اعتادت السينما الأميركية في الآونة الأخيرة تناول موضوع الذاكرة في أفلامها سواء بطريقة واقعية أو خيالية بحتة، مثلما هي الحال في "المنسيون" THE FORGOTTEN الذي يتعرض لإصابة مجموعة من الاشخاص بمرض فقدان الذاكرة إلى درجة نسيانهم كل ما يتعلق بماضيهم القريب أو البعيد. ويبني السيناريو حبكته حول إثارة متصاعدة عندما تكتشف بطلة الرواية أنها وغيرها من الأشخاص عبارة عن ضحايا سلطة جبارة تتعمد محو الذاكرة العامة بهدف الإستيلاء التام على حياة الأفراد. هذه البطلة تلعب دورها النجمة الأميركية جوليان مور إحدى أفضل ممثلات هوليوود الحاليات لما تتميز به من قدرات فنية وطاقة إستثنائية تسمح لها بالإنغماس في شخصيات درامية أو مخيفة أو رومانسية بالقوة والصدق نفسيهما ما جعلها تحصل على أهم الجوائز الدولية في السنوات العشر الأخيرة من عمرها الفني. ومن آخر أعمال جوليان مور الفذة فيلم"الساعات"الذي شاركت في بطولته مع نيكول كيدمان وميريل ستريب. ويتذكرها الجمهور جيداً في فيلم"ماغنوليا"إلى جوار توم كروز وخصوصاً في المشهد الذي يصورها وهي تتردد إلى صيدلية من أجل أن تطلب الدواء لشخص مقرب منها مريض وعاجز ويرفض الصيدلي تلبيتها فتنهار أمامه في لقطة صعبة ومؤثرة تثبت طريقة جوليان مور في الخروج الكلي من شخصيتها لتعيش ظروف شخصيتها الخيالية أمام الكاميرا مثلما فعلته أيضاً في الفيلم الذي أطلقها أصلاً وهو"شورت كاتس"لروبرت ألتمان حيث تظهر في لقطة طويلة مجردة من ثيابها وهي تتشاجر مع زوجها قبل أن يستقبلا بكل هدوء مجموعة من الأصدقاء على العشاء. وجوليان مور الأربعينية منذ فترة وجيزة, زوجة وأم وتتباهى دائماً بقدرتها على المزج الذكي بين نشاطاتها الفنية وحياتها العائلية قائلة ان العملية تتلخص في حسن التدبير والتنظيم لا أكثر ولا أقل. لمناسبة قدومها إلى باريس للترويج لفيلم"المنسيون"التقتها"الحياة"وحادثتها. يشاهدك الجمهور في أعمال كبيرة وقوية تدخل تاريخ السينما، ثم يشاهدك من ناحية ثانية في أفلام تجارية عادية مثل"المنسيون"أو"قوانين الجاذبية"النازل منذ أربعة شهور إلى دور العرض, فكيف تختارين أدوارك في الحقيقة؟ - أنا في الحقيقة أختار طبقاً لقاعدة واحدة فقط، هي تلك التي تفرضها علي عائلتي الصغيرة, بمعنى إنني أخطط كي أتفادى البقاء بعيدة من زوجي وولدي أكثر من ثلاثة أو أربعة أسابيع متتالية وذلك مرة واحدة في السنة. فلا بد من أن يدور تصوير الأفلام التي تطرح علي في البلد نفسه الذي أقيم فيه مع العائلة أي لوس أنجليس, ومثلما ذكرته أقبل الإبتعاد والتصوير في منطقة أخرى مثل أوروبا أو أفريقيا أو أي مكان في العالم مرة واحدة في السنة. وطالما إنني أحترم هذا القانون الشخصي أوافق على كل الأفلام التي أتلقى عرض المشاركة فيها، لذا تجدني أمثل في أعمال مختلفة جداً عن بعضها البعض. ألا تدخل نوعية الفيلم في قرارك؟ - لا بد من أن يتميز السيناريو بحد أدنى من الجودة طبعاً وألا يكون الفيلم من النوع الرخيص فأنا أحافظ على صورتي لدى عائلتي ولا أرغب في أن يعاني ابني في المدرسة مثلاً من كون أمه تظهر في أفلام إباحية أو مخالفة لأبسط قواعد الأخلاق. هذا هو المقياس الأول في نظري، أما غير ذلك فأنا أمارس مهنتي وبالتالي أسخّر موهبتي لأي فيلم يعرض علي. كلامك غريب إذ نادراً ما نلتقي ممثلة إلا وتؤكد أنها تختار أدوارها طبقاً لجودة الحبكة والنص وشخصية المخرج أيضاً؟ - كل واحدة بحسب طريقتها، ودعني أسألك: هل يختار الموظف المكتبي مثلاً في كل صباح الملفات التي سيعالجها طوال نهاره لمجرد أن بعضها لا يلائم مزاجه؟ أنا لا أتخيل ذلك. من ناحيتي مثلما قلته للتو، أمارس مهنتي التي هي التمثيل وأكسب من ورائها لقمتي فلا أوجع رأسي بألف اعتبار واعتبار قبل أن أوقع على عقد العمل في كل مرة. هل لهذا السبب بديت عارية في مشهد طويل في"شورت كاتس"؟ - نعم وفي غيره من الأفلام طالما أنها أعمال جادة وليست رخيصة وهذا ما فسرته لك من قبل, وفي شأن"شورت كاتس"فهو من أجمل أفلام فترة التسعينات وحاز على بضع جوائز، ومخرجه روبرت ألتمان من أكبر عباقرة هوليوود والعالم. وهذا الفيلم هو الذي سمح لي بالإنتشار على المستوى العالمي بعدما كنت قبله ممثلة أميركية شبه محلية. بطل"مهمة مستحيلة" مثلتِ في"قوانين الجاذبية"مع النجم بيرس بروزنان الذي يؤدي دور جيمس بوند عادة, فكيف كانت تجربة العمل إلى جواره؟ - هل تعتقد بأنني من النوع الذي يتأثر بالعمل مع جيمس بوند؟ أنا تعديت سن الأربعين يا سيدي ولست مراهقة تحلم بالفارس الشجاع وتفتش عنه فوق الشاشة الكبيرة من خلال شخصيات الأبطال الوهميين مثل بوند وغيره. ولأرد عليك بجدية تامة أنا مثلت معه مثلما أمثل مع غيره وأقصد إن كل واحد منا اتقن عمله أمام الكاميرا وحسب, أما خارج أوقات التصوير فكنا نتحدث في مواضيع عامة وانتهت علاقتنا مع انتهاء التصوير. ودعني أؤكد لك أنه ممثل جيد ومحترف ولا يلعب بحكاية جيمس بوند هذه اطلاقاً إلا مع جمهوره طبعاً. وهل تتذكر إني مثلت إلى جوار توم كروز في"ماغنوليا", فهل تعتقد إنني تخيلت نفسي لحظة واحدة بصحبة بطل"مهمة مستحيلة"؟ أنت تجردين مهنتك الفنية من أدنى رومانسية؟ - لأن مهنتي ليست رومانسية بل صعبة تتطلب ذاكرة وجهداً وتدريباً باستمرار. ? لمناسبة الذاكرة التي هي أيضاً موضوع فيلم"المنسيون", هل تتخيلين أحداث هذا الفيلم ممكنة في مستقبل بعيد مثلاً بفضل التطورات التكنولوجية؟ - أتمنى ألا تكون مثل هذه التجارب التي يتحدث عنها الفيلم ممكنة بأي شكل من الأشكال في يوم ما ولا حتى في مستقبل بعيد جداً، نظراً الى تضييقها على حرية الفرد وفرض الديكتاتورية على البشرية, لكنني لم أفكر في هذا الشيء طوال فترة عملي في الفيلم لأنني اعتبرته مثل غيره عبارة عن حكاية خيالية مصنوعة لتجذب الجمهور العريض ومجردة من أي ناحية تسجيلية. بلا مكياج لا نشاهدك أبداً سفيرة لدار من الدور المتخصصة في التجميل أو العطور مثل الكثير من زميلاتك نجمات السينما علماً أنك امرأة جميلة, فهل ترفضين هذا النوع من العروض؟ - أنا لا أتلقى عروضاً في شأن تمثيل ماركات محددة، وأشكرك على المجاملة في شأن ملامحي, ولست نادمة على هذا الشيء في الحقيقة لأنني إذا فعلت ذلك سأضطر دوماً إلى مراعاة مظهري أينما ذهبت من أجل أن أليق بالماركة الفاخرة التي اختارتني سفيرة لها، وأنا لا أميل إلى الأناقة البالغة في كل ظروف الحياة وتجدني أخرج من بيتي مرتدية أبسط ما عندي وأتردد إلى المحلات العامة مع ابني بلا مكياج وبالبنطلون الجينز. أنا امرأة عادية جداً أمثل مثلما تعمل غيري في مصرف أو مصنع وهذه حقيقتي، فأنا لا أقول هذا الكلام على سبيل التواضع أو أي شيء آخر بل فعلاً لأنني أنظر إلى نفسي وإلى عملي بهذه العين. وأعتقد بأن الماركات تعرف هذا الشيء عني ولذلك لا تعرض علي تمثيلها رسمياً. أنتِ كذلك لا تحضرين عروض الموضة الباريسية التي يأتي إليها نجوم السينما عادة؟ - لا تسألني عن آخر إبتكار شانيل أو سان لوران لأنك إذا فعلت ستضعني في موقف حرج جداً بما إنني لا أفقه أي شيء في الموضة الباريسية أو غيرها. هل يترك لك عملك أي مجال لممارسة هوايات ما، وأقصد بخلاف الإهتمام بعائلتك؟ - أنا أصف عملي بكونه أولى هواياتي بما أنه لا يفارق عقلي مهما فعلت وأينما تواجدت. انني أعيش على النمط الألي الذي يفرضه علينا العصر الحالي فنحن نعيش مثل الآلات المبرمجة أليس كذلك تضحك؟ ورداً على سؤالك أقول أن هواياتي في شكل عام هي الموسيقى والقراءة والرسم وأنا أسعى إلى ممارستها علماً أن إهتمامي الشخصي الأول يبقى هو عائلتي. الدور الذي يولد الشرارة عملتِ مع نيكول كيدمان في فيلم"الساعات"علماً أنها تحولت في السنوات القليلة الأخيرة إلى إحدى أكبر الممثلات العالميات, فهل نشأت بينكما صداقة ما؟ - لقد نالت نيكول كيدمان أخيراً الإعتراف بفنها الذي تستحقه منذ عشر سنوات, فهي ممثلة فوق العادة لكن الأدوار القوية كانت تنقصها وها هو دور الأديبة الراحلة فيرجينيا وولف يأتيها في فيلم"الساعات"ويسمح لها بتفجير طاقتها كلياً. ولا شك في أنها كانت ممتازة في"مولان روج"وثم في"أيز وايد شات"إلا أن الفنان يحتاج إلى العمل الذي يلفت إليه الإنتباه, ذلك الدور الذي يولد الشرارة ويسمح للجمهور وأهل المهنة بملاحظة شخصية فذة والإعتراف بأن كل ما فعلته سابقاً وحتى هذه اللحظة هو أيضاً من صميم العبقرية, وهذا الدور الذي ولد الشرارة بالنسبة الى كيدمان هو دور فيرجينيا وولف في فيلم"الساعات". أنا سعيدة جداً من أجلها وأتابع عملها منذ سنوات طويلة لأنني أجدها مثيرة للإهتمام وكنت أترقب اللحظة التي فيها ستنطلق بسرعة الصاروخ, وها هو الأمر قد حدث. ولأرد على سؤالك أنا لا أتمتع بأي علاقة صداقة معها ولم أعمل في لقطات موحدة بصحبتها في الفيلم ما جعلنا لا نلتقي إلا مرة واحدة إذا كانت ذاكرتي جيدة ولوقت قصير جداً. هل تتمتعين بصداقات في محيط عملك السينمائي؟ - لا فالعدد الأكبر من أصدقائي لا يعملون في الفن. لماذا لا تتفقين إذن مع الفنانين؟ - لأنهم لا يتكلمون إلا عن أنفسهم وهذا شيء لا أحبذه عند الناس في شكل عام. وهل تتكلمين أنت عن شيء غير نفسك؟ - أنا مستعدة لقضاء ساعة كاملة في حديث صحافي حول السياسة والجغرافيا والتاريخ والمجتمع والمعلومات العامة من دون أن أذكر نفسي أو عملي أو السينما مرة واحدة.