يكفي القول، دلالة على ما لكاداريه من حضور في العالم الآن، إنه ما بين الطبعة الأولى لكتاب"كاداريه في لغات العالم"لباشكيم كوتشوكو 2001 والطبعة الثانية 2005 صدرت 163 طبعة جديدة لأعمال كاداريه منها 61 في الألبانية وپ102 في لغات العالم المختلفة. ولكن حتى هذه الطبعة الجديدة من كتاب كوتشوكو، كما سنرى، لا تشتمل على كل الترجمات والطبعات الموجودة وخصوصاً في ما يتعلق باللغة العربية. يعترف كوتشوكو في مقدمة الطبعة الجديدة ص5 بالمصاعب التي واجتهه، والتي تبدو غير مقنعة بالنسبة الى كتاب كهذا، إذ أنه يذكر أنه اعتمد على ما هو موجود في المكتبة الوطنية في تيرانا وفي المكتبة الشخصية لكاداريه وفي أرشيف دار النشر"أونوفري"المتخصصة بنشر أعماله، على حين أنه يعترف بصعوبة الوصول إلى ترجمات وطبعات أعمال كاداريه من خلال الإنترنت في بعض اللغات مثل اليابانية والصينية والكورية والعربية! ص5. وهكذا فهو يعترف بأن الطبعة الصينية لرواية"جنرال الجيش الميت"التي صدرت في 1992 لم تصل إلى أسماع الألبان إلا بعد عشر سنين من صدورها ولذلك دخلت في هذه الطبعة الثانية من الكتاب ولم تدخل في الطبعة الأولى التي صدرت في 2001، ومع ما صدر في الصينية والاسبرانتو يصل عدد اللغات التي صدرت فيها ترجمات أعمال كاداريه المختلفة إلى 35 لغة من لغات العالم مع مئات الطبعات وملايين النسخ. وحول هذا يشير المؤلف إلى مقابلة مع كاداريه يذكر فيها أن ما يصدر في العام الواحد من أعمال وترجمات له يصل إلى الخمسين، أي بمعدل كتاب واحد في الأسبوع، وأن بعض رواياته مثل"الاحتفال"و"قصر الاحلام"و"الهرم"وغيرها صدرت في فرنسا بطبعات شعبية يتراوح تيراجها بين 130-150 ألف نسخة لكل منها، مما يوصل عدد النسخ التي طبعت في فرنسا فقط إلى مليوني نسخة. وبالعودة إلى مقدمة المؤلف يذكر د. كوتشوكو أن كاداريه قد وصل منذ سنوات طويلة إلى جائزة نوبل، وأن اسمه دخل مرات عدة في الحلقة الضيقة التي ينتقى منها اسم الفائز. ويقارن هنا المؤلف كاداريه بغونتر غراس، الذي بقي اسمه يتردد 25 سنة قبل أن يحصل على جائزة نوبل في 1999. وفي ما يتعلق بألبانيا بالذات، أي بالبلد الذي أطلق هذا الكتاب إلى المستوى العالمي، يشير المؤلف إلى مقارنة مثيرة. فخلال حكم أنور خوجا الشمولي الذي حظي فيه كاداريه بمكانة مميزة كانت الطبعات والكتابات التي تصدر عن أعمال كاداريه كثيرة، وكانت أعمال كاداريه تمتدح باعتبارها"تحمل في ذاتها قوة النظام الإشتراكي الذي كتبت فيه"، بينما تراجعت بوضوح طبعات أعمال كاداريه في السنوات التي أعقبت سقوط النظام الشمولي 1991 ص8. أما بالنسبة الى الكتاب نفسه فقد وزعه المؤلف إلى قسمين، حيث تضمن القسم الأول ببلوغرافيا شاملة عن أعمال كاداريه وترجماتها وطبعاتها في لغات العالم، بينما تناول القسم الثاني"النقد العالمي حول أعمال اسماعيل كاداريه"ص191-448، ولدينا أخيراً في الملحق قائمته بالكتب التي ألفت عن كاداريه سواء في الألبانية 13 أو في اللغات الأخرى 10 كتب . وفي ما يتعلق بالقسم الأول الببليوغرافي يلاحظ أن المؤلف اعتمد على أكثر من معيار - بيان. فقد اعتمد أولاً على"المعيار اللغوي"حيث استعرض كل ما صدر من ترجمات وطبعات لأعمال كاداريه في لغات العالم بحسب التسلسل الأبجدي من اللغة الإنكليزية التي صدرت فيها 14 عملاً بطبعات عدة وحتى اللغة الفيتنامية التي صدر فيها فقط رواية"جنرال الجيش الميت". أما المعيار الثاني فهو"معيار العناوين"، حيث يتعرض المؤلف لكل الترجمات والطبعات التي صدرت في لغات العالم ولكل عمل - عنوان من أعمال كاداريه. مدينة