تعتبر جزيرة كلابشة بحق متحفاً مفتوحاً يعرض حضارات مصر في العديد من عصورها التاريخية. ومن المرجح ان المخربشات الصخرية في الجزيرة التي تمثل تصوير الحيوانات ومناظر صيد ومراكب تعود إلى عصر الدولة القديمة، كذلك وجود معبدي بيت الوالي وجرف حسين من عصر الدولة الحديثة، ولوحة الملك احمس الثاني امازيس من العصر المتأخر، الأسرة 26 تحديداً. كما يوجد معبد كلابشة ومقصورة قرطاسي من العصر البطلمي. كل هذه المجموعة تجعل من هذه الجزيرة مجمعاً لحضارات مصر في عصورها المختلفة. ومع ان الجزيرة تقع في قلب مدينة أسوان ولا تبعد عن السد العالي أكثر من 750 متراً فهي لا تشهد حركة سياحية خارجية أو داخلية على رغم تفردها من حيث الموقع وما تحويه من آثار. لذا كان لا بد من التعريف بها وإعدادها وتجهيزها وتوفير كل السبل التي تتيح الوصول اليها وزيارتها واستثمار حركة الزيارة السياحية للسد العالي ونقلها إلى كلابشة، وكذلك استثمار حركة الزيارة السياحية في الفنادق العائمة التي تقوم برحلاتها بين أسوان وأبي سمبل في بحيرة ناصر وذلك من خلال تنفيذ الآتي: - إضاءة معابد ومقاصير وممرات الجزيرة اضاءة متخصصة تمهيداً لأن تستقبل زوارها ليلاً. - عرض العناصر الأثرية المخزنة في الجزيرة خصوصاً الرسوم والمخربشات في إطار عرض متحفي مفتوح. - توفير متنفس طبيعي ليلاً لجذب وتنشيط حركة السياحة إلى هذه البقعة الساحرة في مدينة اسوان. وتم من خلال المشروع الربط بين معابد ومقاصير جزيرة كلابشة بمسارات تحديد حركة الزيارة، وهذه المعابد والمقاصير هي: معبد كلابشة - مقصورة قرطاسي - بيت الوالي - بيت الولادة والتي تعد المجموعة الأثرية المهمة على الجزيرة. ومثلت حركة الوصول إلى الجزيرة أساساً صعوبة نظراً الى عدم توافر المراسي، لذا كان الوصول إلى المعبد يتم عن طريق درج جانبي لا يتيح للزائر الدخول من المحور الرئيسي للمعبد او من على الميناء الرئيسي، مما يفقد الزائر متعة الوصول من امام. واستهدف المشروع توفير مراس للمراكب القادمة وربطها بسلالم توصل إلى المحور الرئيسي لمدخل المعبد، وروعيت في عمليات تصميم المرسى وممر الربط بين المعبد والمرسى ظاهرة ارتفاع وانخفاض المياه في بحيرة ناصر بعد ترتيبات رصدها ومتابعتها حتى تخرج عمليات التنفيذ بشكل عملي ودقيق، ولا تحدث مشاكل بعد ذلك. وبالفعل تمت عمليات التنفيذ ونجح المشروع في ايجاد وسيلة الربط وتسهيل عملية الوصول إلى المعبد من خلال المحور الرئيسي. كما كانت عملية الزيارة والانتقال خلال الجزيرة من معبد إلى آخر شاقة بسبب عدم وجود ممرات تربط بين مجموعة المعابد والمقاصير على الجزيرة، هذا بالاضافة إلى طبيعة الجزيرة الصخرية. واستهدف المشروع ربط جميع المعابد ومقاصير الجزيرة بممرات حجرية تم توفيرها من خلال استخدام الاحجار المحلية للجزيرة، والتي تتميز بالصلابة الشديدة. وتم وصل جميع معابد ومقاصير الجزيرة بهذه الممرات. كما أُضيئت المعابد والمقاصير والممرات إضاءة متخصصة. ولأن معبدي كلابشة وبيت الوالي من المعابد المكتملة ذات الاسقف، فإنها اتسمت بالإظلام ليلاً ونهاراً طبقاً لعقيدة المصري القديم. ومع تداعي الزمن وبالتالي اختلاف الوظائف وضرورة توفير إضاءة للمعابد، كان من الضروري دراسة واعداد مشروع اضاءة يحمل صفة إظهار عناصر المعبد والمقاصير المعمارية والزخرفية. هذا بالاضافة إلى توفير اضاءة امينة، وبالفعل تمت اضاءة معبد كلابشة وبيت الوالي ومقصور قرطاسي وبيت الولادة والممرات الموصلة بينها. ويلاحظ في الجهة اليمنى من معبد كلابشة تكدس العديد من العناصر الصخرية المنقولة والمخزنة بصورة عشوائية على ارض الجزيرة، وتمثل مناظر لأعمال صيد حيوانات مختلفة غزلان - زرافات - فيلة وهي تمثل البيئة النوبية، ويعتقد بأنها تعود إلى عصر الدولة القديمة. وشمل المشروع تصنيف هذه العناصر وعرضها بشكل لائق لتكون بمثابة عملية عرض متحفي مفتوح على الجزيرة. أما أبرز معالم الجزيرة حالياً والتي يقبل عليها السائحون فهي: 1- معبد جرف حسين: أقيم هذا المعبد في عهد رمسيس الثاني على الشاطئ الغربي للنيل على مسيرة 87 كم جنوب الشلال الاول. وجاء ذكره خلال القرنين التاسع عشر والعشرين على ألسنة الرحالة والأثريين الذين نقلوا أجزاء من النقوش والنصوص التي أودعوها أعمالهم في ما بعد. كان هذا المعبد يعد قبلة للرواد المصريين القدماء من العمال والحرفيين الذين يعملون في مناجم الذهب والتجارة التي زادت في ايام الملك ستي الاول وابنه رمسيس الثاني. وأشرف على بناء المعبد نائب الملك في كوش ستاو الذي استعان بالفنانين المحليين. و يبقى معبد جرف حسين شاهداً على اسلوب معماري من أكثر الأساليب المعمارية لمعابد النوبة السفلية، التي نقرت في الصخر، تميزاً للطابع النوبي للمعابد الصخرية. 