وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية فرنسا    فريق قوة عطاء التطوعي ينظم مبادرة "خليك صحي" للتوعية بمرض السكري بالشراكة مع فريق الوعي الصحي    الذهب يواجه أسوأ أسبوع في 3 سنوات وسط رهانات على تباطؤ تخفيف "الفائدة"    فلكية جدة : "القمر العملاق" يزين سماء المملكة اليوم    النفط يتجه لتكبد خسارة أسبوعية مع استمرار ضعف الطلب الصيني    جامعة أمّ القرى تحصل على جائزة تجربة العميل التعليمية السعودية    ميقاتي: أولوية حكومة لبنان هي تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    الاعلان عن شكل كأس العالم للأندية الجديد    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    بيهيتش: تجربة النصر كانت رائعة    موقف ريال مدريد من ضم ثنائي منتخب ألمانيا    القيادة تهنئ ملك مملكة بلجيكا بذكرى يوم الملك لبلاده    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    البثور.. قد تكون قاتلة    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الخضر جنوب بيت لحم    هيئتا "السوق المالية" و"العقار " توقعان مذكرة تفاهم لتنظيم المساهمات العقارية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    الرياض تستضيف النسخة الرابعة لمنتدى مبادرة السعودية الخضراء    جرائم بلا دماء !    الحكم سلب فرحتنا    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الخرائط الذهنية    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    احتفال أسرتي الصباح والحجاب بزواج خالد    عاد هيرفي رينارد    لماذا فاز ترمب؟    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    علاقات حسن الجوار    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    6 ساعات من المنافسات على حلبة كورنيش جدة    فريق الرؤية الواعية يحتفي باليوم العالمي للسكري بمبادرة توعوية لتعزيز الوعي الصحي    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    مركز صحي الحرجة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للسكري"    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    مقياس سميث للحسد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمى التعديلات في قوانين الأسرة المغاربية : اشكاليات الحداثة ومشكلاتها
نشر في الحياة يوم 05 - 02 - 2005

لا أستطيع الفصل بين المؤتمرات الدولية المتلاحقة عن الأسرة والتنمية البشرية وبين التعديلات التي تطرأ في عالمنا العربي، على شاكلة"مدوّنة الأسرة"المغربي"وقانون الأسرة"الجزائري، الذي وضع للتداول هذه الأيام تمهيداً لعرضه على البرلمان للإقرار.
يشترك مؤتمر مكسيكو سيتي 1975 ومؤتمر التنمية والسكان بالقاهرة 1944 ومؤتمر بيكين 1995 في التركيز على رفع التمييز ضد المرأة"الجندرة"على الرجل والمرأة، والعلاقة الروحية التي وضعها الخالق بينهما. ولما كان الإنسان المسلم في هذا العالم الثالث هو المستهدف الأول، لزمنا استصحاب هذه الحال ونحن نقارب مشاريع"الإصلاح"الأسري في دولتين كبيرتين بحجم المغرب والجزائر.
سوف أتناول هذه القضية الحيوية في الشارع المغاربي من خلاص نقد يطاول الشكل والمضمون، مسجلاً قبل ذلك المفارقة الحاصلة في هذا النوع من القوانين بين العهد الاستعماري، الذي ترك الأهالي وما يدينون في أحْوالهم الشخصية بعد ما استحوذ على الحياة السياسية والاجتماعية العامة، وبين عهد الاستقلال الذي ورثت فيه الدولة ما خلّفه الاستعمار من أنظمة تشريعية وامتدت يدها علاوة على ذلك إلى الحياة الخاصة للناس، جامعة بين متناقضين لا يجتمعان ولا يرتفعان.
أولاً- في الشكل: أسجّل في هذا القسم جملة ملاحظات يشترك بعضها بين"مدونة الأسرة"المغربي"وقانون الأسرة"الجزائري، ويختص بعضها بواحد من هذين المشروعين.
1- على نطاق التسمية، نلحظ البعد التاريخي الأصيل في قول المغاربة"مدوّنة الأسرة"، فالمدوّنة لها دلالة توحي بكتاب"المدوّنة"للإمام مالك رحمه الله. و"الأسرة"تتضمن توسيعاً لموضوع الزواج ومتعلقاته لتجعله قضية عائلة تمتد من نواة يكوّنها رجل وامرأة، ليلج بعدهما الأولاد والآباء والحواشي ما علا منها وما نزل. وذلك ملحوظ أيضاً في قانون الأسرة الجزائري، وكلاهما يختلفان عما هو موجود في لبنان وسورية مثلاً، اللتان أطلقتا تسمية"الأحوال الشخصية"، التي هي انعكاس لتصور الغرب لهذه الرابطة، التي هي رابطة بين طرفين، رجل وامرأة، لتتنوع أخيراً إلى رجلين أو امرأتين! وتفرد المشروع الجزائري باستعمال لفظة"قانون"التي أفقدت المعنى والبعد الذي رأيناه في لفظة"مدوّنة".
