استبعد وزراء ونواب موالون ان يكون لدى رئيس الحكومة عمر كرامي نية لتقديم استقالة حكومته في ظل اجواء الاحتقان المسيطرة على الوضع الداخلي وفي غياب حد ادنى من التفاهم بين القوى السياسية على طبيعة مرحلة ما بعد استشهاد رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. وأكد هؤلاء ان جلسة المناقشة العامة التي تعقد الاثنين المقبل في البرلمان ستشهد مواجهة بين الموالاة والمعارضة قد تكون الأقسى في تاريخ الجلسات النيابية، مشيرين الى ان الرئيس كرامي سيتقدم من الهيئة العامة ببيان سياسي يغلب عليه الحديث عن التداعيات التي يمر فيها لبنان والتطورات الدولية والإقليمية المرتبطة بها مبدياً فيه تشدداً في مواجهة الضغوط الخارجية على ان يبادر بعد تلاوته الى طرح الثقة بالحكومة. ولفت الوزراء والنواب الى ان لا مجال لاستقالة الحكومة تحت ضغط المعارضة التي ستحاول استغلالها للذهاب بعيداً في مطالبها انطلاقاً من شعورها بأن ترحيل الحكومة ينم عن حال ضعف تنتاب الموالاة من جهة وعن الإرباك المسيطر على السلطة المتحالفة مع سورية. وأكدوا انهم ليسوا مع مطالبة الرئيس سليم الحص برحيل الحكومة، على خلفية ان يتخوف بحسب قوله امس ل"الحياة"قبل ان يغادر مستشفى الجامعة الأميركية الى منزله في بيروت، من ان تنتقل اجواء الاحتقان التي يشهدها الشارع الى ساحة النجمة وفي شكل يزيد في تأزم الوضع ويقفل الباب امام الوصول الى تسوية على رغم انها صعبة المنال ومن ثم يقطع الطريق في وجه الحوار الذي يدعو له اكثر من طرف سياسي. ورأى الحص ان"هذا التأزم في ظل وجود صعوبة لتحقيق انفراج سياسي على دفعات يمهد للوصول الى بداية مخرج من شأنه ان يخرج البلد من ازمته الراهنة، يشدّنا الى المطالبة بأن تستقيل الحكومة وأن يبادر الى هذه الخطوة رئيس الحكومة شخصياً"، آملاً في ان تتم اليوم قبل الغد وإذا امكن ان تأتي استباقاً لجلسة المناقشة العامة. وسأل الحص:"تصوروا كيف سيكون الوضع السياسي من الآن الى ان يأتي موعد عقد الجلسة"، منتقداً تحرك بعض المعارضة في محاولة استغلالها تشييع الرئيس الشهيد ومسيرات ذكرى اسبوعه. وقال:"ان الرئيس الشهيد كما عرفته في حياته لم يكن هكذا ولم يكن مع بعض الشعارات او الدعوات التي أطلقت؟". وأشار ايضاً الى انه ليس مع الرأي القائل على ما نقل عنه زواره في المستشفى, بأن ذهاب الحكومة سيدفع البلد الى الفوضى والفراغ سائلاً:"هل نعيش اليوم في حال استرخاء... ام ان الفوضى ما زالت تتحكم بالبلد، وبالكاد تقوم الحكومة بتصريف اعمال على نطاق ضيق؟". ومع ان الحص يخشى من التصعيد السياسي في ظل غياب الحوار وعدم وجود نافذة له حتى الساعة يمكن التأسيس عليها من اجل خلق مناخ يريح البلد على رغم المصيبة الكبيرة التي حلت به، فإن قوى في الموالاة تشاركه مخاوفه لكنها تضع اللوم على رموز المعارضة التي تتصرف من دون ضوابط سياسية. وفي هذا السياق تقول هذه القوى ان بعض الوزراء تسرّعوا في احاديثهم عن الأساليب التي اعتمدت لاغتيال الحريري وكانوا وراء تزويد المعارضة بأوراق رابحة اخذت توظفها ضد الحكومة، لكن هذه المعارضة ما زالت ترفض الحوار وكأنها تراهن على إمكان حصول مداخلات دولية وإقليمية، بدلاً من ان تبادر الى التصرف بهدوء خصوصاً ونحن نؤيد الاستعانة بفريق تحقيق دولي يتولى الكشف عن ملابسات اغتيال الحريري. وتضيف:"ان لجوء السلطة الى إحداث صدمة ايجابية لاحتواء الاحتقان في الشارع, كان فكرة جدية نوقشت في نطاق ضيق ومحدود جداً لكن كبار المسؤولين صرفوا النظر عنها لشعورهم بأن لدى المعارضة برنامجاً ليس لإسقاط السلطة فحسب وإنما لإحداث انقلاب