قبل اعتماد الدستور العراقي الجديد الذي يعطي المحافظات، وربما الأقاليم، صلاحيات واسعة، برز تضارب بين الحكومة المركزية في بغداد ومحافظة البصرة، ففيما أكدت وزارة الداخلية"احتواء تداعيات"اعتقال جنديين بريطانيين، محملة"الجهات القضائية في المدينة مسؤولية"الأزمة، طالب المحافظ وأعضاء آخرون في مجلس المحافظة البريطانيين بالاعتذار، واعتبروا الحصانة الممنوحة لجنود القوات المتعددة الجنسية"اختراقاً للسيادة". وأكد أحد الأعضاء أن المجلس"حكومة منتخبة ابتليت بالحكم المركزي". وبينما كان رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الجعفري يقلل من أهمية حادث البصرة خلال لقائه وزير الدفاع البريطاني جون ريد الذي أكد أن قواته"لن تهرب من العراق"، سارت تظاهرات في المدينة شاركت فيها الشرطة، مطالبة بإقالة قائدها"المتعاون مع البريطانيين". واندلعت معركة شرسة في قلب بغداد بين مسلحين والقوات الأميركية والعراقية قتل خلالها ثمانية عراقيين. في بغداد، قال رئيس شعبة الاستخبارات في وزارة الداخلية حسين علي كمال ل"الحياة"إن دور القوات البريطانية في محافظة البصرة"ضروري لحفظ الأمن وتم احتواء التداعيات التي نجمت عن اعتقال جنديين بريطانيين ولن يؤدي الموضوع الى أزمة في العلاقة العراقية - البريطانية". وحذر من محاولة اخراج هذه القوات ب"العمل المسلح"، محملاً الجهات القضائية في البصرة مسؤولية ما جرى. وزاد أنه"كان على هذه الجهات اطلاق سراح الجنديين البريطانيين فوراً وعدم استمرار احتجازهما الى حين تدخل القوة العسكرية البريطانية". وأشار الى أنه ليس"من اختصاص أي جهة عراقية اعتقال أحد من القوات المتعددة الجنسية، لأن هناك قانوناً يمنع ذلك". وشهدت البصرة أمس تظاهرة لمئات المدنيين وعناصر الشرطة يطالبون بإقالة قائدها اللواء حسن سوادي لعدم"اتخاذه اجراءات ضد القوات البريطانية"، التي اقتحمت مبنى مديرية مكافحة الارهاب لتحرر الجنديين البريطانيين اللذين اطلقا النار على الشرطة والمدنيين وقتلا ثلاثة منهم الاثنين الماضي. وطالب المتظاهرون القوات البريطانية بتسليم الجنديين الى القضاء. من جهته، اتهم محافظ البصرة محمد مصبح الوائلي الجانب البريطاني ب"عدم التعاون لتلافي الصدام بين قواتهم والشرطة والمدنيين". وأكد ل"الحياة"التزامه تنفيذ الاجراءات القانونية، وما يطالب به أعضاء مجلس المحافظة، مشدداً على ضرورة ان يتحمل"البريطانيون"التعويضات للجهات المتضررة والاعتذار رسمياً والتعهد بعدم تكرار ما حصل. وانتقد" قانون بريمر الخاص بمنح حصانة للقوات المتعددة الجنسية"، لافتاً إلى أن هذا"القانون يمثل ثلماً في سيادة البلد". أما القاضي راغب محمد حسن، الذي أصدر مذكرة توقيف بحق الجنديين، فقال ل"الحياة"إنه اصدر الأمر"لاقترافهما جريمة قتل ثلاثة عراقيين في تبادل للنار مع الشرطة". وأوضح ان"المتهمين كانت في حوزتهما ست حقائب مليئة بالأسلحة والمواد المتفجرة وأجهزة اتصالات متنوعة". وتابع أنه أرفق الأمر"بكتاب رسمي لاتخاذ الاجراءات القانونية لاطلاق سراحهما طبقاً لقانون بريمر، لكن القوات البريطانية لجأت الى التصعيد". وحضرت الى الموقع محامية بريطانية برتبة رائد في الجيش تدعى ربيعة صادق، إلا أن القانون العراقي لا يجيز مرافعة محام أجنبي، وطلب قاضي التحقيق من القوات البريطانية"إعادة المشتبه بهما لعدم اثبات انتمائهما الى الجيش البريطاني". أما عضو مجلس محافظة البصرة مسؤول اللجنة الأمنية جعفر عبدالكريم فانتقد تصريحات وزارة الداخلية، وقال:"ابتلينا بالحكم المركزي الجديد". وأكد اصراره والمجلس على موقفهم. وزاد:"نحن حكومة منتخبة ونمثل مصالح الجماهير في البصرة وقد تعرضت هذه المصالح الى اهانة"، مشيراً الى وجود عدد من الارهابيين المتورطين بالتفجيرات الأخيرة ضد المدنيين في منطقة الحبانية في مبنى مكافحة الارهاب الذي اقتحمته القوات البريطانية بالدبابات. ولم يستبعد أن يكون سبب الاقتحام"اطلاق هؤلاء الارهابيين". الى ذلك، حذر القيادي البارز في تيار الصدر عامر الحسني من أن"مواجهة مسلحة مع البريطانيين قد تنشب في البصرة اذا واصلت هذه القوات استفزازاتها ضد عناصر التيار".