2- ربما مرّت"المدوّنة"بهدوء حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، من دون أن تثير ردّ فعل حاد كما هو الحال عند الجزائريين، الذين سجلوا في 1990 مسيرة مليونية طالبت بإبقاء القانون المعمول به منذ 1984م على ما هو عليه، بعدما تصاعدت أصوات محصورة العدد، داعية إلى إلغائه إلغاءً يتوافق مع تلك المؤتمرات الدولية المشبوهة. وكان الفضل في إبقائه على ما هو عليه عائداً إلى رابطة الدعوة الإسلامية برئاسة المرحوم الشيخ أحمد سحنون، إلى أن عاودت تلك الأيدي تحريكه من جديد هذا العام، لتجد الطريق أمامها مشرعاً بعد غياب الشارع من الميدان والبرلمان، الأمر الذي سيسهل مرور المشروع برلمانياً بكل حيصه وبيصه. ولنا عودة لمعالجة هذا الدافع الرافض لأيّ مساس بهذا القانون ولو كان داخل نطاق الشريعة الإسلامية.
3- فسّرت الأستاذة خديجة مفيد هذا الدفاع عن قانون الأسرة من جانب الحركة الإسلامية المغربية، بأنّه منطلق من رؤية حمائية بدلاً من رؤية اقتحامية اقتراحية تجديدية،"ولعلّ هذا الأمر راجع إلى العامل الزمني حيث الحركة ما زالت منشغلة بالتأصيل العام لقضايا التديّن، وكذلك لضعف القيادات الفكرية النشيطة في هذا المجال، وضآلة المؤسسات المدنية النسوية التي تتبنى ملف المرأة من زاوية نظر إسلامية". إنّ ما قالته هذه الأستاذة الجريئة صحيح، ولكنّه تعليل يخصّ الواقع المغربي، حيث وضع قياداته العلمية أحسن حالاً مما هو عند الجزائريين الإسلاميين. ولكن الخشية على هذا التشريع من اللعب والعبث فيغدو كما هو واقع قوانين الأحوال الشخصية في تونس كان ولا يزال الباعث الاول على رفض أيّ تعديل لهذا التشريع في الجزائر، خاصة وأنّ السلطة لم تسع إلى الساعة سعياً حثيثاً لأسلمة الموروث الاستعماري في كلّ المجالات الإنسانية"لذلك بقي العمل على المنع أولى من السعي في التجديد، الذي لا يرفضهُ الدعة المستقلون في الجزائر.
4- لم تراع المشاريع المقترحة في المغرب والجزائر واقع الحياة المغاربية، التي تترجع في مثل هذه التشريعات إلى العرف والعدة وما استقر عليه العمل منذ عهود، فلا تجد بين المغاربة من يعرف"المدوّنة"عدا الطلبة والمحامين والقضاة، كما أنّ إخوانهم الجزائريين يمدّونهم في هذا الطبع"ما جعل المشترع في البلدين غير مبال بالإصلاح الاجتماعي وتغيير النفوس والعقلية قبل التقنين وسنِّ التشريع.
5- أكّدت المادة 3 من المشروع التمهيدي لقانون الأسرة الجزائري على أنّ النيابة العامة طرف أصيل في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هذا القانون، لكون الأسرة من النظام العام وبالتالي وجب السهر عليها كما ورد في الأسباب الموجبة. ولم يبعد اشبه في هذا الأمر بين الجزائر والمغرب، الأمر الذي طرح إشكاليتين تودان إلى الكفاية التي يتمتع بها الموظفون الإداريون في هذه النيابة، فهم من حيث العدد قليلون لملاحقة قضايا الأسرة تبليغاً ومداولة وحكماً، وهم من حيث التكوين أقل مكنة في معرفة قضايا الأسرة في الشريعة الإسلامية، التي لم تنبن ثقافتهم عليها بل على القانون الوضعي في مجالاته المدنية والجنائية والإدارية والدستورية والدولية وغيرها من مجالات تحتل أكبر قدر من حياة الناس في هذين البلدين الإسلاميين بامتياز.