يطيح بالمعادلة القائمة بين لبنان وسورية والتي جاءت بعد تضحيات كبيرة مع اعتقادنا بأن العلاقة بين البلدين تحتاج الى مراجعة جدية وشاملة هذه المرة لتنقيتها من الشوائب وتوفير الحماية لاتفاق الطائف كناظم اساس لهذه العلاقة من ناحية وكعقد اجتماعي وسياسي بين اللبنانيين". ورأت ان قوى فاعلة في الموالاة اخذت تتخوف من ان تؤدي استقالة الحكومة الى شعور المعارضة بالانتعاش مما يدفعها الى اتباع سياسة خذ وطالب، أي ان تبادر بعد الاستقالة الى المطالبة بترحيل السلطة ككل، وبمعنى آخر العودة مجدداً الى شن معركة ضد التمديد لرئيس الجمهورية اميل لحود اضافة الى تنظيم صفوفها لاستهداف الدور السوري في لبنان مع ان هذا الدور يجب ان يتكيّف ايجاباً مع التطورات الراهنة خصوصاً بعد اغتيال الحريري. وتابعت هذه القوى ان الاستقالة في ظل رفض المعارضة الحوار واستمرار التعبئة ضد السلطة لن تفي بالغرض المطلوب وهذا ما يفسر مبادرة لحود وكرامي الى تعيين وديع الخازن خلفاً لوزير السياحة المستقيل فريد الخازن على رغم ان الأخير ابلغ استقالته شفوياً ولم يرفعها خطياً الى رئيس الحكومة. واعتبرت ان التعيين الفوري لوديع الخازن كان بمثابة رسالة ارادت السلطة توجيهها الى الداخل قبل الخارج, لإشعار أي وزير يفكر في ان يحذو حذو الوزير المستقيل بأن البديل جاهز وأن ليس في مقدور احد ان يفتعل ازمة في وجه الحكومة ومن خلالها لحود وصولاً الى سورية، عبر استهدافها مباشرة. وكشفت هذه القوى انه اعيد تكراراً طرح مسألة التغيير الوزاري على بساط البحث وإنما ضمن جدران مكاتب الرؤساء الثلاثة وقالت ان الاتجاه كان سلبياً حتى لا تستغل المعارضة الموضوع باتجاه التصعيد. ومن الأسباب الموجبة التي دفعت قوى الموالاة الى صرف النظر عن التغيير الوزاري ان الاستقالة متعذرة في ظل غياب تفاهم بين السلطة والمعارضة على الخطوات اللاحقة من شأنه ان يدفع الأمور الى المجهول. وأكدت ان لا اعتراض من حيث المبدأ على الاستقالة في حال كان الغرض منها انقاذ الوضع على قاعدة العودة الى الحوار والاتفاق على العناوين الأساسية لتصحيح تطبيق الطائف اضافة الى البند الخاص بإعادة انتشار الجيش السوري في لبنان من خلال البدء بخطوات ملموسة وليس الانسحاب الشامل على وجه السرعة. وتابعت أما ان تأتي الاستقالة كسبب اضافي لإحداث فراغ دستوري قد يودي بالبلد الى ازمة تتجاوز الحكومة الى الحكم, ومن ثم الى مشكلة جدية تتعلق بصعوبة انتاج قانون انتخاب جديد يترتب عليه التمديد للمجلس النيابي الحالي، بما يعني ان وضع الدولة بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية في قفص الاتهام فأمر لا يمكن احداً تحمل مسؤوليته. وأكد عدد من النواب ان الرئيس نبيه بري وإن كان نجح في احتواء الموقف الاثنين الماضي عندما علق اعمال اللجان النيابية المشتركة التي كانت تستعد لمتابعة درس قانون الانتخاب وحدد موعداً لجلسة مناقشة عامة استجابة لرغبة المعارضة فإن الأجواء في الجلسة المقبلة قد تتبدّل وأن الأمور من شأنها ان تنقلب رأساً على عقب وإلى مزيد من التأزم. وإذ كشف النواب ان في جعبة الرئيس بري من الأوراق ما يتيح له البقاء في الموقع الذي يمكنه من رعاية حوار بين الموالاة والمعارضة، اعربوا في المقابل عن تخوفهم من الأجواء التي ستعم الجلسة النيابية بسبب مبادرة نواب المعارضة الى طرح الثقة وربما قبل ان يطرحها كرامي فور الانتهاء من تلاوة بيانه في الجلسة، كذلك من احتمال انتقال الأجواء السائدة في الشارع الى داخل ساحة النجمة وبشكل يحدث انقساماً يضع النواب امام خيارين لا ثالث لهما، الاصطفاف الى جانب