اختار الرئيس حسني مبارك أن يفاجئ الجميع بقرار دراماتيكي بتعديل مادة في الدستور تحدد طريقة اختيار رئيس الجمهورية. وقدم طالباً أمس الى مجلس الشعب البرلمان لتعديل المادة 67 من الدستور التي تنص على اختيار الرئيس بالاستفتاء على اسم شخص واحد يختاره البرلمان بعد حصوله على تأييد ثلثي اعضائه، واقترح اضافة مادة تحمل الرقم 291 مكررا تنص على اقتراع شعبي مباشر على أكثر من مرشح. لكنه تحدث عن"ضوابط لضمان جدية الترشيح وسلامة الانتخابات". وجاء القرار على رغم أن احزاب المعارضة التي دخلت في حوار مع الحزب الوطني الحاكم تناول اسس الاصلاح السياسي ارتضت تأجيل مطلبها بتعديل الدستور، خصوصاً المادة 67 منه، الى ما بعد الاستحقاق الرئاسي في ايلول سبتمبر المقبل. كما جاء في سياق حملات تتبناها حركات شعبية واهلية لتعديل الدستور، إذ كانت نظمت تظاهرات معارضة لتوريث الحكم أو التمديد لمبارك على أساس نظام الاستفتاء. ولم يوضح الرئيس المصري امكان ان يرشح نفسه للمنافسة في الانتخابات المقبلة، لكن الاعتقاد يسود بأنه سيكون مرشح الحزب الوطني على أساس أن الجولات التي يقوم بها منذ فترة تعد جولات تمهيدية لقرار الترشيح الذي ينتظر أن يكون في آيار مايو المقبل. ورغم الاقتناع بأن القرار جاء استجابة لطلبات داخلية من قوى المعارضة ولإسكات اصوات خارجية ظلت طوال السنوات الاخيرة تتحدث عن"ضرورة قيادة مصر لعملية الاصلاح السياسي في المنطقة"، الا ان مبارك أكد في خطاب ألقاه في محافظة المنوفية امس ان تعديل الدستور جاء"بعد وضع اسس راسخة لبناء ديموقراطي"، ثم حدد الاهداف التي ستسير عليها في قضية الاصلاح في المرحلة المقبلة. وأعلن أنه"نحو مزيد من الحرية والديموقراطية وطبقاً لنص المادة 189 من الدستور واستناداً، فإنه قدم صباح اليوم أمس طلباً الى مجلسي الشعب والشورى لتعديل المادة 76 من الدستور المصري والخاص باسلوب اختيار رئيس الجمهورية ليبدأ المجلس في مناقشتها وطرح التعديل الملائم لها بما يتوافق مع متطلبات هذه المرحلة من تاريخ امتنا تمهيداً لطرحها للاستفتاء العام قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة". واعلن مبارك أنه حدد في الطلب مبادئ اساسية تضمن تحقيق الهدف منه، وذلك بأن يكون انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السري العام المباشر واتاحة الفرصة للأحزاب السياسية لخوض الانتخابات الرئاسية وتوفير الضمانات التي تسمح لاكثر من مرشح بالتقدم لانتخابات الرئاسة ليختار الشعب من بينهم بارادته الحرة. وأضاف"أن هذا التعديل التاريخي في مسيرة حياتنا الدستورية يتيح للمرة الاولى في التاريخ السياسي لمصر الفرصة لكل من لديهم القدرة على العطاء والرغبة في خدمة الوطن وتحمل مسؤولية الحفاظ على مكتسبات الشعب ومنجزاته، ورعاية شعبه ومستقبله بان يتقدم للترشيح في إطار دعم برلماني وشعبي للانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية". مشدداً على ان هذه اللحظة التاريخية الحاسمة"هي ثمرة للاستقرار السياسي الذي نعيشه وهذا التحول الجوهري هو