في اجواء احتقان سياسي وشعبي يهيمن على المشهد في العراق، فجر الاكراد خلافاً جديداً حول قانون النفط والغاز الذي رفعه مجلس الوزراء الى البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه، ليضيف الى قائمة الخلافات العالقة بين المركز والاقليم مشكلة اخرى. ويأتي التصعيد الكردي بعد سنوات من الشد والجذب بين الحكومة المركزية واقليم كردستان حول ادارة الثروات لا سيما النفط والغاز. وكان ابرز صور الازمة فرض وزارة النفط الاتحادية عقوبات ضد شركات اجنبية تعاقدت مع الحكومة الكردية لاستكشاف النفط واستخراجه، أخرها ابعاد شركة «هيس كورب» الاميركية من جولة رابعة لتراخيص نفطية. وأكد وزير النفط الاسبق ابراهيم بحر العلوم في حديث الى «الحياة» ان «اسباب الخلاف بين المركز والاقليم تكمن في كيفية ادارة الثروة النفطية وينسحب ذلك على تفسير مادتي الدستور111 و112». وأضاف: «يمكن رصد حجم الخلاف من خلال تباين الصلاحيات والمسؤوليات ابتداء من مجلس النواب وانتهاء بالهيئات المختصة». وتنص المادة 111 من الدستور العراقي على ان «النفط والغاز هما ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات». أما المادة 112 التي تؤكد ان «تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة معاً برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي، معتمدةً احدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار»، فهي موضع خلاف بين الطرفين. وعزا العلوم «خلافات الاكراد مع المركز حول مشروع القانون الجديد، الى دور الاقاليم بإدارة ثروات البلد» وأشار الى ان «مشروع القانون الجديد حصر مرجعية ادارة الثروة النفطية والغازية بالحكومة الاتحادية حيث اناط بمجلس الوزراء مسؤولية المصادقة على السياسة النفطية والاشراف الاجمالي على العمليات البترولية، ورسم لوزارة النفط دوراً محورياً في وضع السياسات وإعداد التعليمات والأنظمة ونماذج العقود. ويترأس المجلس الاتحادي رئيس الوزراء او من يخوله ويتم اختيار خبرائه من قبل رئيس مجلس الوزراء». وأضاف: «اما الهيئة الإقليمية في الأقاليم، من دون المحافظات المنتجة، فلها الحق في مشاركة الوزارة بإجراءات دورات التراخيص في الرقع الاستكشافية والحقول غير المطورة، ولها ان تقترح على السلطات الاتحادية، النشاطات والخطط، تمهيداً لتضمينها في الخطط الاتحادية وتتعاون مع الوزارة في الاشراف على العمليات البترولية». وكشف وزير النفط الأسبق مرجعية المجلس الاتحادي وفق مقترح القانون الجديد حيث «يتبنى رؤية مفادها ان ادارة الثروة النفطية ليست من اختصاصات الحكومة الاتحادية بل يقع معظمها ضمن صلاحيات المجلس الاتحادي للنفط والغاز». ويقول: «في المقابل نجد ان مشروع القانون الذي صادق عليه مجلس الوزراء يعتمد رؤية مختلفة تماماً حيث يؤكد قيام الحكومة الاتحادية بإدارة المصادر البترولية وتطويرها من اجل تحقيق المصلحة الوطنية وهذا ما جاء في الفقرة الثالثة من المادة 2 منه». هذه الإشكالية تحيل الى قضية محورية ما زالت تشكل حجر الزاوية في معظم السجالات السياسية بين القوى النيابية حول حدود مركزية الدولة. ويرفض الاكراد تمرير هذا المشروع لكونه «يمنح هيمنة كاملة ومطلقة للحكومة المركزية على ادارة الثروة النفطية والغاز» من خلال اناطة «مسؤولية المصادقة على السياسة النفطية والاشراف الاجمالي على العمليات البترولية وتقديم مشاريع القوانين بمجلس الوزراء»، ومنح المجلس الاتحادي للنفط والغاز صلاحيات إقرار السياسات والمصادقة على التعليمات ونماذج العقود والموافقة على العقود. وتلعب وزارة النفط دوراً محورياً في وضع السياسات والأنظمة وإعداد نماذج العقود، وينص القرار على ان يترأس المجلس الاتحادي رئيس الوزراء او من يخوله، ويتم اختيار خبرائه من جانب رئيس مجلس الوزراء. اما الهيئة الإقليمية في الأقاليم من دون المحافظات المنتجة فحددت سلطتها ودورها فقط في «مشاركة الوزارة بإجراءات دورات التراخيص في الرقع الاستكشافية والحقول غير المطورة، ولها ان تقترح للسلطات الاتحادية النشاطات والخطط تمهيداً