1 حفظ القرآن إن الله تعالى قد تكفل بحفظ القرآن الكريم، وتحمَّل المسلمون الصادقون مسؤولية المحافظة على القرآن الكريم من التصحيف والتحريف والدَّس، فحفظوه بالصدور قبل كتابته في السطور، وأوّلُ الحفّاظِ هو رسولُ الله محمد صلى الله عليه وسلم، ويليه حفّاظُ الصحابة رضوانُ الله عليهم أجمعين، وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون الهادون المهديون أبو بكر الصديق، وعمرُ الفاروقُ، وعثمان ذو النورين، وعليٌّ الكرارُ رضي الله عنهم وأرضاهم ،وجعل الجنة مثواهم ومأواهم، وكان من حرصِهِ صلى الله عليه وسلم على تعليمِ صحابته للقرآن وحفظِهم له أنه كان يتعاهَدُ كلّ مَنْ يلتحِقُ بدارِ الإسلام، فيدفعُهُ إلى مَن يُعلِّمُهُ القرآن. لقد روى الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل بسندِه عن عُبادةَ بنِ الصامت رضي الله عنه قال:"كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُشْغَلُ، فإذا قَدِمَ رجلٌ مهاجرٌ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم دفعَهُ إلى رجُلٍ مِنّا يُعلِّمُهُ القرآنَ"وعُرِفَ من حُفاظِ الصحابةِ طلحةُ، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الأشعري، وسالم مولى أبي حذيفة، وعبد الله بن عمر، وغيرُهم كثير. 2 الحفظ والتدوين كان من مزيدِ عناية النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ بالقرآن أن اعتَنَوا بكتابته وتدوينه، كي يكون ذلك حِصناً ثانياً لحمايته من الضياع والتغيير. فبعدَ أن أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابَه بحفِظِ القرآن في صدورهِم طَلَبَ منهم حفظَه في السُّطور، ونهى في بداية الأمر عن كتابة شيءٍ غيرِ القرآن منعاً لالتباسهِ بغيرهِ من الكلام. وفي ذلك قال الإمامُ ابنُ حجر العسقلاني: إن النهيَ خاصٌّ بوقتِ نزول القرآن خشيةَ التباسهِ بغيره. 3 أول جمع القرآن الدليلُ على الجمعِ من السُّنة المطهرة حديثُ قَتَادَةَ قال: قلتُ لأنس مَن جَمَع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعةٌ كلهم من الأنصار: أُبي بن كعب، ومُعاذ، وزيد بن ثابت، ورجلٌ من الأنصار، يُكنى أبا زيد. مُتفق عليه. ومن الصحابيات اللاتي جمعن القرآنَ الشهيدةُ أمُّ ورقة بنتُ عبدِ الله الأنصارية رضي الله عنها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرَها أن تؤمَّ أهلَ دارِها. والحديث في"مسند"أحمد يرحمه الله. قال القسطلاني: وقد كان القرآنُ كلُّه مكتوباً في عهده صلى الله عليه وسلم، غيرَ مجموعٍ في موضع واحد، وقُبِضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وحالُ كتابةِ القرآن على ما ذكرنا. وقد اهتمَّ المسلمون ابتداءً بالصحابة بحفظ القرآن ودراستِهِ، ومعرفةِ معانيهِ وتفسيرهِ، وكتابتهِ ثم جمعِهِ المشهور في عهد الخليفة الأول أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه وقد دلَّت الرواياتُ الموثوقةُ الصحيحةُ على أن أولَ من أمر بجمع القرآن من الصحابة، هو الخليفة أبو بكر رضي الله عنه عن مشورةٍ من عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه، وأن الذي قام بهذا الجمعِ زيدٌ بنُ ثابتٍ رضي الله عنه، بعد استشهاد عدد كثير من الحفاظ في معركة اليمامة ، وقام زيدٌ بجمع القرآن الكريم من الرِّقاع والأكتاف والعُسب وصدورِ الرجال…وكانت الصُّحفُ التي جُمع فيها القرآن عند أبي بكرٍ حتى توفاه الله، ثم عندَ عمرَ حتى توفاه الله، ثم عند أمِّ المؤمنين حفصةَ بنتِ عمر. وقد روى البخاريُّ الخبرَ في صحيحهِ. ولما آلتِ الخلافةُ إلى عثمان ذي النورين أمرَ بتوزيع نسخٍ من المصحفِ الإمام على الأمصار الإسلامية. ومنذ ذلك الوقت، والمسلمون يحفظون القرآنَ الكريمَ في الصدور وفي السطور ولله الحمدُ من قبلُ ومن بعدُ. 