أثارت"تفجيرات عمّان"التي هزت العاصمة الأردنية أخيراً الوسط الفني المحلي الذي فوجئ بالحدث مثله مثل بقية شرائح المجتمع الذي لم يشهد من قبل هجمات مشابهة. وكانت النتيجة عشرات الأغنيات والأعمال الفنية التي تركز كلّها على استنكار الإرهاب الذي يستهدف المدنيين الأبرياء، والتأكيد على وحدة صف الأردنيين في مواجهة هذه الهجمة. لكن هذه الحركة الفنية، بتحركها"الوطني"، لم تشكل حالة غنائية يمكن الاعتماد عليها، ربما لأن الحركة الفنية في المملكة أصلا ضعيفة وتعاني من التهميش وغياب المقومات الأساسية لقيام حركة قادرة على إثبات نفسها، ولو على أرضها وبين جمهورها. كان يبدو واضحاً على هذه الأعمال أنها أنجزت بسرعة... تتعامل مع العاطفة، ولا تخاطب إلا تلك المشاعر المتأججة غضباً من هذه التفجيرات، بمزيد من مشاعر موازية لا بد لها من أن تظهر في أحوال كهذه: الحزن على ما حل بالعروسين اللذين تحول عرسهما إلى مأتم، التغني بصمود عمّان وأهل الأردن في وجه الإرهاب، التأكيد على أنّ ما حل بالمملكة لن يمنع المسيرة من التقدم ? إلى الأمام طبعاً! كان يبدو واضحاً أيضاً أن"التجميع"لم يكن مقصوداً ومدروساً. فأي فنان مستعد لمشاركة أي مجموعة الغناء، بغض النظر عن معطيات هذه المشاركة. ترى، وتسمع، مغنين معروفين حتى على مستوى عربي، مثل عمر العبد اللات وديانا كرزون، وسواهما من مغنين أقلّ درجات في سلم الشهرة خارج حدود المملكة وداخلها أيضاً، مثل عامر الخفش ونانسي بيترو وهاني المتواسي ومتعب الصقار وغزلان وغيرهم، يغنون سوية، ويستنكرون سوية... ولو تشابهوا في مواقف كثيرة. كل الأغنيات سريعة مستعجلة، لا تستطيع الصمود لأبعد من وقت الحزن الذي كانت نتاجه. الركاكة واضحة في التعبير، وعدم كفاية التدريب واضح أيضاً. لهذا تسمع صوتين في أغنية واحدة يكادان يتشابهان، فلا يفرق بينهما أحد. على كل، هذا الأمر لا يهم، لأن المهم هو إيصال الرسالة - استنكار الإرهاب. ربما يدخل كثير من هذه الأغنيات"الموسمية"في باب التجارة والربح السريع. فهي فرصة مواتية للانتشار المستعجل، على أقل تقدير. فالكل يشاهد شاشة التلفزيون الرسمي لمتابعة آخر أخبار التفجيرات والتطورات حول القضية، فيما الأغاني تخترق كل الأوقات على الشاشة التلفزيونية المحلية الوحيدة في المملكة، وحتى نشرات الأخبار. ولا تكاد تخلو الإذاعات من هذه الأغنيات... كل المحطات تبثها على مدار الساعة، وهذا يعني نجاحاً ما بعده نجاح: الفنان الأردني يطالب دوماً وسائل الإعلام المحلية بالاهتمام به وعدم تهميشه، وما يحدث الآن هو ما يريده تماماً. إنه على الشاشة، وعبر الأثير، ليلاً ونهاراً، يغني أغنيته الأثيرة المنددة بالإرهاب. ولا فرق بين اسم أغنية هنا أو هناك، ولا فرق بين كلمة أو لحن. المهم هو الموقف، والانتشار السريع. وهذه الموجة من"الأغنيات المستعجلة"لم تقتصر على أسماء المغنين الأردنيين الشبابيين. حتى الفنانة مكادي نحاس، وهي من الأصوات الرائعة التي تنتظر بزوغاً فنياً في لبنان حيث تستكمل دراستها، دخلت هذه المعمعة، وأصدرت أغنية جديدة، بعد أن كانت أنجزت قبل نحو شهرين أغنية مهداة إلى مدينة عمان، انتشرت خلال هذه الفترة أيضاً. ونحاس لم تكن الوحيدة في مشاركتها الفنية المستنكرة، إذ شاركت فرقة رم الموسيقية التي يقودها طارق الناصر، بإحياء أمسية فنية مهداة إلى ضحايا التفجيرات على منصة ضخمة أقيمت على الدوار الثالث، القريب من مكان التفجيرات. وعزفت خلالها الفرقة من موسيقاها قطعاً موسيقية بدا واضحاً عليها الاستعجال، وبعدها من أجواء الفرقة الموسيقية الأكثر شعبية في المملكة والمعروفة بخطها الموسيقي الملتزم. قد يكون لهذه الحركة الفنية التي"عصفت"في المملكة في الأيام الأخيرة بعض خير، على رغم كل المطبات التي وقعت فيها. فهي على الأقل استطاعت إعادة الثقة إلى فنانين أردنيين غابوا عن الساحة الفنية، لأن لا مكان لهم في الساحة المحلية، ولأنها استطاعت تقديم مشهد غنائي جديد لم تعتده الفنون في المملكة. فهذه هي المرة الأولى التي تحدث فيها تفجيرات بهذه الضخامة في المملكة، والمرة الأولى أيضاً التي تغنى فيها أغنيات تستنكر الإرهاب بهذه الطريقة، وإن وقعت في فخ الانتشار السريع.