وافقت سورية في اللحظة الاخيرة على طلب القاضي الالماني ديتليف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري استجواب خمسة من المسؤولين الامنيين في مقر الاممالمتحدة في فيينا. وذلك بعد اتصالات سياسية علنية وسرية وحصولها على"ضمانات"بعضها شفوي والآخر سجل في محاضر رسمية. ومن المتوقع ان تجرى هذه الاستجوابات مطلع الاسبوع المقبل وربما الاثنين. وأكدت الاممالمتحدة ان ميليس توصل الى اتفاق مع دمشق في شأن استجواب خمسة مسؤولين سوريين. وقالت الناطقة باسمها ماري اوكابي ان ميليس ابلغ كوفي انان الامين العام للامم المتحدة هاتفيا انه توصل الى اتفاق مع السلطات السورية في شان استجواب المسؤولين السوريين في فيينا. وافادت مصادر ديبلوماسية في دمشق ان الاختراق في الاتصالات بين سورية وميليس حصلت ظهر امس، بعد ضمانات روسية تضمنها اتصال بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره السوري بشار الاسد. ولاحظت المصادر ان تصريحات وزير الخارجية السوري السيد فاروق الشرع اول من امس استنفرت الجهود، خصوصا السعودية والقطرية، ما ادى الى التسوية. ورفض كل من نائب وزير الخارجية السوري وليد المعلم والمستشار القانوني في الوزارة رياض الداودي في مؤتمر صحافي مساء امس، ذكر اسماء المسؤولين الخمسة او ان يكون أي من الاسماء اسقط من القائمة. لكن مصادر سورية رفيعة المستوى قال ل"الحياة"امس ان"دمشق لم تطرح مع أي طرف موضوع الاسماء، بل موضوع الاجراءات والضمانات"، قبل ان يشير الى ان اسم رئيس شعبة الاستخبارات اللواء اصف شوكت"لم يكن مطروحا"، نافية حصول"أي صفقة". وقال المعلم مرات عدة للصحافيين :"لم يسقط أي اسم"من القائمة. وكان تردد في وسائل الاعلام ان الخمسة هم الرئيس السابق لجهاز الاستطلاع والامن في القوات العاملة في لبنان العميد رستم الغزالي، ومسؤول بيروت العميد جامع جامع، ومسؤول في المخابرات العسكرية العقيد عبد الكريم عباس ومسؤول قسم الكمبيوتر العقيد ظافر عباس، اضافة الى رئيس فرع الامن الداخلي السابق اللواء بهجت سليمان. ورفض الداودي ذكر الاسماء لانها جزء من"سرية التحقيق". وقال ردا على سؤال ل"الحياة"ان بعض الخمسة مشتبه بهم وبعضهم الاخر شاهد. وقبل ان يبلغ الداودي ميليس قرار دمشق، ترأس الرئيس بشار الاسد امس اجتماعين للقيادة القطرية ل"البعث"الحاكم وللقيادة المركزية ل"الجبهة الوطنية التقدمية"التي تضم الاحزاب المرخصة. وقالت مصادر مطلعة ل"الحياة"ان الاسد وضع كبار المسؤولين"في جو المعطيات فتقرر اتخاذ هذه الخطوة الممتازة". واوضحت :"تم قطع مرحلة مهمة، كانت تشكل عقبة اساسية. لكن ربما تظهر عقبات اخرى لاحقا". وقال المعلم في المؤتمر الصحافي :"ان الخطوة الحكيمة والشجاعة التي اتخذتها سورية تسقط كل الذرائع"لفرض عقوبات اقتصادية عليها. واوضح ردا على سؤال اخر :"اذا كان الهدف كشف الحقيقة، نحن مستعدود للتعاون الكامل لكشفها". وعندما سئل عن موقف سورية اذا كانت مستهدفة سياسيا، فاجاب :"شعبنا كفيل بالمواجهة". وكان لافتا ان القرار السوري جاء بعد يوم على اعلان وزير الخارجية فاروق الشرع ان بلاده تريد توقيع بروتوكول تعاون مع ميليس يحدد الحقوق القانونية للمسؤولين السوريين ويحدد آليات ومعايير التعاون. ويبدو ان حصول دمشق على ضمانات بفضل اتصالات سياسية قام بها عدد من الاطراف، لعب دورا في الاقتناع بالحل الوسط بان تجري الاستجوابات في فيينا وليس في"مونتي فيردي"او"اندوف"في سورية. واوضح المعلم ان الضمانات تشمل حضور محامين مع المسؤولين السوريين وان تكون صلاحية التوقيف محصورة بالقضاء اللبناني الذي يمكن ان يطلب من القضاء السوري اتخاذ الخطوات الاحترازية. واوضح الداودي ان الاتصالات ستجري في الايام المقبلة لتحديد مواعيد حصول الاستجوابات وكيفية سفر المسؤولين. وعندما سالته"الحياة"ما اذا كان الخمسة مشتبها بهم او شهودا، اجاب :"في التحقيق تسمية شخص مشتبها به او شاهدا لا يعني ان التحقيق يتقدم، بل ان هذا الشخص له علاقة اكثر من الاخر، وفرضية البراءة قائمة بالكامل في كل مرحلة وان