عقد مجلس الأمن جلسة أمس مخصصة للأوضاع في السودان، شارك فيها نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه وزعيم"الحركة الشعبية لتحرير السودان"الدكتور جون قرنق. وفي حين أبدى المجلس قلقه العميق للأوضاع في دارفور مبدياً خشيته من ان ينعكس ذلك سلباً على اتفاق السلام بين الشماليين والجنوبيين، أكد نائب الرئيس السوداني التزام بلاده العمل على انهاء الأزمة في غرب البلاد، مجدداً اعتراض الخرطوم على تقرير لجنة تحقيق تابعة للمنظمة الدولية أوصى محاكمة مسؤولين في الحكومة والميليشيات المتحالفة معها وجماعات المتمردين خارج السودان بتهمة ارتكاب فظاعات في دارفور. أما قرنق فرفض من جهته"ربط"اتفاق السلام الشامل بين شمال السودان وجنوبه بالوضع في دارفور وشرق السودان تمرد جماعتي"مؤتمر البجا"و"الأسود الحرة". لكنه شدد ايضاً على استعداد حركته للمساهمة في تحقيق السلام في المنطقتين. شدد رئيس مجلس الأمن للشهر الجاري جويل اديتشي، في بيان نيابة عن اعضاء المجلس، على ان كل اعضاء مجلس الأمن ملتزمون سيادة السودان واستقلاله ووحدة اراضيه، وان كل الجهود يجب ان تُبذل"لجعل الوحدة جذابة لشعب السودان". وأشاد باتفاق نيافاشا بين حكومة الخرطوم و"الحركة الشعبية"بقيادة الدكتور قرنق، الشهر الماضي، واعتبره"لحظة تاريخية". وبعدما لاحظ ان ما يحصل في السودان حالياً"فرصة عظيمة"قال ان كل الاطراف السودانية يجب ان تعمل من أجل تثبيت دعائم سلام دائم. وقال ان المجلس ملتزم اتخاذ"الاجراءات الملائمة"لدفع المجتمع الدولي الى القيام بدوره في دعم عملية السلام السودانية. وأضاف، في هذا الاطار، ان الأممالمتحدة ستساهم بقوة سلام ستعمل على مساعدة السودانيين على تحقيق المصالحة في ما بينهم. وأعرب عن"قلق المجلس العميق للوضع في دارفور". وحض الأطراف المعنية بالنزاع على الاسراع في ابرام اتفاق لحل الأزمة، مثلما فعلت حكومة الخرطوم مع المتمردين الجنوبيين. واستنكر عمليات خرق وقف النار التي تحصل في دارفور، معرباً عن استياء اعضاء مجلس الأمن لانتهاكات حقوق الانسان التي تحصل في دارفور. وأشاد بيان رئاسة مجلس الأمن بالدور الذي يلعبه مراقبو الاتحاد الافريقي الذين ينتشرون في دارفور. وقال انه في ظل غياب تقدم في العملية السياسية"لا يمكن إلا ان يحصل تدهور في الوضع في دارفور. إن حصول مثل هذا الأمر ليس في مصلحة أحد، بما انه يمكن ان يعرّض للخطر تطبيق اتفاق السلام الشامل بين الشمال والجنوب، ويعرّض للخطر مستقبل البلد كله. نحض الاطراف كافة على ان تستأنف مفاوضات أبوجا بروح ايجابية". وقدّم ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان يان برونك تقريراً الى المجلس عن أزمة دارفور معتبراً انها"بالغة التعقيد، ولها جوانب سياسية، اقتصادية، طبيعية وثقافية. إنها أكثر من حرب أهلية بين الحكومة وحركات متمردة". وأشار الى زيارته الأخيرة للمنطقة قائلاً انه عاين"التأثير المأسوي للتطهير القبلي أو العرقي في عشرات القرى، على يد ميليشيات، خلال شهر كانون الثاني يناير. ان التطهير استمر ... ولا يمكن ان يتوقف سوى بقوة طرف ثالث"غير الحكومة والمتمردين. وأشار الى ان تقرير لجنة التحقيق الدولية في دارفور اعتبر ان ما يحصل في الاقليم"ليس ابادة ... لكن الانتهاكات الواسعة لحقوق الانسان لا تقل خطورة عن الابادة". وقال ان الحكومة لم توقف هجماتها ولم تحاكم القائمين باعمال العنف. وأضاف انه خلص بعد ستة شهور من القيام بمهمته في دارفور الى ان الوضع في"حال