أسفرت المناظرة بين المرشحَيْن للرئاسة الفرنسية، الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي ومنافسه الاشتراكي فرانسوا هولاند، عن تعادلهما لجهة إصرار كل منهما وثباته في صد الهجمات المتبادلة، ما حال دون تسجيل أي منهما لنقاط حاسمة. وخيّمت على المناظرة التي تابع وقائعها اكثر من 17 مليون مشاهد في أنحاء فرنسا، أجواء مشحونة ومتوترة عكست قوة الشخصية التي يتسم بها كلا المرشَحْين، على رغم التباين في طباعهما وعزمهما على المضي في التنافس الحاد الى حين قول الناخبين الكلمة الفصل في الدورة الانتخابية الثانية بعد غد (الأحد). وعلى مدى ساعتين ونصف ساعة، تقارع ساركوزي وهولاند في المناظرة بضراوة حول برنامجيهما الانتخابيين، فركز الأول على «الوعود الواهية غير القابلة للتطبيق» التي يقترحها منافسه، فيما ركز المرشح الاشتراكي على الحصيلة السلبية لخمس سنوات من حكم الرئيس المرشح. وسعى ساركوزي مرات الى زعزعة مواقع هولاند الذي يطرح نفسه بمثابة رئيس قادر على إعادة توحيد الفرنسيين الذين فرّقت بينهم سياسة الرئيس الحالي. وشدد ساركوزي على أن البرنامج الاقتصادي لمنافسه لن يحل المشكلات القائمة في البلاد بل سيؤدي الى مزيد من الإنفاق، كما ان الزيادات الضريبية التي سيعتمدها في حال فوزه لن تساعد النمو ولجم البطالة. وقال ساركوزي إن فرنسا في عهده تقدمت من ضمن حركة إصلاح مستمرة، يتوقف عليها انتعاش البلاد. وأجاب هولاند متسائلاً عن الكلفة المرتفعة التي ترتبت على الفرنسيين نتيجة هذه الإصلاحات. وتوقف أمام الارتفاع القياسي لمعدل البطالة، منتقداً ثقة ساركوزي «المفرطة» بنفسه، و «رفضه الإقرار بالأخطاء التي ارتكبها طيلة عهده». وحمل ساركوزي على الاشتراكيين وحلفائهم الذين يسيرون في تظاهرات ترفع فيها الأعلام الحمراء، في إشارة الى تظاهرة النقابات الفرنسية لمناسبة عيد العمال، معتبراً أن منافسه مرشح حزبي لا يخاطب سوى اليسار. وانتقد الرئيس «تطاول» المقربين من هولاند الذين عمدوا الى «تشبيهي بالماريشال بيتان» (تعاون مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية). ورد هولاند قائلاً إن ساركوزي لن يوفق في وضع نفسه في موضع الضحية، وانتقد «ميله الدائم الى الاستعداء وإثارة الريبة من حول النقابات تارة والأجانب تارة أخرى». وبلغت المناظرة ذروة التوتر عندما دعا ساركوزي هولاند الى الإقرار بالحقيقة في إطار حملته متهماً إياه بالكذب، الأمر الذي رفضه بشدة المرشح الاشتراكي بحدة، قائلاً إن «تكرار هذا القول يحمل على الاعتقاد بأنه (ساركوزي) يأخذ على الآخرين ما يقدِم عليه بنفسه». وأوجز هولاند في اختتام المناظرة، المحاور الرئيسة لنهج حكمه في حال فوزه، بالقول بأنها «الإصلاح والعدالة والوحدة»، فيما شدد ساركوزي على خطورة الأوضاع التي تتطلب خبرة في كيفية اتخاذ القرارات وتحمّل المسؤوليات وهو ما «يفتقر إليه» المرشح الاشتراكي. وسبقت المناظرة استطلاعات للرأي، ما زالت تشير الى فوز محتمل لهولاند على ساركوزي في الدورة الثانية بفارق نحو 6 نقاط. وراهن الرئيس على المناظرة لتحسين مستوى التأييد الذي يحظى به لدى المترددين وناخبي اليمين المتطرف الذي بات في موقع القوة السياسية الثالثة في البلاد، وكذلك لدى ناخبي الوسط. لكن الصمود الذي أبداه هولاند في مواجهة الرئيس خيّب هذا الرهان، في حين أعلن زعيم الوسط فرانسوا بايرو أنه سيحدد موقفه من المرشحين في إطار اجتماع للجنة الإستراتيجية لحزبه. وكانت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن التي استهدفت ساركوزي في إطار حملتها للدورة الأولى من الانتخابات، مؤكدة رغبتها في إبعاده عن الحكم، أعلنت أنها ستقترع بورقة بيضاء، تاركة لناخبيها حرية اختيار المرشح الذي يريدون. ويرجح أن يقدم بايرو على خيار مماثل، ما يصب في إطار الاستطلاعات التي تشير الى أن تجيير الأصوات الأحد المقبل سيكون لمصلحة هولاند، ما لم تحصل مفاجأة.