اظهرت الانتخابات الإقليمية في فرنسا خيبة أمل الشعب الفرنسي من السياسيين ووعودهم. فنسبة الامتناع عن التصويت كانت مرتفعة جداً وبلغت تقريباً نصف الشعب الفرنسي، إذ ان النسبة كانت 48.9 في المئة. فالناخبون الذين شاركوا أظهروا للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وحزبه الحاكم (الاتحاد من أجل الحركة الشعبية) انه فشل في إقناعهم بنهجه وسياسته. فصحيح أن أكثرية الشعب الفرنسي انتخبته عام 2007 لأنه نجح في حملة انتخابية بارعة ومقنعة، ولكنه سرعان ما خيّب أملهم على ضوء أزمة اقتصادية ومالية عالمية حالت دون تحسين الوضع الداخلي الذي كان وعد به. ولكن ساركوزي بأسلوبه وشخصيته لم يحظ بتأييد شعبه المحافظ. فالصورة التقليدية للرئيس في ذهن المواطن الفرنسي العادي تختلف تماماً عن شخصية ساركوزي. فالمواطن الفرنسي تعوّد على رؤساء أكثر هدوءاً وأقل عصبية منه. والشعب الفرنسي في غالبيته محافظ وليس معتاداً على الخوض في حياة رئيسه الشخصية علناً. إلا أن الرئيس بدأ رئاسته بطلاق كان حديث الساعة ثم زواج آخر من سيدة جميلة وعارضة أزياء سابقة ومغنية مشهورة أصبحت حديث الساعة أينما تحرّك، ولو أن ذلك لم يكن بدافع منه. ولكن الإعلام الفرنسي عرض للشعب الفرنسي صورة جديدة عن رئيس أراد أن يكون رئيس «القطيعة» على كل الأصعدة. ثم ان حدة طبع ساركوزي ظهرت على شاشة التلفزيون في افتتاح صالون الزراعة مثلاً عندما شتم معارضاً له أو عندما غضب على أحد معاونيه. فأسلوب ساركوزي لم يخدمه في حين أن رئيس حكومته فرانسوا فيون حظي بشعبية تفوق شعبية الرئيس لأنه على عكس ساركوزي هادئ ومستمع وينتبه الى الآخر وإلى ما يقوله. وساركوزي محاط بمسؤولين يملكون خبرة ومقدرة مثل أمين عام الرئاسة كلود غيان الذي يحظى باحترام كبير أينما كان لأنه أيضاً يتميز بشخصية مختلفة عن رئيسه، علماً أنه أقرب الناس اليه ولكنه يتميز بصفات أخلاقية وسياسية معترف بها. كما أن زيادة البطالة والظلم الاجتماعي وسياسة الانفتاح على المعارضة بتعيين وزراء من الحزب الاشتراكي أساءت إلى ساركوزي في أوساط اليمين المؤيد له، ثم إصراره على الانتقام من رئيس الحكومة السابق دومينيك دوفيلبان بالتأثير في قرار المدعي العام لاستئناف الدعوى ضده بعدما أعلن قاضي المحكمة الباريسية عن براءته لم يكن أيضاً خياراً موفقاً لمصلحة ساركوزي. فإجراء تعديل طفيف لإرضاء بعض أقطاب اليمين وإدخال مقربين من دوفيلبان الى الحكومة مثل النائب جورج ترون وفرانسوا باروان لا يكفي. على ساركوزي الآن أن يقنع اليمين المعتدل في فرنسا قبل فوات الأوان أنه سيتمكن من المضي قدماً في إصلاحات عجز في استكمالها مثل إصلاح قانون التقاعد. فقد وعد في حملته بكثير من الإصلاحات التي قال إنها ستغير فرنسا وأن القطيعة التي اعتمدها مع أسلافه من الرؤساء ستمكنه من تنفيذ وعوده، إلا أن الأزمة العالمية لم تخدمه في ذلك إضافة الى طبعه وميله الى الاستعجال من دون التروي في التحرك. فالمعروف أنه لا يأخذ برأي نواب الأكثرية وبوزرائه. والآن قبل سنتين من موعد الانتخابات الرئاسية المقبل على ساركوزي أن ينقذ حزب الأكثرية إذا أراد أن يستعيد لليمين الحاكم كرسي الرئاسة في 2012. وسيلتقي يوم الثلثاء المقبل في البيت الأبيض مع نظيره الأميركي باراك أوباما الذي سجل انتصاراً سياسياً داخلياً كبيراً مع تمرير قانون الضمان الصحي للشعب الأميركي. وسيتطلع ساركوزي الى هذا اللقاء لإحراز دعم دولي لموقعه الذي أُضعف في شكل كبير داخلياً. فكثيراً ما خدمته التحركات الدولية كما حصل في ظل الأزمة المالية العالمية عندما ساهم في شكل كبير في قرارات مجموعة العشرين لإصلاح النظام المالي العالمي.