أولوية أوروبية لا تقبل المناقشة هي الحد من البطالة. فهذه الآفة تفتك بالمجتمع فتكاً يتخطى العاطلين من العمل أنفسهم، وتتطلب تغييرات عميقة، مثل إنشاء سوق عمل اكثر سلاسة بواسطة الغاء ما يحبط العزيمة على العمل، وتقديم المساعدات الى النشاطات غير المربحة، ودعم مرافق خدمات عامة هدفها الانتاج بالكلفة الدنيا وليس حماية مصالح موظفيها الفئوية، وحفز بحث علمي يدور على النتائج وليس على الوسائل التي تتطلبها هذه النتائج، وإدارة قطاع خدمات مفتوح أمام المنافسة الداخلية والخارجية على غرار القطاع الصناعي، وأخيراً بلورة نظام صحي يعتبر نشاطاً تجارياً متميزاً من غير شك ولا يبقى، هاوية مالية لا قعر لها تتولى الدولة ضمانها الخاسر. هذه الأبواب السياسية التي تصدى لها ساركوزي وفيلبان. وهما تخطا مرحلة مناقشة الاصلاحات التي يجب تنفيذها، الى مناقشة طريقة تطبيقها. ومنافستهما تسمحا بتركيز تفكير الفرنسيين على المسألة الاساس. فالحكومات المتعاقبة منذ عشرين عاماً كانت على علم بالاجراءات اللازمة. وهي لم تستسلم جراء الجهل، بل خوفاً من المخاطر السياسية. والحق ان الاصلاح مصدر خطر. فهو يدعو الى اعادة النظر في المصالح المكتسبة، وجبه الذين تتهددهم بخسارة. وتأثيراته الايجابية بطيئة الظهور، ما يعني ان النتيجة الفورية سلبية، فيما يعود الى الوظائف والنمو. ويمكن تحديد الخاسرين بوضوح. فهم يعرفون التضحيات المترتبة عليهم، ويقاومون مقاومة قوية. وهذا أمر طبيعي. وأما المستفيدون من الاصلاح فإفادتهم ضئيلة، وتأتي في وقت لاحق ربما. وليس مفاجئاً الا يحتشدوا تأييداً للاصلاحات. لعل هذا هو السبب في ان الاصلاحات لا تقر الا في جو متأزم. وخفضت اسبانيا وبريطانيا والسويد والنروج معدلات البطالة الى النصف. ولكن ذلك تطلب عشر سنوات. وفرنسا ليست في حال جيدة. ولكن هل هي في حال سيئة ما يكفي لتقبل التغيير؟ فالغم المسيطر يتمتع بميزة جعل برنامج اصلاحات ممكناً، ولكن ليس اكيداً.. ويميل ساركوزي الى مقاربة"البيغ بانغ"، أي كل شيء وعلى الفور. وهي تتطلب تفويضاً لا تمنحه غير انتخابات رئاسية. وهي تفترض الصراحة والوضوح والوعد بپ"الدماء والدموع"، واقناع الناس بان النجاح في نهاية الطريق. والتكاليف الاجتماعية والسياسية للاصلاح يسدد معظمها في بداية التفويض، على امل ان تظهر المنافع قبل نهاية التفويض. وفي هذه المقاربة، الرهان خطر، ولكن الاصلاح واقع لا محالة. والمعالجة الثانية تقوم على الخطوات الصغيرة. وهي التي يقترحها فيلبان. وتدور على الاقناع، واختبار المقاومات ومواجهتها أحياناً، والخضوع لها احياناً اخرى. وليس توضيح كل شيء، منذ البداية ضرورياً، بل الأفضل احياناً التقدم على عماية. والتفويض الشعبي يقسَّط أقساطاً، تبعاً للنجاحات. والتكاليف الاجتماعية والسياسية موزعة على الوقت والمراحل، على أمل الا يؤدي ارهاق الاصلاح المستمر وتعاظم المقاومات، الى إلغاء الاصلاح. عن شارل ويبلوز، لوموند الفرنسية، 15/11/2005