توصلت اللجان المتخصصة المنبثقة عن مؤتمر الوفاق الوطني العراقي الى مبادئ عامة لتجاوز الخلافات التي نشبت على تعريفات وتفاصيل تلك المبادئ. وأبرزها معايير التفريق بين المقاومة والارهاب، واسلوب العمل لإنهاء الوجود الاجنبي. وفيما اكدت شخصية مفوضة عن جماعات مسلحة ل"الحياة"إن اتصالات جرت امس مع شخصيات سياسية عراقية وعربية للتنسيق في قضيتي جدولة الانسحاب الاميركي وحماية الانتخابات المقبلة، غادر الرئيس جلال طالباني القاهرة متوجها الى طهران في نطاق استراتيجية، قالت مصادر مطلعة انها تهدف الى الحد من النفوذ الايراني في العراق. واتفقت اللجان المتخصصة في مؤتمر القاهرة على عدد من المبادئ العامة التي صنفت في نطاق العموميات بعدما احتدم الخلاف على تفسير وتصنيف بعض المقررات المفترض اعلانها في نهاية الجلسة الختامية للمؤتمر. وقالت مصادر الجامعة العربية امس ان اللجنة التحضيرية لمؤتمر الوفاق التي يرأسها مستشار الرئيس الجزائري عبدالعزيز بلخادم اتفقت على عقد المؤتمر العام في بغداد ولكن خارج المنطقة الخضراء نهاية شباط فبراير وبداية آذار مارس 2006 على أن يتم العمل على تحقيق معايير منها:"ان يكون هناك تمثيل متوازن لكل القوى السياسية والاحزاب العراقية بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني والقبائل والمنظمات النسوية، والالتزام بالحوار والنهج الديموقراطي ونبذ العنف كوسيلة للعمل السياسي، والسعي لتحقيق آلية حركة متوازنة للعملية السياسية في العراق بالوسائل السلمية والتزام كل الاطراف باحترام آراء بعضها ومناقشة الاتجاهات المختلفة"، بالاضافة الى"الايمان بوحدة العراق وسيادته وحريته واستقلاله بما يحقق أمنه ويستعيد انتماءه في محيطة العربي والاسلامي والدولي". ولم تتوصل اللجنة الى اتفاق كامل على جدول اعمال مؤتمر بغداد أو الى المعايير التي سيتم الاستناد اليها في اختيار المدعوين بعد مشادة كلامية نشبت بين خليل الحديثي ممثل هيئة علماء المسلمين وحسن البزاز من الشخصيات السنية من جهة وعدد من اعضاء الكتلة الشيعية من جهة أخرى، فيما اختار الاكراد لعب دور الوسيط بين الطرفين. واشارت المصادر الى أن جوهر الخلافات في اللجنة التحضيرية دار حول نقاط منها طلب الشيعة اعتماد مسودة الدستور معياراً لتحديد جدول الاعمال بما في ذلك المضامين الواردة فيه عن اجتثاث البعث والصداميين، وعدم وضع آلية للتفريق بين المقاومة والارهاب، ما عده الحديثي مرفوضاً، مؤكداً أن"الدستور لم يحظ بالشرعية المطلوبة وبالتالي لا يمكن اعتماده معياراً لمؤتمر بغداد"، فيما ذهبت المجموعة الشيعية في اللجنة الى أن"المدعوين الى مؤتمر بغداد يجب أن يخضعوا لقوانين القبول في الجمعية الوطنية العراقية، خصوصاً تلك المتعلقة بكشف لجنة اجتثاث البعث"ما رفضته الكتل الاخرى معلقة النقاش في هذه القضية الى اجتماعات دورية يفترض ان تعقدها اللجان المعنية على امتداد الشهرين المقبلين. ويبدو أن تدخل وزير الخارجية الجزائري السابق عبدالعزيز بلخادم كان انقذ اللجنة بعدما أقنع السنة بعدم الانسحاب من المؤتمر، إثر مشادة ثالثة نشبت بين الاعضاء حول مطالبة عدد من ممثلي الوفود السنية بتقديم المسؤولين عن تنفيذ عمليات القتل والتعذيب الى المحاكم المختصة من دون استثناء، يتقدمهم وزير الداخلية الحالي باقر صولاغ جبر، مهدداً بالانسحاب من المؤتمر ورفع السلاح ما رفضه الشيعة، معتبرين ان حادثة معتقل الجادرية"عارضة ومدبرة"كي تتزامن مع المؤتمر وتشكل عامل ضغط على الشيعة فيه. في المقابل اكد احد اعضاء الكتلة الشيعية اعتراض كتلته على وجود اشخاص غير مرغوب فيهم في المؤتمر وتسللهم الى قاعات الاجتماع من دون الحصول على