تأكيد للنظام الجمهوري الديموقراطي الذي يستهدف اعلاء سيادة الشعب واحترام ارادته لكون له الكلمة الاولى والاخيرة لاختيار من يقود سيرته". ولفت إلى أنه أخذ بزمام هذه المبادرة"من اجل ان نبدأ عهداً جديداً نمضي فيه قدماً نحو آفاق جديدة على طريق الاصلاح ونخطو من خلاله واثقين نحو مستقبل يحمل مزيداً من الازدهار". وحدد مبارك، في رسالة الى رئيسي مجلسي الشعب والشورى، طبيعة قراره وضوابط ضمان حرية الترشح للاستحقاق الرئاسي. ومن الضوابط، نحسب ما جاء في الرسالة: "أولاً: انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السري العام المباشر من جميع افراد الشعب الذين لهم حق الانتخاب. ثانياً: تحقيق جميع الضمانات التي تكفل تقديم أكثر من مرشح الى الشعب ليفاضل بينهم ويختار منهم بإرادته الحرة. ثالثاً: كفالة الوسائل اللازمة لضمان جدية الترشح للرئاسة ومن ذلك ان يحصل من يرغب في الترشح على تأييد من ممثلي الشعب المنتخبين في المؤسسات الدستورية وفي المجالس الشعبية المحلية. رابعاً: اتاحة الفرصة للأحزاب السياسية في أن ترشح أحد قياداتها وفقاً للضوابط التي ترونها لخوض أول انتخابات رئاسية تجري في ضوء هذا التعديل. خامساً: تشكيل لجنة عليا يكفل لها الاستقلال الكامل والحيدة وتعطي كل الصلاحيات تقوم بالاشراف على العملية الانتخابية من يوم التقدم بالترشح وحتى إعلان نتيجة الانتخاب على ان تضم في تشكيلها عددا من رؤساء الهيئات القضائية وعددا من الشخصيات العامة. سادساً: إجراء الاقتراع لانتخاب رئيس الجمهورية في يوم واحد. سابعاً: وضع الضمانات الكفيلة بتحقيق إشراف قضائي على عملية الاقتراع". وبعدما عرض مبارك المراحل التي ادت الى اعتماد الاستفتاء في اختيار الرئيس، رأى أن هذا النظام"وفر للبلاد أمناً واستقراراً حتى استطعنا أن نحرر كامل ترابها من العدوان الذي وقع عليها وتمكنت من أن ترسي دعائم الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي". وقال إن"الحفاظ على هذه المكاسب لا يتأتى إلا باتجاه نحو تحقيق مزيد من الديموقراطية وأولى مظاهره ان يكون للشعب الكلمة الاولى والأخيرة في اختيار رئيس الجمهورية عن طريق انتخاب مباشر". وجاء في الرسالة أيضاً"لكي تكون هناك جدية في الترشح طلبنا أن يكفل التعديل الوسائل اللازمة لضمان هذه الجدية، وذلك بأن يزكى المرشح لرئاسة الجمهورية من ممثلي الشعب المنتخبين في مؤسساته الدستورية ومجالسه الشعبية المحلية. وأمام حداثة التعديل المقترح لنص المادة 76 ورغبة في انجاح الطريقة التي طالبنا بها لاختيار رئيس الجمهورية ودعمها واعطاء فرصة أكبر لتعدد الترشيحات في الانتخابات الرئاسية الاولى التي تتم بعده حرصنا على أن نضع ضمن هذه المبادئ ضرورة اتاحة الفرصة للاحزاب السياسية في أن ترشح احد قياداتها لخوض انتخابات رئاسة الجمهورية القادمة". وخلص مبارك إلى ان التعديل المطلوب والذي يتم للمرة الاولى في تاريخ الحياة السياسية في مصر منذ بداية نشأتها"هو ثمرة ما تحقق من استقرار وهو حلقة من حلقات التطور الديموقراطي الذي يمر به المجتمع".