بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لمسيرة برشلونة المعروفة ايضاً بأسم"الشراكة الاورو- متوسطية"تستقبل اسبانيا منذ امس القمة الثانية التي تشارك فيها 35 دولة، وهي القمة الاولى لبلدان شرقي اوروبا. ففي السابع والعشرين من تشرين الثاني نوفمبر 1995 خطت السياسة الخارجية الاوروبية، بفضل الديبلوماسية الاسبانية، خطوة طموحة وقامت بمبادرة مبدعة باتجاه قيام وحدة بين المتوسطيين من اوروبيين وافارقة وعرب مضمونها اقتصادي وعمقها سياسي. وبما انه لا يمكننا فصل الاقتصاد عن السياسة حدد البيان النهائي بعض الاصلاحات الضرورية المتوجبة على الدول التي تحتاج اليها. حضرت آنذاك دول المتوسط من الشمال الى الجنوب مروراً باسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية اضافة الى دول الاتحاد الاوروبي في حين تم استثناء ليبيا التي قيل في حينه انها تدعم الارهاب. اليوم تغيرت الامور كثيراً كما تبدلت العلاقات والتحالفات والخرائط السياسية والاجتماعية وحتى الجغرافية. وأصبحنا نتعاطى مع الزمن استناداً الى تواريخ مؤلمة بحق البشرية والمسلمين مثل سبتمبر 2001 نيويورك، او ايار مايو 2002 الدار البيضاء، او اذار مارس 2004 مدريد... لكن الانظمة العربية لم تتغير. على رغم ان فكرة هذه المسيرة ولدت من خاطر عدد من كبار خبراء السياسة الخارجية الاوروبية وعلى رأسهم وزير الخارجية الاسبانية آنذاك خافيير سولانا ومساعده في السياسة الخارجية ميغيل انخيل موراتينوس، وانطلاقاً من العلاقة التي تربط اسبانيا بالعالم العربي خصوصاً المتوسطي منه، وعلى رغم ان سولانا وموراتينوس اصبحا يتوليان اليوم مهمات الديبلوماسية الاوروبية والاسبانية على التوالي وانهما بذلا وما زالا يبذلان مجهوداً لا مثيل له لجمع المتوسطيين، الشماليين والجنوبيين، تحت مظلة واحدة، لكن نتائج ومفاعيل مؤتمر برشلونة الثاني ستكون اضعف من الاولى. واذا سلمنا جدلاً بأن عدم حصول التقدم المرجو على محور ازمة الشرق الاوسط برغم جهود اوروبا وأن تخلف الاوروبيين عن بعض ما تعهدوا به، كانا من العوامل التي ساهمت في تأخير تقدم المسيرة وتنفيذ اعلان برشلونة لعام 1995، لكن لا يمكننا ان ننسى ان الشركاء الجنوبيين لم يتحمسوا لاجراء الاصلاحات السياسية المطلوبة في بلدانهم لا بل ان بينهم من قاومها خوفاً منها واعتقل المطالبين بها. من اسباب البطء ايضاً الازمات التي ضربت المتوسط من الجزائر حتى العراق وتحديات مواجهة اليورو مع الدولار وتوسيع الاتحاد وفقدان فرنسا ميزة مركز جاذبية اوروبا وبالتالي وزنها الاقليمي... لا شك ان تفاصيل توصيات واعلان مؤتمر الشراكة الاورو- متوسطي الاول ومضمون ما سيتمخض عنه مؤتمر اليوم في اطار الاختلاف في وجهات النظر بين المجتمعين بسبب مدونة السلوك الخاصة بالارهاب ومنظمات المجتمع المدني اصبحت معروفة. فالاوروبيون يريدون الاجماع على مدونة سلوك فرنسية ? اسبانية - مغربية خاصة بالارهاب وتمويله ومكافحته. وبعض العرب يطالبون بتحديد معنى"الارهاب"لفصله عن المقاومة. الطرفان يعرفان ان احداً منهما لم يكن يوماً صريحاً وصادقاً بشكل كامل مع الآخر. اما النداءات من اجل نشر الديموقراطية واحترام حقوق الانسان فستكون مطلباً مهماً يتباهى به الجميع. انجازات المؤتمر او فشله سيحكم عليها الزمن وتتحكم بها الظروف وارادة التعاون بين قادة دول ضفتي المتوسط. الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي كان على قدر المسؤولية، اذ حضر الى برشلونه وتحدث عما حققه مؤتمر الشراكة وقدم طروحات وافكار مهمة. فالمشاركة في المؤتمر والعمل على تحقيق اهدافه وانجاز افكاره يتعلق بمستوى ايمان ملوك ورؤساء الدول المتوسطية و قناعاتهم الاورو- متوسطية. لكن ما نشاهده اليوم لا يبشرنا بالخير. يمكننا ان نستنتج منه ان القمة إن نجحت سيكون ذلك بلا شك بفضل مسؤولين اوروبيين وشخصيات عربية من امثال عمرو موسى والرئيس الجزائري بوتفليقه ونظيره الفلسطيني محمود عباس، ليس بسبب حضورهم فحسب بل لقيامهم بتدخلات لاقناع من قرر عدم الحضور من نظرائهم، ربما بنّية افشال المؤتمر، بالرجوع