موافقة المسؤولين العراقيين الذين اشترطوا قبل الموافقة على حضور المؤتمر حذف اسماء مدعوين من بينهم رئيس الكتلة الوطنية العراقية صالح المطلك، والمحلل السياسي الداعم للمقاومة العراقية ظافر العاني الذي استبعد من المؤتمر خلال الجلسة الأولى. وأكد محمد شهاب الدليمي، نائب رئيس"المجلس التأسيسي"العراقي ل"الحياة"ان خطوات مهمة تم الاتفاق عليها في المؤتمر تشكل اساساً لعمل مشترك في مقدمها اقرار جميع الحاضرين بوجوب التفريق بين المقاومة والارهاب، فيما قلل القيادي في الكتلة الشيعية حسين الشهرستاني من"التعويل"على هذه النقطة، مؤكداً ل"الحياة":"لا نرى سوى الارهاب الذي يقتنص اجساد اطفالنا ويحاول تكريس الفرقة وشق الصفوف"، مشيراً الى أن على اي مجموعة"تتدعي انها مقاومة لم تستهدف العراقيين ان تثبت ذلك بالأدلة". لجنة اعادة الثقة إلى ذلك بدت اللجنة الثانية المنبثقة عن المؤتمر تحت اسم"لجنة اعادة الثقة"ويرأسها وزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان اكثر انسجاماً في مقرراتها، إذ ابتعد الاعضاء عن ادراج 20 نقطة ولم يدخلوا في التفاصيل وصاغوا فقرات حاولت الجمع بين وجهات نظر المشاركين. ومن بين النقاط المتفق عليها في هذه اللجنة أن"بناء الثقة يحتاج الى افعال وليس الى أقوال"، و"نبذ العنف والدعوة الى المقاومة السلمية"، و"ادانة الارهاب ومحاربته"و"تجنب توجيه الاتهامات المتبادلة بين الاحزاب والقوى المشاركة ومنع الحملات الدعائية ضد بعضها"، و"الاعتراف المتبادل بمكوناتها السياسية"و"النظر بتفاؤل الى مستقبل العراق عبر التصريحات الى وسائل الاعلام"و"تجنب الاشارة الى سلبيات الماضي"و"اعادة البناء والإعمار"وأن"يكون الجميع مسؤولين عن تحقيق التوافق الوطني"و"الاتفاق الوطني على ان الثقة هي اساس الحكم"و"ان التمييز على اساس طائفي او عرقي لم يكن نتيجة المرحلة الحالية وانما كان في ايام النظام السابق"، و"التمييز بين خونة الدولة وبين معارضة النظام السياسي"، و"اقامة لقاءات دورية بين الاطراف واللجنة التحضيرية"، و"التأكيد على أن العراق القديم انتهى إلى الأبد ويعمل الجميع على بناء اسس جديدة للتعايش والاخوة". وكانت المقررات الاكثر أهمية تعلقت بقضيتي"الاعتراف بوجود الاحتلال والعمل على انهائه بالوسائل المعلنة"و"التمييز بين الارهاب والمقاومة". لجنة الحكماء من جهته أعلن أمين ومنسق"لجنة الحكماء"الدكتور عامر التميمي أن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى عقد اجتماعاً صباح امس مع 16 شخصية عراقية اتفق خلاله على مسودة البيان الختامي الذي سيصدر في ختام اعمال الاجتماع التحضيري لمؤتمر الوفاق الوطني العراقي اليوم . وقال ل"الحياة"امس إن الاجتماع الذي حضره الامين العام المساعد للجامعة للشؤون السياسية احمد بن حلي وممثل الامين العام للامم المتحدة اشرف قاضي، الى جانب 16 شخصية عراقية تم خلاله الاتفاق على وضع جدول لانسحاب القوات الاجنبية في العراق بتشكيل القوات العراقية ووضع الفترة الزمنية التي يتم تنفيذ هذا الشرط فيها. كما تم خلال الاجتماع الاتفاق على وقف العنف والافراج عن المعتقلين في السجون وتوسيع العملية السياسية. واشار الى أنه تم التوافق على المواضيع الخلافية المطروحة على الاجتماعات بنسبة 80 في المئة وتم توضيح الفرق بين اعمال المقاومة والعمليات الارهابية. وقال إنه على قوى المقاومة التي تريد أن تنضم للعملية السياسية نبذ العنف وتجريم الدم العراقي وإدانة سرقة الثروات وهدم المؤسسات وتفخيخ السيارات لأنها تعتبر ثروات مهمة للشعب العراقي وللحكومة وللوطن، معتبراً أن من يقدم على مثل هذه الاعمال لا يعتبر من المقاومة بل يكون ارهابياً. وقال