وجه الرئيس العراقي السابق صدام حسين كلمات شديدة اللهجة الى رئيس المحكمة وشكا من"المحتلين"عندما استؤنفت في بغداد أمس محاكمته بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية. وبعد جلسة استغرقت أقل من ثلاث ساعات وتضمنت شهادة مسجلة بالفيديو لشاهد اصبح حاليا في عداد الاموات، أمر القاضي بتأجيل المحاكمة أسبوعا لاعطاء احد المتهمين الثمانية فرصة الحصول على تمثيل قانوني. وفاجأ الشاهد الجميع عندما اتهم الأخ غير الشقيق للرئيس المخلوع برزان التكريتي ونائبه طه ياسين رمضان في قضية الدجيل ولم يسم صدام. وأصبح رمضان بلا محام بعد مقتل اثنين من أعضاء فريق الدفاع وفرار ثالث من العراق بعد تلقيه تهديدات عقب جلسة المحاكمة الاولى التي عقدت في تشرين الاول اكتوبر. ورفض رمضان محاميا عينته المحكمة لذا أمر رئيس المحكمة رزكار محمد أمين بالتأجيل. وستعقد الجلسة التالية في كانون الاول ديسمبر، قبل عشرة أيام فقط من الانتخابات في مرحلة يتوقع أن يحتدم فيها العنف. ويتهم بعضهم الحكومة باستغلال المحاكمة للترويج لمرشحيها. ووصل صدام الذي كان يرتدي قميصا ابيض وسترة داكنة ويحمل مصحفا في يده متأخرا عن موعد الجلسة وهي الثانية منذ بدء محاكمته وسبعة من مساعديه، وكانت معنوياته مرتفعة. لم يتأثر بما يدور حوله، وراح يستمع باهتمام وهدوء الى ما يقال. وحين سأله القاضي عن سبب تأخره اعترض على الطريقة التي أحضر بها الى المحكمة، وقال انه اضطر بسبب توقف المصعد الى صعود السلم"الذي لا يستطيع شخص شاب ان يصعده وهو محرر اليدين فكيف بشخص مثلي مقيد اليدين". وحافظ القاضي على نبرته الهادئة المهذبة التي اتسم بها خلال مشادات سابقة مع صدام وأبلغه أنه سيطلب من رجال الامن مراعاة ذلك في المرة المقبلة. فأجابه صدام"يجب ان تأمرهم. هم في بلادنا وانت صاحب سيادة. انت عراقي وهم محتلون وغزاة ويجب ان تأمرهم بالحق". ودخل صدام في جدل مرة اخرى مع القاضي بشأن حقوقه واعترض على الاجراءات الامنية وعلى تجريده من قلمه واوراق كانت في حوزته. وقال:"من أهم مقومات المتهم وعندما يكون تحت اشراف المحكمة من حيث الشؤون الادارية ان يكون لديه قلم. كيف للمتهم وليس صدام حسين، ان يدافع عن نفسه ويجرد من القلم والورقة". واضاف:"انا لا اقصد الورقة البيضاء لكن الاوراق التي فيها ملاحظاتي". ووعد القاضي الرئيس العراقي السابق بإعادة أوراقه اليه. وفي حين ارتفع صوت صدام بانفعال انقطع البث التلفزيوني للمحاكمة والصوت المصاحب للصورة. وتذاع اللقطات التي تبثها شركة"كورت تي في"الاميركية متأخرة 30 دقيقة لإتاحة الفرصة للمسؤولين لحذف أي مشاهد لا يقرونها. وعقب اغتيال اثنين من فريق الدفاع احيطت المحاكمة باجراءات امن مشددة للغاية. ولا يظهر وجه اي من المحامين الذين يدافعون عن صدام في اللقطات التلفزيونية ولا يظهر سوى قاض واحد من القضاة الخمسة. وقال برزان التكريتي للقاضي انه مريض بالسرطان وان الرئيس جلال طالباني ورئيس الوزراء ابراهيم الجعفري وافقا على ان يتلقى العلاج خارج السجن الذي يحتجز فيه. وعندما أجابه القاضي انه لم ير اي طلب في هذا الشأن قال التكريتي ان هذا"اعدام غير مباشر". ويواجه صدام والاخرون تهمة اصدار الامر بقتل 148 شيعيا من سكان بلدة الدجيل شمال بغداد في اعقاب محاولة فاشلة لاغتياله عام 1982. وقد تصل عقوبته وبقية المتهمين الى الاعدام اذا ثبتت ادانتهم. وفي بداية الجلسة وافق القاضي على السماح لوزيري العدل السابقين الاميركي رامزي كلارك والقطري نجيب النعيمي بالانضمام الى فريق الدفاع عن صدام كمستشارين. وتحدى النعيمي شرعية المحكمة وقال ان المحاكمة يجب ألا تستأنف قبل ضمان سلامة فريق الدفاع. فوعد رئيس المحكمة بالرد على اعتراضه كتابة. وأمر امين الادعاء بتقديم أدلته، رافضا فيما يبدو طلب الدفاع تأجيلاً آخر للمحاكمة. وكان فريق الدفاع اعلن انه سيطالب بتأجيل المحاكمة ثلاثة اشهر. ثم عرضت على المحكمة لقطات فيديو لصدام في تموز يوليو عام 1982 في اليوم ذاته الذي وقعت فيه محاولة الاغتيال في الدجيل. واعيدت اكثر من مرة لقطات يظهر فيها صدام وهو يقف على جانب طريق يستجوب بعض المشتبه بهم بنفسه عقب محاولة اغتياله، ومن بينها لقطة يأمر فيها معاونيه باصطحاب المشتبه بهم واستجوابهم كلاً على حدة. ثم عرضت المحكمة شهادة مسجلة لشاهد في المستشفى في أواخر الشهر الماضي قبل ايام من وفاته بمرض السرطان. وهو وضاح الشيخ وكان ضابطا في الاستخبارات في عهد صدام وارسل الى الدجيل عقب محاولة الاغتيال بفترة وجيزة للمشاركة في التحقيق. وفي شهادة أدلى بها بعد أداء اليمين وتلاها القاضي امين وصف الشيخ رحلته للبلدة واكتشافه بضع جثث وسط اشجار النخيل حيث وقع الهجوم على موكب صدام. وقال استنادا الى عدد فوارغ الأعيرة النارية التي عثر عليها في مكان الحادث انه يعتقد ان ما بين سبعة و12 شخصا شاركوا في محاولة الاغتيال ولكنه اضاف ان قوات الامن القت القبض على المئات من سكان البلدة عقب الهجوم. وأشار بالاسم الى طه ياسين رمضان وبرزان التكريتي لكنه لم يسم الرئيس المخلوع. وقال ان قوات الامن التي حضرت الى المدينة آنذاك القت القبض"على المواطنين من دون الحصر على مذهب معين. من بينهم كان عدد كبير من عشيرة الخزرج وهم من السنة وكذلك شملت الاعتقالات افراداً من الشيعة من مختلف الاعمار والاجناس وعائلات كاملة بأطفالها ونسائها وشيوخها وشبابها كان من بينهم عدد من الهاربين من الخدمة العسكرية". وتابع ان"عدد من القي القبض عليهم في الدجيل آنذاك كان يناهز 400 شخص تم توقيفهم واحتجازهم في مقر الحزب، ثم نقلت العائلات في اليوم التالي الى سجن ابو غريب."واضاف ان برزان التكريتي طلب منه بعد ذلك بأشهر"نقل هؤلاء الى محافظة المثنى... ولا اعرف ما الذي جرى لهم بعد ذلك".