سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
صورة حضور العراقيين في الاردن في ضوء اتهام أحدهم بتفجيرات العقبة . اللاجئون من بغداد انعشوا الاقتصاد الاردني وحولوا عمان مسرحاً لنشاطهم المالي والاجتماعي
أعلنت السلطات الاردنية انها أالقت القبض على مواطن عراقي مقيم في مدينة العقبة الاردنية بتهمة التورط في عملية اطلاق الصاروخين على البارجة الاميركية التي كانت ترسو في ميناء العقبة. وسبق لهذا المواطن كما سربت الصحافة الاردنية ان استقبل سوريين وعراقيين في شقته التي استأجرها في المدينةالاردنية. ويبدو ان لإقامة العراقيين في الاردن حكايات كثيرة ليس الموضوع الامني الا جزءاً صغيراً منها. وهنا تحقيق عن الوجود العراقي الاجتماعي والاقتصادي في الاردن. تشير التقديرات الرسمية والمستقلة في الاردن الى أن اكثر من 55 ألف عائلة عراقية دخلت الأردن ضمن آخر موجة تدفق بشري ارتبطت بغياب الاستقرار السياسي في المنطقة، وصاغت حقبات مفصلية في تاريخ الأردن الحديث، بعد قيام دولة اسرائيل عام 1948. وأضحت هذه العائلات جزءاً من النسيج الاجتماعي المتغير في المملكة، وساهمت، ولو جزئياً، في بلوغ نسب نمو 7.5 في المئة في أول ستة اشهر من هذه العام مقارنة بپ6 في المئة في الفترة نفسها من العام الماضي، على أكتاف طفرة قطاع الإنشاءات والخدمات وتجارة التجزئة. وقال باحت يجمع معلومات عن موجة القادمين الأخيرة:"يبدو انه لم يبق في العراق، وفي بغداد تحديداً، إلا الفقراء والمسحوقون، أو المستفيدون من عقود وكمسيونات الاحتلال الأميركي والحكومة العراقية". ما عدا ذلك،"فإن كل من يحمل شهادة قد تعينه على توفير حياة كريمة، له ولعائلته، أو يمتلك مدخرات تمكنه من العيش فترة من الزمن، يترك العراق بحثاً عن أساسيات كالأمن والكهرباء والماء". بيد أن اكبر مشكلة خلفتها الموجة الجديدة تتمثل في هجرة كبيرة لما تبقى من أصحاب"الأدمغة العراقية"، الذين كان يعول عليهم، وعلى عودة من سبقهم الى المهجر من اصحاب الكفايات والخبرة العلمية، مساعدة في بناء العراق الجديد بعد ثلاث حروب مدمرة. فالأطباء والمعلمون والمهندسون، وجلّهم من بقايا الطبقة الوسطى، عماد الاستقرار السياسي والاجتماعي، اصبحوا أهدافاً متحركة للمتمردين، وقد اثر هروبهم في تدني نوعية الخدمات الصحية والتعليمية التي ساءت تحت الحصار الأخير. وشهدت عمان طلباً غير مسبوق على شراء الأراضي والشقق السكنية، على غرار الطفرة التي ساهم في إشعالها اكثر من 250000 أردني من اصل فلسطيني هربوا من الكويت عقب اجتياح العراق للكويت عام 1991. وقال رجل أعمال من منطقة الكرادة فضّل عدم ذكر اسمه:"اشعر أن بغداد انتقلت الى الأردن، فكلما خرجت إلى الشارع، أو المطعم، أو السوبرماركت، ألتقي أحد معارفي، أو أحداً يتكلم عن أحد". وأضاف لپ"الحياة":"إن كل عراقي قادر على أن يترك بلده حفاظا على حياته وحياة عائلته، من نيران المتمردين والإرهابيين وعصابات الزعران والخاطفين، يفعل ذلك، ويستقر هنا، أو يغادر إلى الإمارات، او قطر, أو سورية، ريثما تنجلي الأمور هناك". ويقول عراقيون ان الأردن المحافظ اجتماعياً ودينياً، يبقى خيارهم الأول بسبب تشابه العادات والتقاليد، وبحكم قرب الجغرافيا، وروابط التاريخ والسياسة والاقتصاد التي نسجت عبر عقود حيث استضافت عمان الكثير من العائلات والساسة منذ الإطاحة بالملكية عام 1958. وقال المهندس الكهربائي عدنان دليمي 50 عاماً، انه يشعر ان الاردن بلده الثاني."