وزير النقل العراقي، ممثل الكتلة الصدرية سلام المالكي ل"الحياة"إن"جميع الاطراف متفقة على وجود احتلال أجنبي في العراق ويجب العمل على انهائه لكن الخلافات تركزت على طريقة العمل على انهاء الاحتلال وآليته". مشيراً الى أن المؤتمر لم يقر جدولاً زمنياً لإنهاء الاحتلال لكنه فتح الطريق امام تحديد مثل هذا الجدول في مؤتمر بغداد المقبل، لافتاً الى أن"التيار الصدري هو اساساً تيار مقاوم ويعترف بالمقاومة المشروعة للاحتلال وكان أول المطالبين بوضع تمييز بين مصطلحي المقاومة والارهاب". وكان الرئيس العراقي جلال طالباني الذي غادر القاهرة امس متوجهاً إلى ايران، قال في مؤتمر صحافي ان"لا وجود للاحتلال في العراق وانما هناك وجود أجنبي بطلب من العراقيين انفسهم"، مؤكداً ما نشرته"الحياة"امس استعداده للقاء ممثلين عن المقاومة العراقية باعتباره قاسماً مشتركاً بين القوى. وأكدت مصادر مقربة من طالباني أن طلباً قدم الى الرئيس العراقي للقاء ممثلين عن جماعات مسلحة تم تأجيل البت فيه بسبب سفر طالباني، لكن اتفاقاً اولياً جرى لعقد اللقاء في بغداد أو السليمانية"بحضور رئيس عربي يزور العراق قريباً على حد تأكيد تلك المصادر". وأشارت المصادر إلى أن زيارة طالباني لطهران ستركز على استراتيجية التأثير على النفوذ السياسي الايراني في العراق"باستخدام تبادل المصالح الاقتصادية في استلهام لتجربة اقليم كردستان الذي حاصر العداء التركي باستقطاب شركات تركية للعمل في الاقليم". وأضافت ان طالباني سيعمل خلال زيارته لطهران على"ضمان استيراد الطاقة الكهربائية الايرانية للمدن العراقية المحاذية بالاعتماد على اسلوب الاستثمار الخاص". وتجنبت شخصيات عراقية تؤكد انها مفوضة للحديث باسم الجماعات المسلحة الاضواء المسلطة على المؤتمر بالسكن في أحد الفنادق البعيدة عنه واقامة اتصالات مع شخصيات داخل المؤتمر. وقال ناطق باسم هؤلاء رفض كشف هويته ل"الحياة"أمس"إننا نراقب اعمال المؤتمر أولاً بأول وننقل ما يدور في كواليسه، خصوصاً ما يتعلق بالمقاومة الى مراكز القرار في بيت المقاومة"، مؤكداً أن"تنسيقاً يجري على أعلى المستويات في القاهرة مع شخصيات عراقية وعربية ودولية للخروج بتوافق كامل بين الاطراف العراقية على تمثيل يليق بالمقاومة العراقية في مؤتمر بغداد"، و"ان التنسيق لا يعني اشتراك المقاومة في الحوار والموافقة على مقررات المؤتمر وانما سننتظر ولن نكون خارج المشهد خصوصاً وأننا المؤثر الاساسي فيه". واضاف ان"المقاومة العراقية تدرك جيداً استحالة الوصول الى جميع الحلول دفعة واحدة، وما يدفعها هذه المرة لمراقبة الحدث السياسي الذي لم تكن معنية او معترفة به في السابق متغير مهم يتمثل بإرادة اميركية ملحة للانسحاب من العراق تحت الضغط، ما يعد انتصاراً لخيار المقاومة من جهة وتأكيداً لثوابتنا الوطنية من جهة أخرى". واشار الى أن"حصول المقاومة العراقية التي تستهدف المحتل وتضم العديد من الكتائب ولا تؤمن بالارهاب ضد الشعب العراقي على ضمانات لانهاء الوجود الاجنبي سيدفعها الى ضمان حماية مراكز التصويت خلال الانتخابات المقبلة كما فعلت خلال الاستفتاء على الدستور، على أن تجري الانتخابات تحت اشراف دولي كامل يسبقه وقف للعمليات العسكرية ضد مدن العراق وانسحاب القوات الاجنبية من داخل المدن الى خارجها كمقدمة لجدولة انسحابها الكامل وفي تزامن مع اعادة الجيش العراقي السابق وانخراط المقاومة في صفوف الجيش والشرطة مع حل المليشيات المسلحة". ولم يكشف المصدر عن الجهات التي التقى بها أو تفاصيل تلك اللقاءات لكنه أكد ل"الحياة"وجود رغبة جدية لدى العديد من الاطراف بتشجيع اميركي لإنهاء الوجود الاجنبي، وتلك غاية بحد ذاتها.