ثانياً- في المضمون: وهو القسم الأهم في هذه المشاريع، التي ولدت تحت ضغط خارجي أولاً، أملته تلك المؤتمرات الدولية، ومحاولات"الإصلاح"التي يفرضها الأجنبي على دولنا من خلال الشراكة الأوروبية - المغاربية، أو من خلال الاستدانة من صندوق النقد الدولي، أو بحكم مشروع الشرق أوسطي الكبير وكلها أسماء لمسمّى واحد كما بات واضحاً للعيان.
1- نصّت المادة 7 من المشروع الجزائري لقانون الأسرة على ما يلي:"تكتمل أهلية الرجل والمرأة في الزواج بتمام 19سنة، وللقاضي أن يرخّص بالزواج قبل ذلك لمصلحة أو ضرورة متى تأكّدت قدرة الطرفين على الزواج". وجاء في الأسباب الموجبة لهذا التحديد العمري الحديث عن المساواة بين الرجل والمرأة في سنّ الزواج تطابقاً مع سن الرشد المدني. وفي ذلك تصريح عفوي على العقلية التي كانت تحكم المشترع الجزائري وهو يصوغ مواد هذا المشرع، فهو لا يراعي تعديل القانون المدين ليتوافق مع القانون الشرعي المعمول به في نطاق الأسرة، بل يسعى إلى العكس. علماً أنّ الراجح في المذاهب الإسلامية اعتبار سنّ البلوغ حدّاً لإجراء هذا العقد. ثمّ اختلف بعد ذلك في أمور تتعلق بإثبات البلوغ أو الحكم به لما له من آثار على العقود، فأبو يوسف ومحمد بن الحسن يريان أنّ الذكور والإناث إذا وصلوا على 15 من سني حياتهم ولم تظهر عليهم آثار البلوغ عدّوا بالغين حكماً، وعلى ذلك الإمام مالك والشافعي وأحمد. وقد أخذ قانون حقوق العائلة الصادر سنة 1917 في عهد الدولة العثمانية برأي يرفع سنّ أهلية النكاح إلى 17 للأنثى و18 للذكر، خروجاً عن المذهب السابق الذي عمل به حتى صدور هذا القانون، قانون حقوق العائلة. وكان السبب الموجب لذلك تأخر بعض البنات عن البلوغ حقيقة بعد سن 15، ووجود من قال بأكثر من ذلك، كما روي عن ابن عباس وتابعيه القائلين بأنّ سنّ البلوغ هو 18، وبعضهم قال ب22، وآخرون ذهبوا إلى حدّ 25 سنة.3
ولكن مشروع قانون الأسرة الجزائري في أسبابه الموجبة لم يشر إلى هذا الخلاف فيبرر اختياره، ولو فعل لأحسنّا الظن به ولربما وافقناه، ولكنه أشار صراحة إلى نيته في توحيد سنّ الأهلية بين قانون الأسرة والقانون المدني بناء على ما ذهب إليه القانون المدني.
كما نصّت المادة السابقة نفسها على سلطة القاضي في الترخيص بالزواج قبل اكتمال الأهلية، أي قبل سنّ 19، إذا وجدت مصلحة أو ضرورة، متى تأكدت القدرة من الطرفين على هذا العقد. والفارق بين هذا القانون وقانون حقوق العائلة أنّ الحاكم في هذا الاخير يأذن لمن لم تبلغ سنّ الزواج بعد إذن وليّها. أما القاضي الجزائري فيأذن من دون إذن آخر من الولي الذي أسقط من شرط الزواج أساساً.
إنّ هذا التوسيع لصلاحيات القاضي، حتى أصبح طرفاً في الزواج يطرح مشكلة البيروقراطية في الإجراءات الإدارية التي ستتكاثر عليه إذا تمّل وحده تبعات هذا الحق، بخلاف لو ترك الأمر للوليّ واحتفظ بحق الإجازة بعده.
2- ضُيِّق تضييقاً غير معتبر شرعاً على التعدد في الزواج، وجاء قانون الأسرة الجزائري أكثر تضييقاً حتى كاد أن يكون ممنوعاً. فنصّت المادة 8 على السماح"بالزواج بأكثر من زوجة واحدة في حدود الشريعة الإسلامية متى وجد المبرر الشرعي وتوفرت شروط ونية العدل. وفي هذه الحالة يجب على الزوج إخبار كلّ من الزوجة أو الزوجات السابقة والمرأة التي ترغب في الزواج بها، وأن يقدّم طلب الترخيص بالزواج إلى رئيس المحكمة لمكان مسكن الزوجية"، ونصّت المادة 8 أيضاً على جواز رفع دعوى قضائية ضد الزوج من جانب الزوجة للمطالبة بالتطليق. كما يتعرض الزواج الجديد قبل الدخول إلى الفسخ إذا لم يستصدر الزوج ترخيصاً من القاضي وفقاً للشروط المحددة سابقاً. كلّ ذلك حماية للزوجة من مناورات قد يقدم عليها الزوج، وحماية للأولاد الذين قد يولدون عن هذا الزواج.