الأردن كان على الدوام متنفسنا الوحيد، ونافذتنا على العالم، كلما ضاقت بنا ظروف الحياة، بخاصة خلال الحصار، عندما أغلقت كل منافذ الدول العربية المجاورة في وجهنا بسبب المواقف السياسية من صدام، وانقطعت المواصلات الجوية مع العالم، وقننت تأشيرات الدخول الي كل دول العالم". وجاءت الموجة الجديدة في اعقاب لجوء اكثر من 300 ألف عراقي الى الاردن بعد ان فرضت الاممالمتحدة الحصار على العراق عام 1991، هرباً من الاوضاع السياسية والاقتصادية المتردية، او رغبة منهم في الهجرة الي الغرب عبر طلب اللجوء السياسي من مكتب تابع للأمم المتحدة. معظمهم كانوا يشتغلون في مهن متواضعة ذات رواتب متدنية لإعالة عائلاتهم في عراق الحصار. وقال صاحب مصنع أغذية عراقي:"إن عدداً كبيراً من العراقيين شرعوا في بيع أملاكهم، او اجزاء منها في العراق، ليستأجروا او ليشتروا شقق بسيطة او فاخرة، في عمان كمسكن ثانٍ لهم، لا سيما ان اسعار الاراضي والعقارات هنا ما زالت منخفضة نسبياً على المستوى الاقليمي". ويضيف:"وبعد أن يؤمنوا عائلاتهم، ويضعوا أولادهم في المدارس، يعود أرباب الأسر إلى العراق، أو يديرون أعمالهم من عمان، بالريموت كونترول... البريد الالكتروني والهواتف الخلوية والأرضية التي اختصرت المسافات". ومن بين القادمين الجدد ايضاً مستثمرون من الطبقات الوسطى والغنية، دخلوا سوق العقارات والأسهم المحموم، كمضاربين، مثلهم مثل الأردنيين والفلسطينيين والسوريين والخليجيين، وجنوا الملايين من الأرباح. وهناك أيضاً نماذج لظروف حياة صعبة، من دون مدخرات سابقة، مثل تلك التي يعيشها ادمون ميخايل 24 عاماً، وماجدة مصففة شعر. ادمون عامل بالمياومة في أحد شركات خدمات الجنائز، جاء مع أربعة من أبناء عمومته للعمل في عمان مطلع العام، بعدما خطف والده وقتل قرب بغداد على يد أحد عناصر المليشيات، بتهمة التعامل مع الاميركيين كمترجم. وما زال عمه مفقوداً منذ ذلك الحين. يقول:"أحيانا لا أجد اكثر من الخبز لآكل، وأتمنى أن تحصل وفاة ويطلبني المكتب للضيافة، وإلا مت أنا من الجوع". وتتشارك مجموعات منهم في غرف صغيرة مع منافعها، ويشكون كالأردنيين من غلاء المعيشة المستمر، خصوصاً بعدما زادت الحكومة أخيراً اسعار المشتقات النفطية. ماجدة 25 عاماً، أم لطفلين، هربت إلى الأردن مع زوجها بعد انتهاء السنة المدرسية في حزيران يونيو الماضي، بسبب التفجيرات، لتعمل في صالون شعر مقابل 210 دنانير شهرياً پ300 دولار، بعدما كانت تدير صالونها في بغداد، بمردود شهري اكبر بكثير. وما زال زوجها"المواسرجي"يبحث عن عمل يومي. ولا يدري الزوجان كيف يمكنهما تأمين أولادهما في مدارس الحكومة المكتظة أصلاً، والتي تتطلب إجراءات الانضمام إليها إذاً إقامة سنوي ... وهي عملية إجرائية معقدة، وشبه مستحيلة. وقالت ماجدة، ان البحث عن الأمان لها ولعائلتها، اصبح أهم من المال والطعام."فالأوضاع الآن في العراق اسوأ حتى من ايام صدام، ومن كل النواحي الحياتية والامنية والخدمية". ولهذه الظروف انعكاسات سلبية، قد تساعد على تغذية تحديات اجتماعية موجودة أصلاً مثل المخدرات والجرائم والدعارة والنصب والاحتيال، كما أن الفقراء منهم يضغطون على خدمات الصحة والتعليم الحكومي المدعوم. لكن الموجة الجديدة من العراقيين تركت بصمات اكثر وضوحاً على الحياة الاقتصادية، من الذين سبقوهم. فتراهم في المصارف والمطاعم وردهات الفنادق بكل فئاتها، وعلب الليل، والمراكز التسويقية المولات، والسوبر ماركت، والدوائر الرسمية، وفي سياراتهم الحديثة ذات اللوحات العراقية. وكثير من رجال الأعمال العراقيين استأنفوا حياتهم الجديدة هنا في عمان بعد ان أنشأوا علاقات اقتصادية مع السوق الاردني. فخلال العقود الماضية نشأت علاقات وطيدة بينهم وبين القطاع الخاص الاردني الذي جمع بعض رموزه الملايين من الدولارات من تعاملهم مع العراق الذي كان سوقاً رئيسياً لمصانعهم، والمزود النفطي الرئيس بأسعار تفضيلية. واستفاد من التعاملات السابقة رجال أعمال أردنيون وعراقيون، بعضهم كان"واجهه"للنظام السابق، وآخرون منهم تحولوا بسرعة الى"مفاتيح"لرجال المرحلة الجديدة، او عملاء للشركات الاميركية التي استحوذت على البلايين من الدولارات لإعادة إعمار العراق. فخلال الستة اشهر الماضية فقط، أعطى الأردن جوازات سفر موقتة لأكثر من 65 رجل أعمال ومستثمراً عراقياً, وكل وثيقة مقابل رسوم بلغت 15الف دينار 20 ألف دولار، بحسب القيود الرسمية، لتسهيل مهمة دخولهم وخروجهم. واستثمر هؤلاء وحدهم ما يزيد على 100 مليون دينار 150 مليون دولار، كجزء من شروط الحصول عليها. وتعينهم هذه الوثائق على الحصول على حق استعمال مسرب خاص بهم عبر المطارات، وعند معبر الكرامة الحدودي الدائم الاكتظاظ مع العراق. جل القادمين الجدد جاؤوا من بغداد، وضواحيها، أو من معاقل المقاومة التقليدية المعروفة بپ"المثلث السني"، إضافة إلى عدد كبير من مناطق ذات غالبية شيعية. وبعضهم وفد من لندن، حيث أقاموا منذ الإطاحة بالملكية، أو بعد صعود نجم صدام. ويتوقع مسؤولون وديبلوماسيون ان تستمر موجة النزوح، لكن بزخم اقل من الذي شهدته البلاد خلال الشهور الماضية، مع اقتراب موعد الاستحقاقات العراقية المقبلة من انجاز الدستور الى التهيئة للانتخابات وسط تنامي خطر التقسيم. واطلق عدد كبير من العراقيين المقيمين في الأردن العنان لمنشآت اقتصادية وتجارية واستثمارية، تحاول البناء على دور الأردن كمركز رئيس للمساعدة في إعمار العراق، كان آخرها تأسيس شركة قابضة بپ100 مليون دولار، برئاسة نعمان الراوي. ويجد كبار المستثمرين كل الدعم من الملك عبدالله، الذي يسعي لتحديث الاقتصاد بعد أن دخلت بلاده بوابة العولمة الاقتصادية. وتسعى الحكومة الى توفير كل التسهيلات الممكنة،"للاستفادة من هذه الفرصة الذهبية، والتخفيف من السلبيات". فالاردن لا يريد تكرار التجربة المخيبة للآمال مع اللبنانيين الذين وفدوا إلى الأردن هرباً من الحرب الأهلية في نهاية السبعينات، ليغادروا بعد شهور، الى قبرص وكندا وأوروبا، بسبب ضعف البنية التحتية والخدمات وفرص الاستثمار. وبين ليلة وضحاها، تضاعفت أسعار الشقق والأراضي في الأردن، وتعززت احتياطيات المصارف التجارية من العملة الاجنبية، إذ احضر"الوافدون الجدد"معهم اكثر من 1.8 بليون دولار من مدخرات أودعوها المصارف الاردنية، بحسب مديري مصارف. وهناك تدفق نقدي يومي مستمر، على شكل اموال نقدية وعمولات مشاريع اعادة الاعمار، ويتوقع ان يستمر ذلك لسنوات. العديد من القادمين من العراق أسس مصانع غذائية ومطاحن، جل إنتاجها موجه الى العراق، وانضم الآلاف من الطلبة إلى المدارس والجامعات الخاصة. واشتد الطلب على المخزون المائي المتأزم أصلاً. وبدأت مطاعم جديدة بالانتشار في عمان، منها المتخصص في تقديم أطباق عراقية مفضلة مثل"الباتشي"... رأاس وأحشاء وكوارع أقدام الغنم مسلوقة في قدر كبير. وحل العراقيون في المرتبة الأولى من ناحية شراء الأراضي والعقارات، تلاهم سعوديون وسوريون، لا سيما ان القيود المصرفية الشديدة أوقفت محاولات عدة لتبييض"اموال عراقية مسروقة وغير نظيفة". وقال مدير عام دائرة الأراضي والمساحة عبد المنعم مسارة إن مجموع الاستثمار في هذا القطاع خلال السبعة اشهر الاولى من العام الحالي وصل إلى نحو 2 بليون دينار، محققاً بذلك المستوى الذي سجله خلال العام الماضي ككل. وبلغ مجموع حجم المبيعات لغير الاردنيين زيادة مقدارها 84 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام 2004. ويتوقع أن يصل الاستثمار الى ما بين 3،5 و 4 مليار دينار نهاية العام - بسبب العامل العراقي، إضافة إلى تحرك الأردنيين الذين يقومون بعمليات مضاربة في سوق مشبع بالسيولة، بعد قيام عدد من المشاريع العقارية الكبيرة. أما فنادق الخمس نجوم، والتي شكت لسنوات خلت من قلة الزوار، فأنها تتغنى حالياً بنسب أشغال فاقت ألپ80 في المئة ومعظم الشاغلين رجال اعمال عراقيون يأتون إلى الأردن لعقد صفقات مع زملائهم الأجانب، الذين لا يريدون المجازفة بحياتهم والسفر إلى بغداد. ومنهم أيضاً موظفو هيئات اغاثة غربيون لجأوا الى عمان بعد ان قلصوا اعمالهم في العراق عقب تفجير مقر الاممالمتحدة في بغداد العام الماضي. بعض أثرياء العراق في الأردن هم من وجهاء عائلات المال والأعمال القديمة. ويتحسسون كثيراً من طبقة الأثرياء الجدد، التي جمعت الملايين بسبب قربها من الأميركيين، ومن مجلس الحكم الانتقالي، او من عمليات مشبوهة. واستذكر أحد الموظفين السابقين في وزارة الإسكان العراقية الصدمة التي أصابته عندما رأى مراسلاً سابقاً كان يعمل في وزارته يقود سيارة دفع رباعي"رانج روفر"موديل 2005 في عبدون، أرقى احياء عمان، ويدخن سيجاراً. وعندما سأل معارفه عن مصدر ثروته، قالوا له"انه ربح ملايين من الدولارات من عطاءين فقط رسوا عليه من الجيش الأميركي، وقدرت كلفة العمل الفعلي بنحو 750 ألف دولار، بينما تقاسم هو وشركاؤه من الأميركيين والعراقيين بقية ألپ5 ملايين دولار التي قبضها". الخاسرون والرابحون من مرحلة ما بعد سقوط صدام، اصبحوا جزءاً من نسيج الجالية العراقية المتنامي في الأردن. ومنهم عائلة نائب الرئيس السابق طارق عزيز، المعتقل حالياً، وسعدون حمادي، رئيس البرلمان العراقي السابق، وسفراء وكبار الموظفين السابقين، اضافة الى بنات صدام حسين، رغد ورنا وعائلاتهما، الذين منحوا حق اللجوء لاسباب انسانية في آب اغسطس 2003، ضمن شروط اهمها الابتعاد عن اعطاء التصريحات الإعلامية والضلوع في نشاطات ضد الاحتلال. ومنهم ايضاً رئيس الوزراء السابق أياد العلاوي، الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع الأردن، ووزير الكهرباء السابق أيهم السامرائي. ويعمل حالياً اكثر من 600 أستاذ عراقي في جامعات الأردن أل 19 - بين الرسمية والخاصة، ويبحث عدد ممائل عن فرص عمل في المملكة أو الخليج. وعلى رغم الطفرة الاقتصادية التي ساعد العراقيون على دفعها، إلا أن عدداً كبيراً من الأردنيين، بخاصة ذوي الدخل المتوسط، والمتدني، والعاطلين عن العمل، يعتبرون ان تأزم اوضاعهم مرده الى كثافة الوجود العراقي في بلدهم. فالتضخم في تصاعد، وهناك طبقة جديدة من المستهلكين تغيرت حياتهم من"كفاف الى غنى فاحش"من دون سابق انذار، واثر ذلك في زيادة المستوردات، وتنامي العجز التجاري.