المعارضة او الوقوف في صف منتظم وراء الحكومة على رغم ما سيكيلون لها من انتقادات تتعلق بالطريقة التي تعاطت بها مع الجريمة. ولم يستبعد النواب الدخول في مواجهة نيابية سيكون للأطراف المشاركة فيها حسابات تتعدى الساحة المحلية الى ما يجرى في المجتمع الدولي من تحركات اخذت تتسارع فور حصول الجريمة، خصوصاً ان بعضهم وإن كان يتعاطف مع التحرك الشعبي الذي تنظمه المعارضة, فإنه سيضطر الى مراجعة حساباته خوفاً من ان يصنّف على خانة المؤيدين للقرار 1559 وبالتالي يتم التصرف معه على انه اقرب الى المعارضة منه الى الموالاة وسورية في آن معاً. حتى ان حال الاستنفار التي بدأت منذ امس بين المعارضة والموالاة من اجل حشد قواهما في الجلسة النيابية، باتت تنذر بمواجهة صعبة يستحيل السيطرة عليها خصوصاً ان وقائع الجلسة منقولة مباشرة على الهواء وسيحاول كل فريق التوجه الى جمهوره بغية تعبئته الى"المعركة الكبرى"في الانتخابات النيابية. إلا ان الموالاة وإن كانت تقر بحجم المواجهة، متمنية ان لا تخرج عن الضوابط المرسومة للجلسة، فهي في المقابل لن تسلّم للمعارضة بكل ما تريد وستحاول التصدي لها سياسياً لمنعها من الوصول الى ما تريده وهو لا يتعلق بلي ذراع السلطة والحكومة والموالاة بل يتعداه الى استهداف سورية"وهذا ما يفسر موقفنا بعدم التراجع امام الضغط لأننا لسنا وسورية ضعفاء حتى نضطر الى التسليم بكل ما تريده"بحسب ما يقول احد نواب الموالاة. وعلى هذا الصعيد، لن يكون امام المعارضة سوى طرح الثقة على رغم ان الموالاة تعتبر ان عدم قدرتها على الإطاحة بالحكومة ستؤدي الى تعويمها وتعزو اوساطها السبب الى ان المسألة تتجاوز حجب الثقة او منحها الى التناغم مع الرفض الشعبي للحكومة التي اصبحت هزيلة وغير قادرة على القيام بواجباتها. وتعتبر مصادر المعارضة بأن استقالة الحكومة كانت مطروحة من باب الرشوة، ومشروطة بالقفز فوق الجريمة وتداعياتها"لكن من جانبنا لن ندخل معهم في"اتفاق"يراد منه عدم العودة الى الوراء، أي طي مضاعفات اغتيال الحريري". وفي ضوء الأجواء المحمومة التي يمكن ان تعم البرلمان الاثنين المقبل، اخذت اوساط نيابية تتحدث عن وجود رغبة لدى بري للقيام بخطوة ما قد تساعد على تنفيس الاحتقان، خصوصاً انها تتعامل بجدية حيال ما يتردد من انه انتقل في الساعات الماضية وتحديداً اول من امس الى دمشق وأجرى محادثات بعيدة من الأضواء شملت كبار المسؤولين السوريين الذين يواكبون الحركة العربية التي نشطت اخيراً في دمشق من خلال زيارات قامت بها شخصيات عربية اساسية في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة التي ما زالت تتفاعل في بيروت. وتمنت هذه الأوساط على الزعامات الأساسية في المعارضة التعامل بانفتاح مع الدور الذي يقوم به بري، لافتة الى"الشريط السياسي"الذي يعكس مواقف المعارضة لم يشجعه حتى الساعة لإطلاق مبادرة مدروسة ولا نظن ان دمشق بعيدة من مضمونها. واكدت ان بري يربط اطلاق مبادرته بحصول تطور في موقف المعارضة باعتماد خطاب هادىء من دون ان يعني طلبه"لفلفة"جريمة اغتيال الحريري. وقالت ان بري لقي تشجيعاً سورياً لكنه يحاذر حرق المبادرة بنار الأجواء الصاخبة التي يعيشها البلد وبالتالي فهو يعلق اهمية على الدور الذي يلعبه البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير الذي يتواصل مع رموز في"لقاء قرنة شهوان"متمنياً عليهم ممارسة اقصى درجات ضبط النفس والتعاطي بعقلانية تسمح بمعاودة الحوار. وأكدت ان بري يحتفظ لنفسه بإطلاق مبادرته في الوقت المناسب على امل ان تنتهي الجلسة بقليل من الأضرار السياسية على البلد.