إقبال العراقيين على الاقتراع في الانتخابات الثلاثة في العام المنصرم نجاح كبير لا شك فيه. وعلى هذا، يجب إنشاء ائتلاف حكومي يكون مرآة مشاركة العراقيين في الانتخابات. وهذا شرط استمرار الائتلاف. ولا شك في أن البرلمان الجديد ينوء تحت تحالف الأحزاب الشيعية الدينية. وفي سعي الى إضعاف التمرد المسلح، تدعم الادارة الأميركية حكومة عراقية يتمثل فيها السنّة تمثيلاً جيداً. ويرمي ذلك الى عزل أنصار صدام حسين وپ"المجاهدين"، وإطراح القوميين السنّة منهم. وهؤلاء همّشوا جراء اخطاء بول بريمر السياسية في مرحلة الحكم الانتقالية. وأكدت الانتخابات العراقية غلبة الطائفية على الحياة السياسية العراقية. فمصالح الطوائف الخاصة هي شاغل الجماعات وهمها الوحيد. ويقتصر دور النواب المنتخبين على مفاوضة ممثلي الطوائف الأخرى، والحصول على حصة أكبر من السلطة. وليس الانتصار في حرب العراق شأن القوات الأميركية. وهذا ما تشير اليه إناطة القضاء على التمرد بالجيش العراقي. وتواجه واشنطن مشكلة في التوصل الى مخرج وضع سياسي مقبول بالعراق يجنبها الفشل السياسي قبل نهاية ولاية جورج دبليو بوش. وعلى رغم التحفظات على حرب العراق ودواعيها، ينبغي الاقرار بأنها أتاحت وصول جماعتين مقموعتين ومضطهدتين، وهما تمثلان ثمانين في المئة من السكان، الى السلطة. وهذا انجاز على افتراض ان الديموقراطية هي حكم الأكثرية. ويفترض تفادي الوقوع في الفوضى إدخال السنّة في العملية السياسية. وفي الولاياتالمتحدة يدفع جورج بوش ثمن الاخفاق في تحقيق النصر في الحرب. وهي حرب لم يُهيأ الجيش الأميركي لخوضها. وأسهم الجهل بثقافة العراقيين المحلية، والتسرع، في تضييع فرصة الحصول على تأييد العراقيين. وفات أوان كسب ود العراقيين والأميركيين على رغم تغيير الادارة الأميركية تكتيكاتها وسياستها بالعراق. فالحكومة الأميركية تُحاسب على انتهاك حقوق الانسان والإخفاق في إعمار العراق وبنائها. ونظراً الى التمرد بالعراق وغياب الاستقرار، فميل الرئيس الأميركي الى ابقاء القوات الأميركية بالعراق وإحلال النظام والأمن، سياسة حكيمة. ولعل النتائج المترتبة على انسحاب سريع ومفاجئ أسوأ من تلك المترتبة على بقاء القوات الأميركية بالعراق. فالسنّة والشيعة عاجزون عن السيطرة على عراق ما بعد البعث. ويبقى مصير العراق مجهولاً، ويصعب التنبؤ به. فهل يتوصل العراقيون الى تسوية ومصالحة أو ينزلقون الى حرب أهلية؟ عن جيرار شاليان باحث سياسي ومؤلف "من حرب عراقية الى أخرى" ، "لو فيغارو" الفرنسية. 21/12 2005