ما كاد المداد يجف على الفصل الحرج في توقعات وكالة الطاقة الدولية، وهو الربع الثاني من 2004، حتى أصدرت الوكالة تحذيراً جديداً للدول الأعضاء في منظمة "أوبك" من النتائج السلبية التي تنتظرها بعد 25 سنة إن هي لم تسر بموجب البرنامج الذي اختطته لها الوكالة في ما سمته "الحالة الأساسية" ضمن توقعاتها للنفط والطاقة العالمية في 2030. غني عن القول ان الافتراضات التي استندت إليها هذه الحالة ابتعدت كثيراً من مستجدات السوق، لذلك لن يكون مستغرباً أن تكون نتائجها أقرب إلى التنجيم من أي شيء آخر. وللوقوف على ذلك، تعرض الفقرات الآتية نبذة للافتراضات والنتائج: تفترض حال الأساس أن سعر النفط المستورد في الدول الصناعية ينخفض من 27 دولاراً في 2003 إلى 22 دولاراً العام المقبل ليستقر عند هذا المعدل لبقية العقد الجاري، ثم يرتفع إلى 26 دولاراً في العقد الذي يليه، ويستمر بالزيادة إلى 29 دولار بحلول 2030. جميع الأسعار مقيمة بحسب دولار العام 2000. وتؤدي هذه الافتراضات إلى قيام دول "أوبك" بتلبية معظم الزيادة في إجمالي الاستهلاك العالمي، وذلك بمضاعفة إنتاجها من النفط بما فيه سوائل الغاز الطبيعي، إلى 65 مليون برميل يومياً مقارنة بالإنتاج المقدر لهذا العام، وهو 33 مليون برميل يومياً. ولا تنسجم هذه النتائج مع الشواهد التاريخية لدول "أوبك" في ال30 عاماً الماضية لسببين: إن مستويات إنتاج النفط الخام في الوقت الراهن لا تزيد كثيراً عما كانت عليه مطلع السبعينات، لانشغال دول "أوبك" في تجديد منشآتها النفطية، وتعويض الانخفاض في الحقول، وانتظار الشروع في زيادة الإمدادات إلا بعد التأكد من أن ارتفاع السعر يبقى لفترة طويلة، ولا يشكل ظاهرة آنية. وعلى النقيض من ذلك، فإن الحال الأساسية تتوقع زيادة سنوية لا تتجاوز 220 ألف برميل يومياً في الإمدادات من خارج دول "أوبك" خلال ال25 سنة المقبلة. أن إنتاج دول "أوبك" يلبي 85 في المئة من الزيادة في الاستهلاك العالمي، ولا تمثل الإمدادات من خارج "أوبك"، بما فيها النفط غير التقليدي، سوى 15 في المئة. وسبق لأسواق النفط العالمية أن مرت بحالين مماثلتين. كانت أولاهما مطلع السبعينات، والثانية في نهاية التسعينات. وأسفرت الحالتان عن نتائج متشابهة. إذ أدى ارتفاع الطلب العالمي وزيادة الضغوط على القدرة الإنتاجية لدول منظمة "أوبك" إلى ارتفاع ملموس في الأسعار. توقعات وكالة الطاقة الدولية لأسواق النفط في العام 2030 مقارنة بالعام 2005 مليون برميل يومياً 2030 2005 الحالة الاساسية إرتفاع السعر إجمالي الطلب العالمي 84.0 121.3 102.5 إمدادات من خارج اوبك 51.0 56.5 62.1 الطلب على نفط الأوبك وسائل الغاز 33.0 64.8 40.4 أرقام 2005 تقديرية، وتوقعات 2030 من آفاق الطاقة العالمية الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية في تشرين الأول اكتوبر 2004. الزيادة في 2030 بالمقارنة مع 2005 مليون برميل يومياً الحالة الاساسية إرتفاع السعر إجمالي الطلب العالمي 37.3 18.5 إمدادات من خارج اوبك 5.5 11.1 الطلب على نفط الأوبك 31.8 7.4 في ضوء ما سبق، يعتبر الارتفاع في سعر النفط أمراً لا مناص منه، خصوصاً إذا تم الأخذ بالتغيرات الأساسية في أسواق الغاز الطبيعي. وأصبح سعر الغاز مرشحاً للعب دور سعر القياس في أسواق الطاقة، إذ يتأرجح بين 35 و40 دولاراً لبرميل النفط المعادل، أي نحو ستة إلى سبعة دولارات لمليون وحدة حرارية بريطانية. هذا السعر يمكن أن يستمر لفترة طويلة مقبلة لأنه يعكس القيمة الاقتصادية للغاز الطبيعي في أكثر أسواقه نمواً وهي محطات توليد الطاقة الكهربائية. والمعروف أن هذه المحطات تستفيد من الثورة التكنولوجية لتوليد الكهرباء باستخدام الدورة المركبة، التي تصاحبها امتيازات من الناحيتين الاقتصادية والبيئية، من طريق خفض تكاليف الطاقة الكهربائية إلى النصف تقريباً، وكذلك تدني الملوثات مقارنة بالأساليب التقليدية. ولا شك أن في الارتفاع في قيمة الغاز الطبيعي يرشحه لأن يقود أسعار النفط، بدلا من لعب دور التابع لها، كما تفترض وكالة الطاقة الدولية. وبات واضحاً خلال الأعوام الخمسة الأخيرة أن الغاز الطبيعي هو المحرك الأساس لأسواق الطاقة في أميركا الشمالية وأوروبا، مما يتطلب إعادة النظر في الكثير من الآراء والافتراضات التي كانت تعتبر مسلّماً بها حتى نهاية القرن الماضي. في الختام إن أخذ هذه التغيرات في الاعتبار من شأنه ترجيح توقعات وكالة الطاقة نحو الواقعية، وبذلك يمكنها أن تسلط الضوء على مستجدات أسواق الطاقة في الحاضر والمستقبل. * مدير الإدارة الاقتصادية سابقاً في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول