على الكنبة الجلدية المريحة، تسترخي رانيا وتراقب حركة صالة استقبال الفندق ذي الطابع الفرنسي في دبي. تحمل بيدها فنجاناً، ترشف منه القهوة بتلذذ تكشفها ابتسامتها الراضية. في واقع الأمر، البن الذي تعلق آثاره على شفتيها ليس بنّاً عادياً. هو ما يسمّى ب"البنّ الأخلاقي". يعني هذا أنّ الفندق الذي بدأت رانيا تتردد عليه من شهر، مع صديقاتها، ليشربن قهوة الصباح في أيام العطل أو بعد الظهر في الأيام العادية، هو فندق يعمل باستراتيجية"التجارة العادلة". وأكثر دقة:"القهوة العادلة"التي تدعم بطريقة مباشرة مزارعي البنّ في دول تبعد آلاف الكيلومترات عن دبي."أحب أن أقوم بهذا الفعل الإنساني"، تقول وتشرح أن هناك منظمات دولية تشتري رطل البن عالي الجودة من مزارعي"ماتاغالبا"و"جينوتيغا"في نيكاراغوا ومن دول أخرى في أفريقيا وأميركا اللاتينية بضعفي السعر الذي تشتري به الشركات المحتكرة لهذه الصناعة. هكذا يتم دعم هؤلاء المزارعين المهددين بفقدان وظائفهم بسبب المشكلات الاقتصادية الجمة التي يواجهها هذا القطاع على الصعيد العالمي ومنذ أواخر 2003 بسبب الزيادة الكبيرة في الإنتاج. ويباع البن إلى الموردين بسعر أعلى من السعر العادي، ثم تشتريه جهات استهلاكية وتبيعه على شكل قهوة بزيادة سعرية إضافية. هكذا، تدفع الفتاة حوالى دولار إضافي على الثمن الشائع لفنجان قهوة وتبتسم لدعمها مزارعي نيكاراغوا واليمن.. من دبي."أحبّ هذا النمط من العمل الخيري، البلد هنا يعطيك الفرص لتشارك في الأعمال الخيرية بطريقة أنيقة!"، تقول قبل أن تأخذها موسيقى الجاز التي كانت تصدح من نادي"بلو بار"في الفندق الفرنسي، معلنة بداية السهرة وانتهاء القهوة. هل يحتاج فعل الخير إلى"طريقة أنيقة"؟ بالفعل، هناك الكثير من التجارب التي يعيشها الشباب في دبي وتتماشى مع"فلسفة"رانيا. تتباهى أمينة بأساور صفر وزرق، من البلاستيك الطري. على واحدة كتب"بيليف"أي"إيمان"وعلى الأخرى خطت"ليف سترونغ"أو"عش بقوة". لا تعرف أمينة الكثير عن هذه الأساور ومعنى الكتابات المنقوشة عليها:"اشتريتها بينما كنت أتجوّل في مانغو محل ألبسة نسائية في دبي. قالوا لي إن بشرائي اياها، أدعم مراكز علاج المصابين بالسرطان في الولاياتالمتحدة الأميركية". هل أنت أكيدة من ذلك؟"لا أعرف"، تجيب،"المهم أنها أساور جميلة وموضة وفيها عمل خير". قبل عشر سنوات تقريباً، أصيب الدرّاج الأميركي الشهير لاس أرمسترونغ بمرض السرطان الذي تسلل إلى رأسه وفقد الأمل في إمكان عيشه. إلا أنه بإرادته الشديدة وصلابته في مواجهة الموت الخبيث، استطاع البطل الذي تحوّل أسطورة بعد فوزه في سباق فرنسا للدراجات لست مرات متوالية، أن يفوز في مواجهة مرضه. اعتزل ارمسترونغ منذ شهرين وقرر التفرغ لدعم مراكز علاج السرطان في أميركا. منذ ذلك الحين، امتلأت أيادي الأميركيين بأساور صفر وزرق يعود ثمن شرائها إلى دعم مراكز ارمسترونغ. أمينة، في دبي، لا تعرف إذا كانت الأساور التي ترتديها جزءاً من هذا المشروع، لكنها واثقة أنها"موضة خير". على الأرجح:"خير". المؤكّد: موضة انتشرت بين شباب يهوى التقليد وتجذبه"الصرعات". ففي لبنان، يحمل مناصرو"تيّار المستقبل"، أساور شبيهة كتب عليها"الحقيقة"، في إشارة إلى طلب معرفة حقيقة مقتل الرئيس رفيق الحريري. كذلك الأمر بالنسبة إلى الشباب المناصرين لپ"حزب الله"اللبناني. في مقهى"21"على طريق الشيخ زايد في دبي، بوسعك أن تتصفح كتباً أنيقة معروضة على رفوف موضّبة، تتأمّل لوحات تشكيلية قد لا تفقه كثيراً في تفكيك ألغازها. لكن إن اقتربت أكثر من هذه اللوحات وقرأت العبارات التي كتبت في أسفلها، ستطالع ما يأتي:"اشتر هذه اللوحات لدعم مرضى التوحّد النفسي". هو، ببساطة،"بيزنس"الأعمال الخيرية، أو"البيزنس النبيل"!