التوقيت وحده يشير الى ان صفقة كوريا الشمالية لجهة تسوية خلافاتها مع اميركا حول الملف النووي، أُريدت لتوريط ايران، أقله للإيحاء بأن كوريا العنيدة التي تملك سلاحاً نووياً مجرباً أذعنت لضغوط واشنطن. وبالتالي فلا طريق أمام ايران غير الرضوخ. ذلك ان نقل ملفها الى مجلس الأمن لن يقف عند حدود فرض العقوبات الاقتصادية، بل يتعداها الى تجريب الدرجة الثانية من الخطة الاميركية في الخليج. فجوهر الصراع ليس ان تستخدم طهران التقنية النووية لأهداف سلمية أو حربية، وانما ان تبقى مجردة من اي رادع. والضربة الاميركية التي وجهت للعراق، خصمها اللدود، كانت كذلك ضربة في الصميم الى ايران التي أصبحت القوات الاميركية على مشارف حدودها. الأهم في ذلك ان ما كان يعرف بسياسة الاحتواء إزاء العراقوايران استبدل بسياسة العصا الغليظة. ومن وجهة نظر أميركية فإنه لا يمكن السماح لايران بأن تقطف ثمار التورط الاميركي في العراق، بل لعل الجانب الخفي في الرسالة الاميركية انه موجه الى شيعة العراق بأن يقطعوا الصلات العقائدية والسياسية مع ايران. أبعد من التوصل الى تسوية ملف كوريا الشمالية بوساطة صينية، ان واشنطن ترغب في تفكيك أي تحالف محتمل بين الصينوايران وروسيا، ومفاده ان الدعم الظاهري لايران في حال نقل ملفها النووي الى مجلس الأمن سيفتر نتيجة حسابات المصالح وقواعد ادارة الصراع. والأمر في جوهره يتعلق بإذلال الايرانيين على خلفية قصة الرهائن الاميركيين التي اظهرت وقتها عجز الادارة الاميركية عن تخليص رهائنها. والحال ان العقدة الاميركية إزاء ما تعرضت له قواتها في بيروت بالإضافة الى رهائن اميركا أطلقت يدها الآن في المنطقة. وربما كان الفرق بين سياسات عربية واسلامية انها تحاول معالجة الأزمات لدى حدوثها، بينما الاميركيون على اختلاف اداراتهم يكتفون بجلب السيناريوات من المكاتب المغلقة، وبعضها يعود الى أزيد من عقدين. والمشكلة لدى ايران انها ظلت معنية بأعداء محليين واقليميين مفترضين وتناست ان الشوط الأول والأخير في المعركة سيكون مع من تصفه ب"الشيطان الأكبر". ضمن المحاذير الكثيرة التي تواجه ايران، انها لم تنجح في عزل الطرف الأوروبي عن مجاراة واشنطن. ولو انها تمعنت أكثر في الانقياد الفرنسي أمام التوجه الاميركي في اخراج القوات السورية من لبنان لأدركت ان رغبات الأوروبيين في مصالحة الاميركيين اكبر من ان تتحكم بها اي مبادئ. والأكيد ان الاميركيين لن يغفروا لها الدعم المعنوي لسورية قبل الانسحاب المكره. غير ان خريطة التحالف في شبه القارة الآسيوية في طريقها لأن تتشكل من جديد. وكما الهند التي رغبت في كسب ود الاسرائيليين في خلافاتها مع باكستان حول كشمير انفتحت على تل ابيب، فإن جارتها باكستان أقامت علاقات مع الكيان الاسرائيلي، بينما تركيا الاسلامية كانت سباقة الى ابرام اتفاقات تحالف. مثل هذه التطورات ان كانت تتجه الى عمق العالم الاسلامي لتفكيك الأسس التي قامت عليها منظمة المؤتمر الاسلامي لناحية التضامن مع الدول العربية، فإن سياسة عزل ايران عن محيطها الاسلامي بهذه الطريقة انما تصب في خانة الإفساح في المجال أمام أي عربدة اسرائيلية، كونها ضالعة في ضرب المفاعلات النووية. بعض مشكلات ايران الحالية يكمن في الإفراط في المشاعر. فالتظاهرات لا يمكنها رد الضربات، والتصور بأن ايران ستبقى بمنأى عما في العراقولبنان وما يمكن ان يحدث في سورية لا يستقيم مع رصد الانعكاسات وقراءة التداعيات. والافكار الاميركية حول الحرب على الارهاب، كما الحرب ضد اسلحة الدمار، تبدو مسموعة في عالم لا يقوى على مواجهة النفوذ الاميركي. والأكيد ان الصينيين والروس سيسرهم ان تغرق الأقدام الاميركية في مستنقع جديد. غير ان السياسة الوقائية تكون أجدى، وأي هدنة مع الأميركيين مطلوبة اليوم. والأخطر في السياسات حين تفقد العمق أكانت أميركية أو ايرانية. لكن درس كوريا الشمالية جدير بالقراءة في التوقيت والدلالات، كونه يشجع واشنطن اكثر مما يثنيها عن أي مغامرة.