الحجر ويلاحظ في هذا القسم الببليوغرافي قصور كبير في ما يتعلق بترجمات وطبعات كاداريه في اللغة العربية. فبحسب"المعيار اللغوي"أي حيث يصل المؤلف إلى اللغة العربية ص63 لا يذكر سوى أربعة أعمال فقط، وحتى هذه تذكر بطريقة مختلفة على عكس اللغات الأخرى. ففي هذا الإطار يرد ذكر"أشعار من ألبانيا"1985 دون ذكر مكان ودار النشر وپ"العرس"مصر وليس القاهرة 1985، و"قصة مدينة الحجر"بيروت - دار الآداب 1989 وپ"الحصن"دار الهلال 1983 من دون توضيح مكان النشر! وفي الحقيقة يصعب فهم مثل هذا التقصير أو التشويه في الوقت الذي كانت الصحافة الألبانية سواء في ألبانيا أم في كوسوفو تشير باستمرار إلى ما يصدر لكاداريه وعن كاداريه في اللغة العربية. والغريب هنا أن هذه"القائمة"لأعمال كاداريه في العربية لا تشمل أهم وأشهر أعماله جنرال الجيش الميت التي صدرت في ترجمتين مختلفتين، إذ أن عبداللطيف الأرناؤوط ترجمها أولاً عن الألبانية وصدرت في دمشق عن وزارة الثقافة في 1981 بينما ترجمها عبدالحميد الجمال عن الإنكليزية وصدرت في القاهرة روايات الهلال عام 2001. وكذلك الأمر مع الحصن، التي ترجمها عبداللطيف الأرناؤوط عن الألبانية وصدرت في دمشق عن وزارة الثقافة في 1986 ثم ترجمها محمد عضيمة عن الفرنسية بعنوان"طبول المطر"وصدرت في بيروت 1990. إضافة إلى ذلك هناك أعمال عدة لكاداريه نشرت في العربية ولم تذكر أبداً في كتاب كوتشوكو مثل"من أعاد دورنتين؟"بيروت 1989 بترجمة أنطون أبو زيد وپ"الوحش"بيروت 1992 بترجمة عفيف دمشقية وپ"قصر الأحلام"بيروت 1992 بترجمة حياة الحويك وپ"الجسر"بيروت 1994 بترجمة عفيف دمشقية وپ"العاشق والطاغية"دمشق 1999 بترجمة معن عاقل. ويبدو أن أحد الأسباب وراء هذا التغييب لأعمال كاداريه المنشورة في العربية في كتاب كوتشوكو يعود في ما يعود إلى فوضى النشر في عالمنا العربي الفريد. فحتى سنوات خلت، إلى أن وقّعت معظم الدول العربية على اتفاقية حماية الملكية الفكرية، كانت دور النشر تنشر ما تنشره من دون إذن من المؤلف أو حتى دار النشر الأصلية التي تمتلك حقوق النشر، وحتى من دون أي إعلام، ولذلك كان يحدث أن المؤلف يعرف بالمصادفة بعد سنوات عن صدور كتاب له هنا أو هناك! والآن تبدو مفارقة غريبة، إذ أنه في الوقت التي تصاعدت شهرة كاداريه في العالم بعد لجوئه إلى باريس في 1990 وقيامه بدور المتمرد على النظام الشمولي الذي كان أحد نجومه في ما مضى، فإن دور النشر العربية قد أحجمت عن نشر أعماله الجديدة إما لأنها أصبحت ملزمة بدفع حقوق النشر أو لأنها لم تعد معجبة بالخط الجديد لكاداريه. ومن ناحية أخرى، يلاحظ أن القسم الثاني من الكتاب قد تضمن مختارات من"النقد العالمي"حول أعمال كاداريه شملت فيما شملت مختارات من كتابات النقاد في الفرنسية حوالى 90 ثم في الانكليزية 22 والألمانية 17 وأخيراً الإسبانية 8، من دون الإشارة إلى ما كتبت عنه في العربية وهو ليس بقليل. وفي النهاية لا بد من القول أن الطبعة الجديدة من كتاب"كاداريه في لغات العالم"على رغم ما فيه من جديد يكمل الطبعة الأولى إلا أنه لا يزال يعتريه النقص، حيث يبدو أنه كتب قبل حصول كاداريه على جائزة"مان بروكر"الدولية في حزيران يونيو الماضي التي أدت إلى موجة جديدة من الترجمات والطبعات لأعماله والكتابات عنه كما أن الكتابات النقدية التي اختارها كوتشوكو من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا تمثل ذلك الطرف المعجب بكاداريه، أي أنه أغفل الكتابات الأخرى التي تمثل الطرف الآخر، الذي لديه ملاحظات كثيرة على كاداريه وأعماله.