4 علوم القرآن مع تطور العلوم الإسلامية صارت للقرآن الكريم وعلومه مكتبةٌ عامرةٌ تضمُّ القراءاتِ، والتفسيرَ والتأويل، والآياتِ المتشابهات، والناسخَ والمنسوخ، وأسبابَ النزول، وخطَّ المصحفِ، ومعاني كلمات القرآن، وإعرابَ القرآن، وقد ذكر السيوطيُّ ثمانين علماً من علوم القرآن في كتاب الإتقان، ولكنه أورد رواياتٍ ضعيفةً، وألف المؤلفون كتباً في الْمُحكم والمتشابه: حيثُ ألف القاضي عبد الجبار المعتزلي كتابَ متشابه القرآن، وألف الكرماني كتاب البرهان في توجيه متشابه القرآن، وألف الراغب الأصفهاني كتاب درَّة التأويل، ولكن الكتاب طُبع باسم الخطيب الإسكافي وصدر عن المكتب التجاري ودار الآفاق الجديدة في بيروت، وألف السمين الحلبيُّ الشافعيُّ كتاباً في الآيات المتشابهات، ولكنه لم يُطبع بعد. 5 معاني القرآن اهتمَ العلماءُ بمعاني مفردات القرآن الكريم: فألفَ الإمامُ أبو بكر السِّجستاني تفسيَر غريبِ القرآن، وألفَ ابنُ الخطيب: غريب القرآن، وألف الفراء معاني القرآن، وهو مطبوع عدةَ طبعات، وللراغب الأصفهاني كتاب معروف بمفردات الراغب، وهو الأكثر تداولاً بين كتب معاني كلمات القرآن الكريم، وهو لا يخلو من الاعتزال، وتحوم بعضُ الشبهاتِ حولَ مذهبِ الراغب، وقد استدرك عليه أخطاءَه أحمدُ بنُ يوسف السمينُ الحلبي الذي كانت وفاته سنة 756 ه/ 1355م، ورغم تعدد طبعات مفردات الراغب فما طُبع غير موافق لأصل الكتاب، ولعل أصحّ مخطوطاته المخطوطة التي كتبها السمين الحلبي، وهي محفوظة في خزانة لاله لي بمكتبة السليمانية في إسطنبول تحت الرقم: 3633 وقد وقفها السلطان العثماني الغازي سليم خان بن السلطان مصطفى خان. وقد أدرج النُّساخ هوامش السمين الحلبي وتعليقاته ضمن متن الراغب في المخطوطات التي نُقلت منها، وهذا هو سبب ما أُضيف على مفردات الراغب، وهو ليس منه. 6 عمدة الحفاظ كتابُ"عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ"، من تأليف السمين الحلبي، ويوجدُ من هذا الكتاب ما يزيدُ على العشرين مخطوطة في المكتبات التراثية في تركيا وغيرِها. وأولُ من اهتم بعمدة الحفاظ هو الدكتور طلال بن مصطفى أحمد عرقسوس الذي حقق جزءً من كتاب"عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ"وذلك من أوله إلى فصل الألف مع الياء، وبلغ عدد الأوراق المحققة ستين ورقة. وكان تحقيقه رسالةَ ماجستير بإشراف الشيخ/ أبو بكر جابر الجزائري، وذلك سنة 1981م. وبعد ذلك بست سنوات أصدرت دارُ السيد في إسطنبول الطبعة الأولى التي حقَّقناها من هذا الكتاب كاملة، وهي تصوير لمخطوطة مكتبة نور عثمانية في إسطنبول ذات الرقم:584، وتقع في 656 صفحة من الحجم الكبير، وتم تصحيح النسخة المطبوعة اعتماداً على إثنتي عشرةَ مخطوطةً من المخطوطات الموجودة في مكتبات التراث المخطوط في تركيا، وقد تمَّ تدوين التحقيقات على الهوامش، وفي المقدمة تم إحصاء أكثرَ من ثمانينَ كتاباً من الكتب التي كُتبت في هذا العلم الجليل، وصدرت تلك الطبعةُ الأولى سنة 1987م الموافقة لسنة 1407 ه. وطبعت من الكتاب خمسة آلاف نسخة. وتوجد رسالة ماجستير للدكتور عبد الحكيم حسين عبد الرحمن علي بعنوان: عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، تحقيق من باب الصاد الى آخر باب القاف. ومنها نسخة في مكتبة كلية المعلمين في الرس بالسعودية. 