ويظهر أنّ المشروع الجزائري، كما المغربي، لم يلحظ كثيراً ولا قليلاً الحاجة التي من أجلها أبيح التعدد، ولا الواقع المعيش الذي يسود في بوادي المغرب العربي الإسلامي، ولا المتغيرات الأمنية التي أثرت على النسب المئوية للذكور والإناث في عشرية كاملة من الدماء والدموع عشاتها الجزائر ولا تزال.
يعتبر التعدد في أساسه مباحاً لا واجباً ولا حراماً، وأيّ شرط يجعله في حكم الممنوع ممنوع شرعاً وعقلاً. وهذا الأمر هو ما جعل الدولة العثمانية تكتفي بشرط واحد يضب هذا المباح نصّت عليه المادة 38 من قانون حقوق العائلة:"إذا تزوّج رجل امرأة، وشرطت عليه أن لا يتزوج عليها، وإن تزوّج فهي أو المرأة الثانية طالق، فالعقد صحيح والشرط معتبر"، وعلّلت مذكرة الأسباب ومصالح كثيرة، مثل منع الفحش وتكثير النسل، بل إنّ الحاجة إلى التعدد كانت ولا تزال قائمة بالنظر إلى زيادة عدد النساء على الرجال، والحاجة المتفاوتة للمرأة بين رجل وآخر. كم أنّ العدل بين الزوجات، عدا المحبة القلبية، شرط مطلوب ومتعذر على كل حال، لذلك وجب عدم التشدّد في هذا المباح، ولو كان باشتراط رضا الزوجة الأولى"لأنّ ذلك تعليق على مستحيل، فأيّ امرأة ترضى بأن تكون لها ضرّة؟ الذي يبدو أنّ المشرع راعى مفهوم"الجندرة"أكثر ما راعى روح الشريعة.
وقد أشار الدكتور مصطفى بنان إلى"أنّ التضييق على التعدد إذا لم يرد استجابة لحاجة واقعية في مجتمعنا، قد تنجم عنه مآلات منها اللجوء إلى التعدد غير الموثق قراءة الفاتحة خاصة في بوادينا وهي حديثة عهد بالتوثيق، ومنها توسيع دائرة الحرام على حساب الحلال"، ثم ذكر أنّ السيد محمد بوستة، رئيس اللجنة الملكية لمدوّنة الأسرة، أقرّ بأن واقع التعدّد في المجتمع المغربي لا يتعدّى 0.01 في المئة.
إنّ الملاحظ على المشترع المغاربي، الجزائري والمغربي، تشدّده في عقد الزواج إنشاءً، وتساهله في هذا العقد انفكاكاً، وهذا الملاحظ لا يتوافق مع مقصد الشارع الحكيم في هذا العقد، الذي سماه ميثاقاً غليظاً، ودعا إلى تيسيره وتسهيله للشباب والشابات. وإنّ قلب الصورة بتشديد الشروط سناً أو اشتراطاً، وتسهيل الطلاق او التطليق امر لا يفهم إلاّ في ضوء تلك الضغوط الخارجية والتوصيات في تلك المؤتمرات الدولية. وهو أمر يرقى إلى مستوى الخطورة على كيان الأمة في نواتها الأساسية الأسرة.
3- أمر ثالث يتعلق بالولي في الزواج، الذي نصت المادة 9 من قانون الأسرة الجزائري الجديد على أن الزواج عقد يتم بتبادل رضا الزوجين، يجب أن تتوافر فيه الشروط التالية: أهلية الزواج، والصداق، والولي بالنسبة للقصر، والشاهدان، وانتفاء الموانع الشرعية. ثم جاءت المادة 119 صريحة في إسقاط شرط الولي بالنسبة للراشدة: الولاية حق المرأة الراشدة تمارسه بنفسها أو تفوّضه لأبيها، أو لأحد من اقاربها.
إنّ إسقاط حق الولي في عقد الزواج، كما كان في القانون الصادر سنة 1984 الذي يراد تعديله من شروط الزواج، خروج عن المعلوم من الدين في هذا الأمر؟ وهذا ما يقابل المادة 24 من مدوّنة الأسرة في المغرب. الذي استدلّ القائلون به، بخلاف المشترع الجزائري بآية [فلا تعضلوهن] متكئين على المذهب الحنفي"الذي قال بعض فقهائه: إنّه إذا صحّ تصرف المرأة في الأموال فمن الأولى أن يصح تزويجها لنفسها، واستدلوا بحديث خولة بنت خدام... قالت: إنّ أبي زوجني ابن أخيه يرفع بي خسيسته، فجعل الأمر إليها، قالت: فإني قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء".
