما هو وقت التنفيذ. المرحلية العملية الوحيدة التي تبدو واقعية، حسب أوساط مجلس الأمن، هي عبر تنفيذ القرار 1559 على مرحلتين غير متباعدتين انما من دون أن تكونا متلاصقتين، أي ان البند الذي يدعو الى"حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية"، والذي يخص الحكومة اللبنانية، يمكن التعاطي معه بعد الانتهاء من البند الذي"يطالب جميع القوات الاجنبية المتبقية بالانسحاب من لبنان"، والذي يخص الحكومة السورية. لذلك، عملت الديبلوماسية الدولية والأوروبية على اقناع الديبلوماسية الأميركية بأن تخرج"حزب الله"من زاوية"الارهاب"التي وضعته الادارة الاميركية فيها لتتعاطى معه كحزب سياسي ونجحت الى حد ما. لكن هذا النجاح يبقى رهن ما سيسمعه لارسن أيضاً من قادة"حزب الله"في بيروت. لذلك فهو ينوي الاستماع الى القيادات كافة في لبنان لقراءة توجهات الحوار الوطني اللبناني. لكن ما لن يتمكن من تقديمه الى أية قيادة هو موقف لمجلس الأمن يضع اتفاق الطائف فوق القرار 1559. وقد حرص لارسن على أن يتحصن بنوع من الشراكة العربية والدولية قبل توجهه الى بيروتودمشق وذلك باجتماعه بمسؤولين أوروبيين في بروكسيل ومدريد، وكذلك بكل من الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في أوروبا والرئيس المصري حسني مبارك في شرم الشيخ. وحسب ناطقة باسم الأمين العام للامم المتحدة أمس تطرقت محادثات مبارك ولارسن الى"انسحاب القوات والاستخبارات السورية من لبنان... والى الانتخابات البرلمانية في لبنان والميليشيات العاملة فيه والاستقرار في المنطقة". وقال مسؤول أميركي، اشترط عدم ذكر اسمه، ل"الحياة"أمس:"لن نقوم بكل شيء في آن واحد"، مشيراً الى أن"الأولوية في القرار 1559 هي للانسحاب السوري التام". وقال:"نراقب الديناميكية السياسية"في لبنان، و"لن نسعى الى استفزاز حزب الله، لكننا لن نغيّر سياستنا القائلة بأن حزب الله منظمة ارهابية". جنبلاط: خيبة أمل وعلى رغم ان كرامي أعلن في تصريح أدلى به فور تكليفه ان سيجري مشاورات مع المعارضة وأخّر بدء المشاورات النيابية الرسمية لتأليف الحكومة الى الاثنين المقبل، اقترن اعلانه هذا بتحميل المعارضة مسؤولية"الخراب في البلد"اذا لم تقبل بالانضمام الى هذه الحكومة. اما رموز المعارضة فردوا فوراً بالحديث عن"سيناريو"او"فوعة"لأجل تحميل المعارضة المسؤولية. وأكد الزعيم المعارض رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في تصريح له من موسكو التي يلتقي المسؤولين فيها لشرح موقفه، ان تكليف كرامي"خيبة أمل وتمديد للأزمة"، معتبراً ان"بعد محاولة اغتيال النائب مروان حمادة ثم اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري البلاد خربت". وقال في تصريح ل"الجزيرة":"ماذا يقدم عمر كرامي؟ حوار؟ لنرَ. وحوار على أي قاعدة؟ على قاعدة إقالة قادة الاجهزة، ومن قتل الحريري، ولجنة تحقيق دولية، ولا نثق بكل القضاء اللبناني". وكان كرامي قال في ندوة صحافية في منزله في حضور"الحياة"ان حكومة الاتحاد الوطني"تمنع من إلحاق الخراب بالبلد، واذا لم تشكل فإننا ذاهبون الى ما لا تحمد عقباه ولا أظن ان احداً يريد ان يغرق بلده في الفوضى". وأكد انه ليس في وارد تأليف حكومة"اللون الواحد او الامر الواقع". وشدد على انه ليس مع حكومة مواجهة او الفريق الواحد"لأننا في اليوم الثاني لتأليفها سنذهب الى الخراب، وأنا لا أركض وراء الكرسي فالمسؤولية لن تكون سهلة وهناك جمرة نار في يدنا ويمكن ان تحرق البلد". وتابع:"تعرضت لشتائم وحملات افتراء من البعض الذي حاول ان ينسب لنفسه حق اسقاط الحكومة على رغم ان الاكثرية وقفت الى جانبنا، الشارع تحرك من اجل دعمنا تظاهرة"حزب الله". ومع ذلك نمد يدنا الى الجميع لانقاذ البلد ومن لا يريد فليتحمل مسؤولية رفضه". وقال:"ان من يعتبر اني اناور سياسياً مخطئ وأنا لا ألعب لعبة كسب الوقت ما دمت أرفض أي حكومة بديلة من الحكومة الشاملة التمثيل. واذا كنت العقبة انا حاضر للتنحي". وحذر كرامي من تأجيل الانتخابات النيابية"في حال