معروف أمر تزاحم الصحافة التلفزيونية ببرامجها وأخبارها ومتابعاتها التي صار لا بد منها في كل مهرجان سينمائي. بل ثمة مهرجانات تبدو أصلاً وكأنها أقيمت لكي تغطى تلفزيونياً. وثمة محطات تصور فعاليات المهرجان لتقوم بعرضها مرات ومرات طوال أشهر باعتبارها مادة دسمة يمكن أن تجتذب المتفرجين. في مثل هذه الحالات يكون الاهتمام منصباً أول الأمر على النجوم الذين يحاوَرون أو تتابعهم الكاميرات التلفزيونية، من دون اهتمام جدي بالأفلام نفسها، وبما يكشف عنه المهرجان من جديد على صعيد سينما العالم. في هذا الاطار صار التلفزيون شريكاً دائماً في مهرجانات السينما. بيد ان"اللعبة"لا تبدو أبداً تبادلية... حيث ان واقع الأمور يقول لنا ان التلفزة هي الطرف الرابح في المعادلة. صحيح انها تغطي المهرجان اعلامياً وتنشر أخباره، غير انها تسرق منه متفرجيه. وحتى لو زوّدته ببعضهم لن تبدو القسمة عادلة. غير ان هذا لا يمنع السينما، بمهرجاناتها وأفلامها، من أن تكون كاسبة أحياناً، لا سيما حين يكون من القوة المعنوية لمهرجان ما، ما يمكنه من الحصول على دعم تلفزيوني... مادي أو معنوي أو مجرد ترويجي. وفي مثل هذه الحالات، تحس التلفزة ان عليها ان تصخب بالأمر وأن تعلنه، جاعلة من نفسها الشريك الأكبر وفاعل الخير الأعمّ. ولكن في مرات نادرة يحدث ما هو غير هذا. ومن هذه المرات النادرة ما حدث بالنسبة الى مهرجان مراكش السينمائي الدولي الذي انتهت دورته الخامسة قبل أيام. ففي هذه الدورة كانت محطات تلفزيونية كثيرة حاضرة متابعة مروجة ملاحقة. ولكن كانت هناك في المقابل محطة وحيدة بدت لوهلة وكأنها غير موجودة. ومع هذا سرعان ما عرفنا انها أمدّت، وحدها، موازنة المهرجان بما يصل الى 15 في المئة من هذه الموازنة... أي ما يوازي 300 ألف يورو. المحطة هي"كنال +"CANAL PLUS الفرنسية، التي على رغم ضخامة مساهمتها هذه - نسبياً - رضيت ان تدخل كشريك متواضع، لا يريد من الكسب غير ما هو معنوي. وربما مجرد الاعتراف بجميل فن السينما - الحقيقي - عليها. إذ من المعروف ان هذه القناة التي يزيد عمرها الآن على عشرين سنة، قامت أصلاً كقناة سينمائية، مراهنة في زمن لم يكن واضحاً فيه ان في إمكان العروض السينمائية على الشاشة الصغيرة اجتذاب جمهور يغطي كلفة قناة كبيرة وطموحة. ومع هذا، حدثت"المعجزة"يومها ونجحت القناة. وها هي منذ زمن بعيد، تسدي شكرها للفن السابع على طريقتها الخاصة المتواضعة. ترى كم قناة عربية - وغير عربية - من تلك التي عاشت على فن السينما وبفضله، يمكنها ان تخبرنا اليوم عما اذا كانت ردت الجميل يوماً؟ الجواب صعب... لكن الأمر يذكرنا بصاحب قنوات عربية متعددة بلغت به الحماسة، يوماً، خلال مهرجان"كان"- في دورة شهدت عروض أفلام عربية عدة - ان أعلن ان محطته ستمول كل سينمائي عربي يشارك بفيلم له في أي مهرجان عالمي. صفقنا كلنا يومها، وقلنا"ها هي التلفزة وقد فهمت الأمر أخيراً"... لكن تصفيقنا كان... نهاية المطاف، إذ لم نسمع منذ ذلك الحين ان السيد المذكور نفّذ وعده... لكننا رأينا محطاته تزداد كسباً بفضل السينما.