على خلاف النظرة الساذجة والقاطعة الى الخلافات بين أوروبا والولاياتالمتحدة، وتباعدهما السياسي، تظهر مسائل مثل معاملة أسرى الارهاب، والحرب على الارهاب، وتعذيبهم وسجنهم في معتقلات سرية ونقلهم في الخفاء، تقارباً بين ضفتي الاطلسي ومجتمعات الضفتين. وابتدأ هذا التقارب منذ 11 ايلول سبتمبر. ومن العلامات عليه قرار البيت الابيض، في 15 كانون الاول ديسمبر، الرجوع عن معارضة تعديل الشيخ الجمهوري جون ماكين، القاضي بحظر معاملة السجناء، عسكريين أو مدنيين، الاجانب بيد السجانين الاميركيين معاملة وحشية وغير انسانية، وتعديل ماكين هذا، اقره مجلس الشيوخ في تشرين الثاني نوفمبر ب 90 صوتاً، وعارضه تسعة شيوخ على رغم حملة نائب الرئيس ديك تشيني. وهذا قرينة قوية على شجب الاميركيين نهج المعاملة السابق. وقرينة اخرى على الشجب هي استنكار اجازة البيت الابيض التنصت، حين كشف عنها في 16 كانون الاول. ففي مناقشة العلاقة بين الامن والحرية، لا ريب في ان الرأي العام الاميركي يتغير وينتقل من موقف التسليم الى موقف الانكار. والمسؤولون السياسيون الاميركيون، ومن ورائهم صحافة أميركية اقوى صوتاً، يدركون يوماً بعد يوم الضرر الذي اصاب صورة الولاياتالمتحدة في العالم جراء مناقشة التعذيب والخلاف على استعماله. واسر شيخ اميركي عائد من جولة بافريقيا ديبلوماسيين فرنسيين التقاهم بباريس، ان زعماء الدول الاسلامية الذين يحادثهم قلما يسألونه عن اجتياح العراق، او ينددون به، فما ينكرونه من السياسة الاميركية هو في المرتبة الاولى، التعذيب وتنكر الولاياتالمتحدة لقيمها ومبادئها الاساسية. ويقارن الشيخ بين هذه المسألة وبين معتقلات اليابانيين الاميركيين في الحرب الثانية في اعقاب العدوان الياباني على بيرل هاربر. ويلاحظ ان المشاعر الاميركية تنزع الى محاكمة مثل هذه المسائل محاكمة قريبة من المحاكمة الاوروبية. ويماشي القضاء، في بعض الاحيان، النازع الشعبي هذا. وفي الولاياتالمتحدة وبريطانيا، نأت الهيئات القضائية العليا، المحكمة العليا وهيئة لوردات القانون، بنفسها عن سياسة السلطة التنفيذية، ودعت الى حماية الحريات الفردية. وعلى هذا، خاطبت كوندوليزا رايس مواطنيها ومضيفيها الاوروبيين على حد واحد، في اثناء جولتها الاوروبية من 4 كانون الاولى الى 9 منه. وكانت حجتها الاولى ان الحرب على الارهاب نمط جديد من المنازعات والارهابيين المحتجزين والاسرى اليوم لا يدخلون تحت باب العدالة الجزائية أو العسكرية المعروفة والملبية لحاجات ومقتضيات مختلفة. والحجة الثانية، هي ان نقل الاسرى من بلد الى بلد اجراء معروف منذ عقود، وتوسلت به فرنسا حين نقلت كارلوس اواستردته من السودان. والحجة الثالثة هي ان الاوروبيين والاميركيين يستقلون مركباً واحداً، ويحسن بهم ان يفحصوا معاً، قبل الاعتداء الآتي، الاختيارات الصعبة التي على الحكومات الديموقراطية جبهها وحسمها. ولما لم يفتر السجال ولم يضعف، اوضحت المسؤولة عن الديبلوماسية الاميركية في كييف اوكرانيا ان الطاقم الاميركي الذي يسري عليه تعديل ماكين، وحظر المعاملة الوحشية وغير الانسانية والمهينة، لا يقتصر على الاراضي الاميركية وحدها. وفي مساء اليوم هذا، استقبل زملاء رايس الاوروبيون زميلتهم في بروكسيل بحفاوة واضحة. وطمأن مستشار البيت الابيض للامن القومي، ستيفن هادلي، الاميركيين الى ان تعاون الحكومات الاوروبية في تعقب شبكات الارهاب يفوق ما يمكن ان يعلن على الملأ والشاشات، على رغم الازمات الديبلوماسية بين الوقت والآخر. وذهب كولن باول، سلف رايس، الى ان"الاصدقاء الاوروبيين"كانوا على علم بنقل السجناء ورحلات طيارات وكالة الاستخبارات الاميركية ولا يسع المسؤولين الاوروبيين الاقرار بأن حجج كوندوليزا رايس من العسير جداً دحضها او ردها. ففي الحرب من"نمط جديد"، تتسع الهوة بين المجتمعات المدنية وبين الحكومات، وليس بين ضفتي الاطلسي. عن سيلفي كوفمان، "لوموند" الفرنسية. 23/12/2005