الموضوع لا يرقى الى مرحلة الاتهام الا بتوافر المعطيات القانونية والادلة القاطعة التي تقدم الى المحكمة من قبل قاضي التحقيق". وزاد :"حتى اذا وصل الامر الى الاتهام، فان فرضية البراءة قائمة". وفي نيويورك، أكد الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك الاتفاق بين الحكومة السورية وبين ميليس. وقال:"في استطاعتنا ان نؤكد ان فيينا ستكون مقر استجواب خمسة مسؤولين سوريين". واضاف الناطق ان الامين العام"مسرور جداً بالتوصل الى اتفاق على ان يكون مقر الاستجواب مكاتب الأممالمتحدة في فيينا". وقالت مصادر في الأممالمتحدة مطلعة على تفكير دميليس"ليس هناك اي ضمانات مفتوحة الأفق بعدم الاعتقال"في حال ثبت تورط الذين سجري ميليس اللقاءات معهم والذين صنفهم ميليس"مشتبهاً بهم"في عملية الاغتيال. وأضافت المصادر ان موافقة ميليس على استجواب خمسة من قائمة ستة مسؤولين أمنيين تأتي"كجزء من عملية". ولفتت الى ان الأممالمتحدة لم تكشف اسماء الستة بصورة علنية ورسمية مما يمكن ميليس من تقديم قائمة"بفوج"آخر من"المشتبه بهم"لاحقاً. وقالت أن ميليس قرر الموافقة على استجواب"خمسة"فقط في فيينا كنقطة انطلاق. وبحسب المصادر المطلعة على تفكير القاضي الالماني"أراد ميليس ان يبرهن انه، منذ البدء، يتصرف بليونة وليس بتعنت كما حاولت سورية أن تقول وكررت ذلك اول من أمس على لسان وزير الخارجية"الشرع. وضمن ما تراه هذه المصادر"ليونة واضحة"من ميليس موافقته على نقل مكان التحقيق من"مونتي فيردي"في بيروت الى مقر الأممالمتحدة في فيينا، وقبوله باستجواب خمسة من الستة مسؤولين أمنيين، وموافقته على عدم اصدار مذكرات اعتقال في فيينا. وشددت المصادر على أن التعهد هو بعدم اعتقالهم"فقط وحصراً في فيينا"اذ"ليست هناك ضمانات بأنه لن تكون هناك اعتقالات مستقبلاً... وليس هناك أية ضمانات مفتوحة الأفق بعدم الاعتقال". وحسب مصادر أخرى"لا توجد هناك أية ضمانات". وفي بيروت علّق ناطق باسم لجنة التحقيق الدولية على الاعلان السوري بالقبول بالاستماع الى المسؤولين السوريين في فيينا بالقول إن ميليس"يرحّب به ويعبّر عن تقديره لكل الافرقاء الذين عرضوا مقرات في سبيل هذا العمل التحقيق". وأشار النائب الى ان ترحيب ميليس جاء"لأن الخطوة السورية تأتي في سياق تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي ونحن مسرورون بالاعلان السوري". ورداً على سؤال حول سبب إشارة الجانب السوري الى خمسة ضباط سوريين وليس ستة، قال الناطق باسم اللجنة ان لا تعليق حول التفاصيل. وعن موعد حصول الاستجوابات قال الناطق باسم اللجنة:"هذا أيضاً من التفاصيل المتصلة بسرية التحقيق". وكان المحققون الدوليون استمعوا أمس الى كل من رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن ونائبه بسام طليس في شأن اتصالات هاتفية جرت معهما من قبل رئيس جهاز الاستطلاع السوري في القوات السورية التي كانت في لبنان العميد رستم غزالة للدعوة الى اسقاط حكومة الشهيد الحريري في العام 2004 بالتظاهر في الشارع. وذكرت مصادر مواكبة للتحقيق ان المحققين الدوليين سيواصلون الاستماع الى شهود ومشتبه بهم لاتخاذ قرار في شأن توقيف أو عدم توقيف بعضهم. واستمع المحقق العدلي اللبناني في جريمة اغتيال الحريري أمس الى إفادات أربعة شهود جدد أمس. وفي باريس علمت"الحياة"من مصدر فرنسي موثوق به ان اللجنة القضائية الفرنسية لتبادل الموقوفين التقت امس السوري محمد زهير الصديق المشتبه به في قضية اغتيال الحريري، والموقوف حاليا في العاصمة الفرنسية بناء على طلب القضاء اللبناني. وقال المصدر ان اللجنة ستعطي رأيها الاسبوع المقبل. وكان لبنان طلب استرداد الصديق من فرنسا، علما انه لا يوجد اتفاق لتبادل المطلوبين بين البلدين. وذكرت المصادر انه نظرا الى غيالب مثل هذا الاتفاق، تدرس اللجنة الفرنسية امكان تسليم المطلوب الى القضاء اللبناني. واضافت ان فرنسا لا تمانع في التسليم، لكن الخطوة تواجه عائقا مرده الى كون عقوبة الاعدام ما تزال قائمة في القانون اللبناني في حال الادانة بتهمة القتل.