بقينا في ظل حكومة تصريف اعمال يستحيل ان يتم من خلالها أي تشريع لقانون الانتخاب. ولا نفع من تعويم الحكومة الحالية. نريد تحقيق شراكة بين الموالاة والمعارضة". وإزاء مطالب المعارضة كشروط للبحث في الاشتراك في حكومة جديدة، وأهمها تحقيق دولي باغتيال الحريري وإقالة النائب العام التمييزي وخمسة من قادة الاجهزة الامنية، قال كرامي:"رئيس الحكومة يستطيع اعطاء ضمانات لأي فريق، فهو يترأس مجلس الوزراء لكن هذا لا يعطيه الحق في توفير الضمانات او التعهدات التي تبقى ملكاً لمؤسسة مجلس الوزراء ككل، اما من يطالب بغير ذلك فهو يخرق اتفاق الطائف في الوقت الذي نجمع على تطبيقه". ورأى كرامي ان الوضع"لا يسمح بلعبة تبادل الشروط او الفيتوات ومن يريد ان يضع شروطاً مسبقة يخطط للوصول الى طريق مسدود وعندها لا يكون هناك حوار". واعتبر ان"لا شيء اسمه حكومة حيادية". وأكد ان"المشاورات ستشمل الجميع في الدرجة الاولى وليد بك جنبلاط الذي هو ركن اساسي في المعارضة اذا لم نقل انه المعارضة وهو ركن اساسي في اللعبة ولا نستطيع تحقيق شيء اذا لم يشارك"، مؤكداً انه سيحاول لقاء البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير قبل ان يتوجه الاخير في زيارته الى الولاياتالمتحدة الاميركية. ورأى ان"لا شيء مستحيلاً أمامنا اذا تعاملنا بنيات طيبة... ونحن لسنا في وارد تعجيز المعارضة". وعما اذا كانت الحكومة ستمنع الاعتصامات التي تنفذها المعارضة، قال:"الشحن الاعلامي المستمر منذ جريمة اغتيال الرئيس الحريري ادى الى تعبئة النفوس وأجواء غير طبيعية... وتعرفون حجم التظاهرة التي دعا اليها الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله الثلثاء الماضي والناس نزلت الى الشارع لتعبر عن رأيها مع الموالاة"، مؤكداً ان"الناس مناصري الموالين لن تترك الشارع لفئة اخرى والتجمعات ستتكرر ولا اعرف متى يحصل الصدام". وأضاف:"اذا تدخلت قوى الامن لمنع الاعتصامات ستقوم القيامة وسيوظفها البعض على انها ضد الاحتجاج على اغتيال الحريري". وأشار الى ان"البلد على برميل بارود". وعن اشتراك"حزب الله"في الحكومة، قال:"الأمر متروك له ونحن لا نمانع بل نرحب". المعارضة وفي صف المعارضة حذر النائب باسم السبع من وجود"مخطط مشبوه يقود البلاد الى شكل من اشكال الفراغ السياسي والفوضى السياسية"، سائلاً:"كيف يدعون الى تشكيل حكومة اتحاد وطني وعلى رأسها الرئيس عمر كرامي؟". وأضاف:"يقول الرئيس كرامي انه يحكم باسم الاكثرية فليشكل حكومة تمثل الاكثرية وليحكم باسم الاكثرية ولتعلن المعارضة موقفها في شكل ديموقراطي. المشكلة موجودة عند الرئيس كرامي وعند الرئيس اميل لحود والطاقم السياسي الذي يقود هذا النظام الأمني في البلاد". وسأل:"لماذا لم يبدأ كرامي بالاستشارات الرسمية لتأليف الحكومة غداً اليوم وقام بتأجيلها الى الاثنين ولماذا يتباطأ؟". وقال مصدر نيابي معارض:"منذ عشرة ايام وهم يقولون ان كرامي سيعود الى رئاسة الحكومة وهم يهيئون لسيناريو يقضي بالإبقاء على الحكومة الحالية المستقيلة، وهم يتباطأون الآن لتمرير الوقت في انتظار مجيء موفد الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن لمعرفة ما يحمله". ورأى المصدر المعارض ان"هناك نية لتمرير عقد القمة العربية في 22 الجاري تحت عنوان استمرار المشاورات التي قال كرامي انه سيأخذ وقته لاجرائها من اجل الايحاء للقمة بأن لا مشكلة في لبنان وان ما يجري هو التشاور لتوحيد الموقف". "حزب الله" وفي موازاة ذلك، وصم البرلمان الاوروبي امس"حزب الله"اللبناني بأنه"جماعة ارهابية"وحث وزراء الاتحاد الاوروبي على التحرك ضده. وقال قرار غير ملزم تبنته غالبية كبيرة:"يعتبر البرلمان ان هناك دليلاً واضحاً عن قيام"حزب الله"بانشطة ارهابية يتعين على الاتحاد الاوروبي اتخاذ كل الخطوات الضرورية للحد منها". وجدد القرار الذي تبناه البرلمان مطالبة سورية بسحب قواتها وأجهزة استخباراتها من لبنان، بغالبية 473 صوتاً في مقابل ثمانية اصوات وامتناع 33 عضواً عن التصويت.