لا أحد يفاجئه الوصف الإسرائيلي لسورية بأنها "المعلّم الحقيقي" ل"حزب الله"، ولا خيبة إسرائيل من امساك الحزب، على رغم كل المتغيرات في المنطقة، بالخيط الكبير في "توازن الرعب" على الحدود مع لبنان. كذلك لا أحد يُفاجأ بغيرة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان على "الخط الأزرق"، وحرص واشنطن على تذكير بيروتودمشق بالخطوط الحمر… لكن المدهش أكثر من تجاهل إدارة الرئيس جورج بوش كل الخروق الإسرائيلية لأجواء لبنان وسيادته، أن الأمين العام الذي يُفترض أن يكون حَكَماً نزيهاً بين كل الدول الأعضاء في المنظمة الدولية، يتبرع في إدانة ما يعتبره "استفزازاً" مارسه "حزب الله" بحق الدولة العبرية، حين تساقطت شظاياه على شلومي فأوقعت قتيلاً… ولا يخفي أنان غضبه بل مرارته من فعلة الحزب، ويكرر على "الخط الأزرق" وشماله ما فعله مع الفلسطينيين حين كانوا ضحايا للمجازر الإسرائيلية، فاختار أن يساوي بين الضحية والجلاد، تحت لافتة اشمئزازه من "الإرهاب". واليوم، الأمين العام لا يساوي حتى بين "حزب الله" وما تفعله إسرائيل، بل يفضل أن ينقذ سمعة الدولة العبرية ويطهّر يديها. وإذا كان من مؤشر يوحي به موقف أنان، فالأرجح أنه يضع الشكوى الإسرائيلية إلى الأممالمتحدة في كفة موازية للشكوى اللبنانية، ولو من دون قصد ! ولكن كان على الأمين العام الذي فعلها ثانية، أن يقدر حاجة حكومة شارون إلى استغلال كل ما يعزز دعاواها في حربها على ما تصنفه "ارهاباً". وسواء أراد أو أبى، واضح ان توجهاً من هذا النوع لا يصب إلا في قناة الضغوط الأميركية الهائلة على لبنان وسورية والتي تعتمد نهج "الرسائل" - الانذارات، لأن الحليف الإسرائيلي لم يعد يحتمل "ابتلاع الضفدع" مرغما… على يد "حزب الله". الأكيد أن كل التهويل الإسرائيلي، عبر الحديث عن حاجة شارون إلى "تغيير قواعد اللعبة" مع الحزب، يتجه شرقاً، إلى دمشق التي تفكر إدارة بوش في توجيه قائمة "مطالب" نهائية إليها، ربما يحملها مدير "سي آي اي" جورج تينيت. فالاستنتاج الذي يجمع عليه المحللون الإسرائيليون أن "توازن الرعب" عند "الخط الأزرق" وجنوبه بات يضغط على معنويات زعيم ليكود الذي يكره الهزيمة. أكثر من ذلك، قد يكون التصعيد من بوابة جنوبلبنان، والتهديد بقصف أهداف سورية، مدخلاً لتجميد الضغوط الأميركية على شارون من أجل إرغامه على البدء بتنفيذ "خريطة الطريق"، فيما الإدارة باتت مقتنعة بأن الجانب الفلسطيني قدم ما يكفي، ولن يقوى على تحمل إذلال أكبر في جهوده لإثبات حسن النية والرغبة في السلام. هي إذاً، فرصة مواتية لرئيس الوزراء الإسرائيلي للهروب من المسار الفلسطيني إلى مسار أزمة اقليمية مع سورية. لكن السؤال هو ما إذا كان شارون عازماً بالفعل على تنفيذ تهديدات ضد دمشق، من دون حساب رد الفعل، على رغم طبيعة موازين القوى في المنطقة. وفي هذه الحال، وعلى رغم التسريبات المتعلقة برغبة الدولة العبرية في ضبط ايقاع التصعيد، أي "مفاجأة" إسرائيلية لا يمكن أن تكون بقرار مجرد من المظلة الأميركية، ولو متأخرة، فيما لا تكف واشنطن عن مراجعة لائحة "السلوك" السوري، بدءاً من الملف العراقي مروراً بالموقف من الفصائل الفلسطينية، وانتهاء بدور "المعلّم" مع "حزب الله". في هذه المعادلة، لا يجدي ترقب محصلة "الكمين" الديبلوماسي الذي نصبته إسرائيل لسورية، حين "فرضت" عليها بوصفها رئيساً لمجلس الأمن، توزيع شكوى تتهمها ب"دعم الإرهاب". كما لن يغيّر في أجواء التأزم، من بوابة جنوبلبنان، الاتكاء على "نزاهة" أنان، ورؤيته الخطوط الحمر بعين واحدة، بصرف النظر عن خطأ "حزب الله" الذي حجّم "الخط الأزرق" إلى مجرد "بدعة"، فيما الدولة اللبنانية تدافع عنه وعن شرعيته. يدرك شارون أن العلاقات الأميركية - السورية ومعها اللبنانية ليست في أحسن أحوالها، ولأن أفضل وسام يستحقه هو لقب الانتهازي، يجوز ترقب عاصفة جديدة في المنطقة، تخدم الأميركي أيضاً في حجب غبار العراق الذي بات يحاصر جنوده. من هنا يتبين كم كان أفضل لو التزم أنان الصمت، ولم يفعلها ثانية، أو يقدم مجاناً غطاء لشرور الإسرائيلي الذي ما زال يعتبره "ضحية" ل"استفزاز حزب الله".