لتضمينها في الخطط الاتحادية وتتعاون مع الوزارة في الاشراف على العمليات البترولية». وفي ما يتعلق بالعقود الموقعة سابقاً مع الادارات المحلية اظهر بحر العلوم ان «الوزارة ووفق مسودة القانون، تقوم بمراجعة جميع عقود التنقيب والتطوير والانتاج التي ابرمتها طيلة الفترة الماضية وإعادتها الى مكتب المستشارين لتقويمها ورفع التوصيات الى المجلس الاتحادي في شأنها ويكون قرار المجلس ملزماً. اما ما يخص عقود اقليم كردستان فتتولى الهيئة المختصة مراجعة جميع عقودها لتكون منسجمة مع اهداف وأحكام القانون ويتولى مكتب المستشارين تقويمها ويكون رأيه ملزماً». وتجد حكومة كردستان ان صيغة المشروع القديم المقدم الى مجلس الوزراء ترضي تطلعاتها، كون مسودة مشروع القانون السابقة «تتبنى رؤية تعتبر اولاً: المجلس الفيديرالي للنفط والغاز جهة مستقلة، وهي المخولة ادارة الثروة واقرار السياسات النفطية، ويتم اختيار رئاستها وخبرائها من مجلس النواب مباشرة. ويشترك فيها ممثلو الأقاليم والمحافظات مع عدم الحاجة الى اشراك التشكيلات النفطية الاخرى كشركة النفط الوطنية وشركة التسويق في عضويتها، ويقتصر دور وزارة النفط على اقتراح السياسات والأنظمة والتعليمات وتقديم خطة شاملة للتنقيب بالتشاور مع الجهات المختصة والمشاركة مع المجلس في اعداد نماذج العقود، والوزارة غير مسؤولة عن إجراء دورات التراخيص. ثانياً: الجهات المختصة في الأقاليم والمحافظات مسؤولة عن ادارة واستغلال ثرواتها النفطية من خلال اجراء دورات التراخيص والقيام بالتفاوض وإبرام العقود والقيام بالإشراف على العمليات البترولية وكذلك تدقيق القضايا المالية مع حاملي التراخيص». وكانت لجنة النفط والطاقة في البرلمان طرحت منتصف الشهر الماضي، مسودة قانون النفط والغاز، من قبل نواب وخبراء اعتماداً على المسودة الاولى التي تقدمت بها الحكومة عام 2007 للقراءة الاولى. غير ان «التحالف الوطني» الذي يضم 159 مقعداً، عارض القراءة باعتبار ان المشروع لم يقر من قبل الحكومة وادخلت تعديلات عليه من دون علم الجهات المعينة كوزارة النفط ما اضطر رئاسة الجلسة الى تأجيل الموضوع. وينوه الخبير الدستوري المحامي شريف الحداد ان «المشكلة لها جذور تمتد الى مرحلة كتابة الدستور عام 2005 حيث اختلف الشركاء في العملية السياسية داخل لجنة كتابة الدستور حول دور حكومات الاقاليم والمحافظات في ادارة البلاد ومنها إضافة الى المياه والحدود وعوائد الضرائب، النفط والغاز. حينها طالب الاكراد ان تدار هذه الثروة من قبل السلطات المحلية، وهذا ما رفضه شركاؤوهم العرب والتركمان من السنة والشيعة». وزاد: «انتهى المطاف بتعليق القضية عبر تضمين الدستور عبارات عائمة. وها نحن الان نرى الاشكالية تعود بنا الى المربع الاول». ولفت العلوم الى خيارات عدة يمكن الركون اليها في شكل منفرد او جماعي مثل: خيار الامر الواقع بترك الامور كما هي عليه والتعويل على الزمن لحلحلة المشاكل وتبقى وزارة النفط حرة في اجراء جولات التراخيص في المحافظات وتستمر حكومة اقليم كردستان في إبرامها للعقود في مناطقها وما تم التوصل اليه في اتفاقية أربيل من تسويات، على ضوئها يتعهد الاقليم بتسليم إنتاجه النفطي الى الحكومة المركزية لتصديره عبر الأنابيب الوطنية مقابل دفوعات حكومية للإقليم تغطي نسبة معينة من الانتاج على ان يتم تسويتها في ما بعد. او خيار التوافق السياسي الامر الذي يتطلب من كل الأطراف التنازل عن سقوف خياراتها من اجل استثمار الثروات بالشكل الذي يحفظ وحدة البلد وشعبه. والخيار الأخير الذهاب الى المحكمة الاتحادية، وهو الامثل، كون جوهر الخلاف يكمن في فهم المواد الدستورية المتعلقة بإدارة واستغلال الثروة النفطية والغازية»، ودعا العلوم ساسة العراق الى ان «يحسموا خلافاتهم فليس من المنطق ان يبقى العراق يعاني من عجز سياسي يحول دون التوصل الى توافق حول اهم مفصل من مفاصل الاقتصاد والذي يشكل العمود الأساس لتمويل موازنته «ولم يخف قلقه من ان «استمرار الخلاف السياسي يعني عدم قناعة بعض الأطراف في وضع العراق على ناصية بناء الدولة».