جمود ونحتاج الى اختراق في شكل عاجل". طه وتحدث طه في كلمته أمام المجلس عن اتفاق السلام الذي وقعه مع جون قرنق، ودعا"المجتمع الدولي الى دفع هذه الجهود الرامية الى الاعمار والتنمية حتى ينعم أهل السودان بريع السلام ويقطفون ثماره الأمر الذي يجعله سلاماً مستداماً ودائماً". وناشد دول العالم:"رفع القيود والعقوبات الاقتصادية والتجارية التي تعيق جهود الاعمار والتنمية والاستثمار وبدء الشراكة الفاعلة مع السودان، والدعوة الى اعفاء كامل للديون الخارجية المترتبة على حكومة السودان لدى المؤسسات الدولية والدول، والدفع بسخاء في مؤتمر المانحين لإحداث التنمية الاقتصادية والنهضة الشاملة المرجوة". وقال:"ان بلادي عانت كثيراً من الحرب ونحن عازمون عبر حكومة الوحدة الوطنية على احداث تغيير حقيقي على أرض الواقع بما يحقق الإعمار والتنمية والوحدة". ولفت الى ان اتفاق السلام أرسى"لنظام سياسي يعتمد المواطنة اساساً للحقوق والواجبات ويلتزم المواثيق الدولية لحقوق الانسان ويعترف بالتنوع ويعتبره مصدراً للقوة واساساً للوحدة"وأسس"حكماً ديموقراطياً يلتزم العدالة وحكم القانون والحكم الرشيد، يدار فيه السودان على اساس لا مركزي تنقسم فيه السلطات بين المركز والولاية والحكم المحلي وفق نظام دستوري يحدد هذه السلطات وينظمها". واشار الى ان الاتفاق"قسم موارد البلاد المالية بناء على اسس منصفة راعت الفوارق بين الولايات في مستويات التنمية والخدمات والاختلالات الناجمة عن الحرب". وتحدث عن أزمة دارفور، مؤكداً،"ضرورة الوصول الى حل سياسي يوقف الحرب ويرفع المعاناة عن أهلنا". واكد ان"الحكومة ماضية في طريق هذا الحل وان العزم والصبر والأناة والجدية التي أوصلتنا الى اتفاق السلام الشامل ستكون معنا حتى نطفئ نار الصراع في دارفور وحتى نجعل من هذا العام 2005 عاماً للسودان والسلام الشامل في السودان". وقدم رؤية"للتفاوض العاجل"لإنهاء أزمة دارفور تقوم على"محور انساني"يتضمن تقديم اغاثة سريعة للمنكوبين، و"محور أمني"يقوم على"تعزيز تفويض الاتحاد الافريقي وقدراته وقواته في دارفور، مادياً وفنياً، حتى يتمكن من اكمال نشر قواته والاضطلاع بمهمة مراقبة وقف اطلاق النار والحد من الخروقات الأمنية والشروع فوراً في برامج نزع السلاح وفتح الطرق أمام جهود الاغاثة ... والتقصي في الجرائم وانتهاكات حقوق الانسان التي حدثت ومعاقبة مرتكبيها". وتحدث عن"المحور الاقتصادي والاجتماعي"في حل أزمة دارفور قائلاً:"ان الحل الجذري للمشكلة لا يمكن التوصل اليه من دون النجاح في تثبيت دعائم التعايش السلمي بين السكان. والأوجب هو الانتقال من حال التعايش السلمي الى حال الاعتماد المتبادل والتعاون بين المجموعات المختلفة". وعن"المحور السياسي"في حل الأزمة، قال ان حكومته"تؤمن بأن كل الاجراءات والترتيبات المذكورة سالفاً لن يكتب لها الاستقرار في غياب تسوية سياسية جذرية". وقال:"الحكومة مستعدة لاجراء التسوية النهائية على اساسها بعد الاتفاق على تفاصيلها وآلياتها من خلال التفاوض مع حاملي السلاح في دارفور، والمبادئ هي: 1- اعتماد صيغة الحكم الاتحادي المتقدم باعتبارها الانسب للولايات السودانية. ويعني هذا بالنسبة الى الحكومة اعتماد دستور لكل ولاية في ظل حاكمية الدستور الوطني العام كما أقرته اتفاقية السلام مع الجنوب. وفي اطار العلاقة بين دستور الولاية والدستور الوطني سيكون للولايات الصلاحيات التالية: أ- سلطات سياسية واقتصادية متوسعة يتفق على تفاصيلها، وقد اوضحت اتفاقية السلام مع الجنوب كثيراً من هذه السلطات بالفعل، بحيث تعطى الولايات حرية القرار السياسي والاقتصادي في اطار الحكم اللامركزي. ب- انتخاب الاجهزة التنفيذية والتشريعية لكل ولاية انتخاباً حراً وعاماً على اساس المنافسة المفتوحة بين القوى السياسية. ج- تأمين نصيب عادل للولايات في أبنية السلطة المركزية، خصوصاً الاجهزة التنفيذية والتشريعية. د- انشاء جهاز قضائي مستقل. ه- انشاء خدمة عامة فاعلة ومستقلة. 