عن قرارهم. اما فشل المؤتمر، الذي ستكون تأثيراته اكثر سلبية على دول الجنوب من الشمال، سيكون قد حصل بسبب الاجماع العربي على ذلك. ومن المؤسف ان بعض القادة يجمعون احياناً على احباط مشاريع بناءة بدل المساهمة في انجاحها خصوصاً انها ستنعكس في آخر المطاف على شعوبهم بالخير وتفتح امامها آفاق جديدة. فبالاضافة الى الارهاب والديموقراطية طرح المؤتمر ايضاً موضوع الهجرة مثلاً. وإذا كان الجانب الاول مزعجاً بالنسبة الى بعضهم فإن الحوار حول الهجرة امر بنّاء ولا بد منه. تساؤلات كثيرة في كواليس المؤتمر: هل ان الزيارات والاتصالات التي قام بها وزير خارجية اسبانيا الى الرئيس مبارك وغيره او الاتصالات التي اجراها رئيس الوزراء الاسباني او الملك خوان كارلوس الاول والرئاسة البريطانية للاتحاد راجين حضور مؤتمر برشلونة لم تكن كافية لاقناع الغائبين بأن اسبانيا واوروبا تراهنان على انجاح المؤتمر؟ ألا يستحق موراتينوس لفتة تقدير، وهو احد السياسيين الغربيين القلائل الذي ما زالوا يؤيدون ويدافعون عن القضايا العربية من دون قيد او شرط، ما كلفه اكثر من مضايقة خلال حياته السياسية التي صرف قسماً كبيراً منها بين مشكلات الشرق الاوسط، ام ان هنالك كلمة سر للتفشيل أعطيت لمن سيزعجه مستقبلاً الفضاء الاورو - متوسطي عندما يتحقق كمارد اقتصادي وبشري يقارب عدد سكانه 780 مليون نسمة؟ وهل ان مساعدات التعاون التي قدمها الشمال الى الجنوب كانت مضرّة بمصالح شعوبهم ويجب تأنيب"الغرب"عليها؟ وعدا عدم المشاركة على المستوى المطلوب، هل اعطى المسؤولون العرب اية توضيحات لمواطنيهم عن اسباب غيابهم ام ان ذلك يدخل في نطاق"الغرب المتآمر الذي لا يود لنا الخير بل يريد استغلالنا..."؟ يؤكد المعهد الاوروبي - المتوسطي ان مسيرة الشراكة نجحت بمعدل 5،6% فقط وهذه هي نسبة متدنية لا تفي بتطلعات الاوروبيين. فما هي تطلعات دول المتوسط على الجانب الآخر؟ هل حددها الغائبون ام الحاضرون ام انها لم تتحدد بعد؟ تمثل لبنان على أعلى المستويات اذ ان الاتحاد الاوروبي لم يوجه دعوة الى رئيس الجمهورية فترأس وفد لبنان رئيس الحكومة فؤاد السنيوره ورافقه وزير الخارجية فوزي صلوخ. ولسورية عذرها الخاص في عدم رفع مستوى تمثيلها عن المؤتمر السابق بعد اللغط حول عدم توجيه دعوة الى رئيسها او اعتذاره. وازمة ربط توقيع الشراكة معها بتعاونها مع الاممالمتحدة يعرقل قضاياها. اما العقيد القذافي فقد قرر الحضور رغم انه كان أكد عدم حضوره قائلاً:"لقد قرأت الاتفاقية بنداً بنداً لثلاث مرات متتالية واكتشفت ان الاوروبيين يطلبون منا كل شيء و لا يلتزمون شيئاً في المقابل". لكن القذافي بات يعتبر اليوم، عامل استقرار في المنطقة بالنسبة الى الاوروبيين من حلفاء اميركا خوسيه ماريا اثنار 2003، بعد كان طويلاً من رموز الارهاب الدولي في نظرهم. وعلى رغم ان مسيرة برشلونة، كانت ولا تزال فرصة فريدة من نوعها لمساعدة حكومات جنوب المتوسط ومجتمعاتها المدنية على تجاوز العقبات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في ظل شراكة حقيقية تعمل على تقريب المجتمعات المدنية بعضها من بعض و تهدف الى تكافؤ الفرص والحقوق و الواجبات، وقد تأكد ذلك من مقررات قمة رجال الاعمال التي عقدت قبل اسبوع وتبنتها قمة اليوم لكن البعض لا يزال يراهن على امور ثانية، ربما لم تكن الافضل لشعبه بل لديمومة نظامه. خلال السنوات القليلة الماضية بلغ تسامح الاوروبيين حد موافقتهم احياناً على توريث رؤساء الدول السلطة لأولادهم اضافة الى دفع مبالغ باهظة للدول المتوسطية المحتاجة ضمن خطط التعاون وصلت قيمتها الى 11 الف مليون يورو. وبما ان اليد الواحدة لا يمكنها ان تصفق بمفردها، ربما سيتعب الشركاء الاوروبيين"التقدميين" ويتخلوا يوماً عن افكارهم التنموية وعن مبادراتهم القائلة بحوار الحضارات وتحالف الثقافات وسياسة حسن الجوار وضرورة خلق فرص عمل للمهاجرين في بلدانهم... لتعود الى الساحة الاوروبية آراء المحافظين وسياساتهم الفظّة. عند ذلك لن يتمكن زعماء الجنوب من ان يشرحوا لشعوبهم اسباب عدم مشاركتهم في مؤتمر برشلونة.