7 عمدة الحفاظ بعد الطبعة الأولى وبعد هذه الجهود التحقيقية الثلاثة صدرت طبعةٌ من عمدة الحفاظ في أربع مجلدات عن دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت سنة 1993م، بتحقيق: الدكتور محمد التونجي، وقد سبقت هذه الطبعةَ لنفس المحقق طبعةٌ عن جمعية الدعوة الإسلامية الليبية، ولكن الدكتور تجاهل ما سبقه من طبعات وتحقيقات لكتاب عمدة الحفاظ رغم أنه سطا على أعمال الذين سبقوه. وفي سنة 1995م صدرت طبعة بتحقيق عبد السلام الحلبي عن جمعية الدعوة الإسلامية، في طرابلس، ليبيا. ثم صدرت طبعة في أربع مجلدات عن دار الكتب العلمية في بيروت سنةَ 1996م، بتحقيق: محمد باسل عيون السود، وهو كذلك لم يُشر إلى جهود الذين سبقوه من المحققين كافة رغم غاراته المظفرة على جهودهم. وتوجد رسالة ماجستير بعنوان"عمدة الحفاظ فى تفسير أشرف الألفاظ"، تحقيق من باب الصاد إلى آخر باب القاف، ورسالة دكتوراة بعنوان"الجامع للأداء فى القراءات القرأنية"، د. عبد الحكيم حسين عبد الرحمن علي. وهنالك أطروحة ماجستير تحت عنوان: مسائل التصريف عند السمين الحلبي من خلال كتابيه"الدر المصون"و"عمدة الحفاظ"للباحث السعودي عبدالواحد بن محمد بن عيد الحربي، وهي بإشراف: د. محمد بن حسن يوسف وتاريخ قيدها: 05/05/1418ه، وتاريخ التسجيل: 20/02/ 1419ه. 8 محتويات عمدة الحفاظ عمدةُ الحفاظ معجم لغوي لألفاظ القرآن الكريم، رتب فيه المؤلف الألفاظ التي وردت في القرآن على حروف المعجم معتمداً على أصول الكلمة دون زوائدها، ثم ذكر في كل مادة من مواده تحليلاً لغوياً مشفوعاً بآياتٍ من القرآن، ثم بالحديث الشريف، ثم الشعر، وأحياناً بأحد الأمثال، وكثيراً ما نجده يستشهد بأقوال أئمة اللغة ليؤيد الفكرة اللغوية التي يبحثها. 9 السمين الحلبي مؤلف عمدةِ الحفاظ هو"أحمد بن يوسف بن عبد الدائم بن مسعود"، المعروف بشهاب الدين السمين الحلبي. وقد ولد في حلب ودرَس ودرّس فيها، ثم تجوَّل في بلاد الشام، وزار الخليل والقدس في فلسطين، ثم رحل إلى مصر، وذاع صيته فيها، وانتشرت علومه، وتوافدت عليه جموع الطلاب. فاختص بتدريس القراءات والنحو في جامع ابن طولون، والإعادة في مسجد الإمام الشافعي. وتنقل في مساجد أخرى، كما تنقل في بعض الوظائف كالنظر في الأوقاف والنيابة في الحُكم، وطاف بعض مدن مصر. وخلّف السمينُ مجموعة ثمينة من الكتب الضخمة، يدور أغلبُها حول علوم القرآن الكريم. 10 مؤلفات السمين الحلبي رفد السمين الحلبي مكتبة التراث العربي الإسلامي بكتب قيِّمة ضاع بعضها، ووصلتنا مخطوطات البعض الآخر، ونشرت بعض كتبه، ومازال بعضها مخطوطاً لم ينشر بعد رغم أهميته العلمية والدينية، ومن كتبه المطبوعة: عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، ذكره ابن الحنبلي في شرح الشفاء. وللسمين الحلبي كتاب"الدر المصون في علوم الكتاب المكنون"، ويتكون من 11 جزءا ، وقد حققه الدكتور السوري أحمد الخراط، وطبعته دار القلم بدمشق، ويمتاز هذا الكتاب باطلاع مؤلفه على آراء العلماء المختلفة في إعراب الآيات ، وعرض آراء سابقيه ومناقشة بعضها. والكتاب غني ببحوث النحو العربي، فكثيرا ما يستثمر إعراب الآية ليوضح قضايا مهمة في النحو، ورغم أن للمؤلف كتابا في معاني مفردات القرآن إلا أن كتاب الدر المصون كنز لتفسير المفردات وبيان اشتقاقها وأصولها، وهوكنز ثمين لمن يحب الاطلاع على القراءات القرآنية وتوجيهاتها النحوية، والكتاب مليء بالنصوص النادرة التي قلما نجدها عند غير السمين الحلبي، وهو كتاب مليء بالشواهد العربية من شعر وغيره ، وفيه إشارات بلاغية كثيرة ، تبين إعجاز القرآن الكريم، وفي الكتاب ملامح لعلم الدلالة العربي ، هذا العلم الذي ظهر في الغرب حديثا، وظن واضعوه أنهم سبقوا العرب فيه، وما دروا أن المسلمين الأوائل سبقوا العالم إلى كثير من العلوم، وأهمها علم الدلالة، وأن ما جاء به الغربيون ما هو إلا اجترار لما قاله أجدادنا الأوائل. وللسمين الحلبي كتاب شرح الشاطبية، وذكر حاجي خليفة في كشف الظنون: أن له كتاب القول الوجيز في إحكام الكتاب العزيز. وأشار السمين في عمدة الحفاظ إلى أنه ألف كتاب العقد النضيد في شرح القصيد، وشرح معلقة النابغة الذبياني، وكتاب البحر الزاخر وغيره. وللسمين تفسير القرآن الكريم في عشرين مجلدا، وكتاب القول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز، وكتاب إيضاح السبيل إلى شرح التسهيل في النحو.