2- اعتبار التنوع الثقافي والاجتماعي رصيداً ايجابياً للسودان يمكن توظيفه في ظل الاستقرار السياسي والازدهار الاجتماعي من اجل تحقيق وحدة فريدة قائمة على التعدد. 3- الاتفاق على صيغة عادلة لاقتسام عائدات الثروة بما يمكن كل ولاية من الحصول على نصيبها العادل ويمكن الاهتداء في هذا الصدد باتفاقية قسمة الثروة الموقعة في نيافاشا مع الحركة الشعبية. 4- انشاء مفوضية للتنمية واعادة التعمير للعناية بمتطلبات التنمية العاجلة والآجلة وتخصيص موازنة لها من عائدات الدولة المركزية اضافة الى ما نحصل عليه من المانحين". قرنق أما زعيم"الحركة الشعبية"جون قرنق فحذّر في كلمته مجلس الأمن والأسرة الدولية من"الربط"بين اتفاق السلام الشامل بين الشمال والجنوب وبين النزاع القائم في دارفور وشرق السودان. وقال ان مثل هذا الربط"كارثي". وأضاف ان وضع أحد الملفين رهن الآخر"يعاقب ضحيتين"وهو"خطأ اخلاقياً"كما هو"حمق سياسي". وقال:"اننا ننصح في شدة ضد مثل هذا الربط". وأكد قرنق ان"الحركة الشعبية"مستعدة ل"المساعدة"في حل أزمة دارفور وشرق السودان عبر وسيلتين اساسيتين هما: أولاً، تطبيق عناصر من اتفاق السلام الشامل على دارفور وشرق السودان بحيث"توافق الاطراف على المبدأ أمام مجلس الأمن ... وتلتزم بموعد حاسم ... ثم تفاوض على التفاصيل"مثل تقاسم السلطة والثروة والترتيبات الأمنية، بمساعدة"الحركة الشعبية"، مما"يأتي بالسلام الى السودان ويبقيه موحداً"، وثانياً، مشاركة الحركة في"المساهمة"بقوات، رهن موافقة الأطراف. وفي هذا الصدد، طرح قرنق أمام مجلس عرض قوات"ثلاثية"بحيث يشارك 10 آلاف جندي من كل من الجيش السوداني و"الحركة الشعبية"و"الاتحاد الافريقي"في ضبط الوضع على الأرض تهيئة للمفاوضات. وقال ان حركته تشعر بالتشجع والتفاؤل بالقدرة على خلق اجواء ملائمة للحوار والتفاوض. ونصح قرنق بعدم محاكمة المتهمين بارتكاب فظائع في دارفور، من ميليشيات"الجنجاويد"أو غيرهم، قبل مفاوضات السلام. وأكد مبدأ احالتهم على المحاكمة وإنما"بعد تحقيق السلام وليس قبله". وفي ما يخص ارسال قوة دولية لمراقبة تنفيذ اتفاق السلام الشامل، رحب قرنق بالمبدأ وطلب من الأممالمتحدة ان توافق على بقاء وفد"الحركة الشعبية"في نيويورك للتفاوض على التفاصيل. وطلب من المنظمة الدولية التأقلم مع"نموذج البلد الواحد بنظامين الذي يمثّل رغبة الشعب السوداني". ووجهت لندن -"الحياة""حركة تحرير السودان"رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن طلبت فيها"حماية شعب دارفور في شكل عاجل". وقالت الرسالة، التي وقعها الناطق باسم الحركة في لندن محجوب حسين إن"شعب دارفور"يأمل ب"أن يتحمل المجلس مسؤولياته ويتبنى حمايته دولياً ... تؤكد الحركة ان ما تم تنفيذه في دارفور من طرف الحكومة السودانية خلال العامين الماضيين هو إبادة جماعية منظمة. وطالبت الحركة ب"حماية دولية عاجلة لشعب دارفور قبل الدخول في أي مفاوضات سياسية"، وبتشكيل محكمة خاصة بجرائم الحرب ضد الإنسانية حول دارفور.