إنّ اشتراط الولي عند الجمهور لازم في عقد الزواج، وخالف أبو حنيفة ذلك مشترطاً أن يكون الزواج من كفي، ومن وجوه الكفاية مهل المثل، فإذا تزوجت المرأة ولو بكفي بأقل من مهر المثل فللأولياء حق الاعتراض، على رغم أنّ الولاية على المرأة الرشيدة ترتفع في تصرفاتها المالية. وذهب أبو يوسف والحسن إلى أنّ الأولياء لا يحق لهم الاعتراض على المهر وهو قول مالك والشافعي"لذلك جاء إعطاء حق الاعتراض في قانون حقوق العائلة مراعياً مسألة غفل عنها المشترع الحديث في المغرب والجزائر هو دفع العار الذي يلحق الأسرة بسبب تزوج البنت بغير الكفي، وجاء في الأسباب الموجبة في المادة 47 من هذا القانون:"على أنّ القيام بفسخ عقد موجود من جراء نقص المهر يوجب العار في زماننا، وينزل النكاح في نفسه إلى درك المعاملات المالية، ولهذا السبب قيل في هذه اللائحة أنّ ليس للولي حق اعتراض من جراء النقص عن مهر المثل"، فكيف إذا تزوجت البنت من غير كفي ابتداء؟ لا يُعلم أحد قال بجواز ذلك حتى الذين استند إليهم في هذا التشريع الجديد وهذا خلل آخر يضاف إلى سلسلة المخالفات، التي يراد أن تظهر اجتهاداً فقهياً، ولكنها تستبن غير ذلك بالتأكيد.
إنّ جعل الولاية ولاية مختارة بيد المرأة اتجاه من توليه من أقاربيها لا يحمي المرأة إن وقعت فريسة رجل ظالم مستبدّ، أو يعلي من كرامتها إن هي ذهبت تجري العقد بنفسها. فقد ارتبط سلوكياً ذلك بابتذال أنثوي لا يقرّه السلوك الاجتماعي العام، الذي تعوّد بإصرار أن ينأى ببناته عن ذلك، باشتراط الولي ركناً أساسياً في الزواج تماشياً مع جمهور الفقهاء. ولو شاء المشترع حقاً أن ينفتح على ما لدى الفقهاء الحنفية من رأي لاخذ برأيهم غير مستقطع، أو لسعي إلى تمهيد الأرضية بتغيير النفوس أو العقلية.
وفي اختتام هذه القراءة المقتضبة لمشاريع الإصلاح، كما سمّاها أصحابها، على مستوى الأسرة، نسجل ههنا بعضاً من الأمور الإيجابية تضمّنتها المواد القانونية، على شاكلة التسريع في المعاملات القضائية، فشهر كحد أقصى بدعوى النفقة للأولاد، وستة أشهر لدعاوى الطلاق، كما زاد مشروع القانون الجائري إنشاء صندوق عمومي لدفع النفقة الغذائية بما فيها أجرة السكن التي بقي تحصيلها بالطرق القانونية دون جدوى، كما نصّت المادة 80، مشياً على المعمول به في فرنسا ومصر وتونس، وهي أسماء لها أثرها على ما يبدو في مجمل مواد هذا القانون.
يضاف إلى ذلك أنّ هذه المشاريع القانونية تعتبر تحدّياً حقيقياً للعقول الغيورة على الإسلام والمسلمين، كي تعمل النظر والاجتهاد وتسعى، كما يسعى غيرها، إلى إثبات نفسها ولو بالكلمة والمنطق، بعدما تعذّر عليها الحضور الحيّ في الشارع المغاربي. كما هو الحال مع بعض الأحزاب والجمعيات المحظورة في البلدين.
وتبقى المشكلة قائمة في الأيدي التي تحرك المشاريع وتقترحها، وتروّج لها وتقرّها، ثم تنفذها، على خلفية تثير في النفوس الحيرة والقلق. ولو كانت الأمور تسير في طريق التجديد والتطوير، لما وجدت من يتوجس خيفة من هذه القوانين، مفضلاً المحافظة عليها ولو بالرفض السلبي، لأنّها في وجدانه آخر معقل للإسلام في نظام الحكم، بعدما أصبح المسلمون في بلدانهم غرباء.
* باحث جزائري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.