حين يتوعد رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون سورية، ويحذرها من فتح موانئها ومطاراتها لإيران التي قد تشن هجوماً على إسرائيل، كما يقول، إنما يوحي بأن سيناريو قصف مفاعل "تموز" العراقي قد يتكرر فعلاً ضد منشآت نووية إيرانية، بالتالي يدفع طهران إلى الانتقام من الدولة العبرية. وحين يكرر الرئيس الأميركي جورج بوش انتقاده الأممالمتحدة، ويلمح إلى عجزها، كما فعل عشية الحرب على العراق، إنما يوحي بأن حرباً أخرى آتية. مسرحها لا يترك مجالاً واسعاً للتخمين بأن إسرائيل ستبادر إليها، كما فعل بوش في "الحرب على الإرهاب"، بدءاً من أفغانستان… لأن السيناريوات باتت معروفة. أما المفاجئ، على لائحة شارون الذي يحتمي بشعار شريكه الأميركي: "الدفاع عن النفس" ليبرر الحرب الوقائية، فهو ادراج زعيم عصابة اليمين الإسرائيلي مصر بين دول يتوجس منها، لأنها تتسلح "من دون مبرر"! إيران بين الكماشتين الأميركية والإسرائيلية، خصوصاً بسبب اتهامها بالطموح إلى حيازة السلاح النووي الذي يمتلكه شارون أيضاً، لكنه يقود دولة "مسؤولة"، فيما الجمهورية الإسلامية "مارقة" بمعايير الشراكة بين واشنطن وتل أبيب. سورية بين فكي الكماشة الأميركية - الإسرائيلية خصوصاً بسبب اتهامها ب"ايواء الإرهاب"، وشطب لبنان من على الخريطة السياسية العالمية، ومحاولات تطوير أسلحة محظورة، ليست محرمة أيضاً على الدولة العبرية. سورية بين فكي قانون المحاسبة الذي حصد الغالبية الساحقة في مجلس النواب الأميركي لمعاقبتها، وهي غالبية تعد مؤشراً خطراً، ليس لأنها ترجح تطبيق العقوبات على دمشق، بل الأهم لأنها تعكس التيار السائد لدى السلطة التشريعية في الولاياتالمتحدة، والتي باتت تزايد على "الصقور" وخططهم الجنونية. وحين يبدي ذاك التيار قناعة بما يعتبره تحدياً تمارسه دمشق في مواجهة "الحرب على الارهاب" التي تعممها إدارة بوش على كل الدول، بصيغة "مع" أو "ضد"، ويتضخم ملف الاتهامات بتسهيل الجانب السوري "تسلل إرهابيين" إلى العراق، أو تغاضيه، يصبح مجانين التطرف في إسرائيل جاهزين لاستغلال الفرصة التاريخية: عزلة سورية التي يحاصرها العجز العربي فيما يرفع شارون وتيرة استفزازها وتحديها، وتنهمك كل دولة عربية بمشاكلها في الداخل، وصك البراءة من "الإرهاب". وبديهي أن من السذاجة "ابتلاع" ما يحذر منه رئيس الوزراء الإسرائيلي، لجهة استخدام إيران مرافئ سورية ومطاراتها لضرب العمق الإسرائيلي، لأن دمشق على خط التماس مع مخططات تل أبيب، بالتالي قد تدفع الثمن باهظاً لأي مواجهة عسكرية… وهي لا تبدو راغبة فيها بمثل لهفة شارون الذي تقدم له إدارة بوش هدايا مجانية بالجملة: معاقبة سورية، محاصرة فصائل المقاومة الفلسطينية بتهمة الإرهاب ونزع الشرعية العالمية للمقاومة، تشديد طوق الضغوط على إيران بالترهيب وبمطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبتحريك الشارع في الداخل. الأكيد في ظل المباركة الأميركية الكاملة للحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين، وتهديدات شارون بضرب سورية مجدداً، أن لا خط أحمر يقيد يديّ الأخير في المنطقة... سورية وإيران بعد فلسطين، يبدو ذلك مفهوماً في رؤية شارون الذي اتيحت له بفضل تحالف الاصولية اليهودية والاصولية المسيحية في أميركا، ظروف لم تتوفر لأي من أسلافه منذ العام 1948. وإن لم يكن مضطراً للخوض في جبهات في آن، بفضل شراكته مع بوش، فميله إلى استفزاز مصر هو امعان في سياسة اذلال كل دول المنطقة، وما يمكن أن يبدأ بالكذب ينتهي بحقائق في العصر الأميركي - الإسرائيلي، منها أن مصر باتت تشكل "تهديداً" للدولة العبرية لا يختلف عن "التهديد الإيراني"، بسبب جهودها لتعزيز جيشها وترسانته! سيناريوات حروب إسرائيلية وقائية تتوالد تدريجاً، ضمن معايير التوأمة بين رؤى "المحافظين الجدد" في الولاياتالمتحدة، وجهود اليمين الإسرائيلي في احياء مشاريع الصهيونية. وإذا كان شارون على خطى بوش في تدشين المرحلة الثانية من "الحرب على الإرهاب" بنقل المعركة إلى الخارج، فهو ليس بحاجة كل مرة إلى ضوء أخضر أميركي، ما دام الشريك يبرر كل مشاريعه الجنونية ب"الدفاع عن النفس".