2- معبد بيت الوالي: يقع على بعد 55 كلم جنوباسوان ويعتبر اقدم معابد رمسيس الثاني في بلاد النوبة. وهو بسيط في تخطيطه اذ يتكون من فناء مكشوف وصالة منحوتة في الصخر وقدس الاقداس، وزينت جدرانه بمناظر تمثل انتصارات رمسيس الثاني على الليبيين والآسيويين. و من أبرز معالمه الفناء الأمامي المكشوف، وعلى جداره الغربي نجد الملك رمسيس الثاني في عربته الحربية وهو ينقض بقوة على جيش الأثيوبيين الهارب ويطلق عليهم وابلاً من السهام. ونجد أيضاً إثنين من ابناء رمسيس الثاني هما امون حرخبشف وخع أم واست في عربتهما الحربية مع رجالهما، كما نشاهد حاملي الاقواس والنبال من الزنوج مبعثرين ومشتتين أمام هجمات الملك وجيشه يهرولون إلى معسكرهم، كما يجري النساء والاطفال والرعب يتملكهم. وبعد ذلك نجد نتائج انتصاراته حيث نشاهد الملك رمسيس الثاني جالساً تحت مظلة بينما يقدم نبلاؤه اليه جزية الآسيويين المهزومين. ثم هناك صالة الاعمدة، ومعظم النقوش والالوان فيها ما زالت في حالة جيدة. ويستند سقف الصالة على عمودين وتركت الجوانب الأربعة من الأعمدة دون نقش لتسجل عليها ألقاب الملك. ونرى على الجانب الجنوبي للصالة منظراً للملك وهو يضرب زنجياً وعلى الجانب الشمالي يضرب سورياً. وعلى الحائط الغربي للصالة على جانبي المدخل المؤدي إلى قدس الأقداس توجد كوّتان بهما تمثالان للملك رمسيس الثاني. قدس الأقداس: ومن باب في صالة الأعمدة ندخل إلى قدس الأقداس، ويوجد في الجدار الخلفي محراب كان يضم في الأصل ثلاثة تماثيل يعتقد بأنها لرمسيس الثاني لكنها تحطمت في الوقت الذي تحول المعبد إلى كنيسة. 2- مقصورة قرطاسي: أُقيمت مقصورة قرطاسي على هضبة صخرية تطل على النهر إلى الجنوب من سد اسوان بحوالي 40 كلم. وترجع إلى العصر اليوناني الروماني وتعتبر من أجمل مقاصير النوبة رغم أن مساحتها الكلية تبلغ 25 قدماً مربعاً. وكانت هيئة الآثار المصرية أنقذت المقصورة بنقل أجزائها في العام 1963 وإعادة بنائها إلى الجنوب الشرقي من معبد كلابشة. وكانت المقصورة مقامة في مدخل طريق يؤدي إلى محجر قديم للحجر الرملي. وأهم ما يميزها التنوع في شكل التيجان الزهرية للاعمدة ما بين عناقيد العنب والأوراق النباتية الجميلة. أما بالنسبة الى الهدف من بناء المقصورة فيعتقد بأنها مع معابد الدندور والدابود كانت تشكل محطات استراحة لموكب ايزيس في منطقة النوبة السفلى. 3- لوحة الملك سيتي الاول: شهد عصر الملك سيتي الاول نشاطاً واضحاً في منطقة أسوان والنوبة من ناحية أعمال التشييد والبناء والاهتمام بالمحاجر والمناجم وكذلك حفر الآبار، وتحدثنا بردية تورين عن خريطة لهذه المناجم ترجع إلى عصر الملك، وهناك نقشان في مدينة اسوان يحكيان اهتمام الملك بالمحاجر وقطع التماثيل والمسلات. ولوحة الملك سيتي الاول في قصر ابريم هي تخليد لذكرى الملك وانتصاراته في بلاد النوبة، ومن ناحية أخرى تسجل صلاحيات مطلقة لنائب الملك في كوش امنموبي الذي نحت اللوحة وصور نفسه في طرفها الشمالي في وضع تعبدي. واللوحة كانت منحوتة في الصخر ويبلغ ارتفاعها 3,5م وعرضها 4,23م، وتتكون من منظر علوي تقليدي للملك سيتي الاول وهو يطعن احد اعدائه بحربة، لكن اللوحة فقدت جزءها العلوي لرداءة الحجر، أما الجانب الأيمن من المنظر فيمثل العربة الحربية للملك يتقدمها زوج من الخيول وهي تقف على أرض مرتفعة. وفي اسفل المنظر العلوي كتابة هيروغليفية بالنقش الغائر في 12 سطراً افقياً. وقد تم انقاذ اللوحة ضمن الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة فقُطعت إلى اربعة اجزاء أعيد تجميعها إلى الجنوب من معبد كلابشة.