كنت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري كتبت في تعليق لي هذه الفقرة القصيرة:"وهذا لا ينفي وجود جهاز مارق Rogue نفذ العملية، وان حدث هذا فقد تكون فرصة لانقاذ لبنان وسورية من الأجهزة، فلا يبقى منها الا ما هو مبرر، وما ينفع شعبي البلدين". ومضى أسبوع من دون ان استبعد هذا الرأي، مع معلومات عن ان الأميركيين تنصتوا على اتصالات هاتفية قبل الاغتيال، وهناك تسجيلات، فهم يتنصتون على العالم أجمع. غير انني أزيد الأصوليين المتطرفين كاحتمال ثانٍ، واسرائيل كاحتمال ثالث، أو عميلاً مزدوجاً يجمع بين الاحتمالين الثاني والثالث، من دون ان يدري، أو مدفوعاً بأجر. أكتب عن لبنان معارضاً، فمع وجود صداقات كثيرة لي في سورية، الا انني في لبنان أقرب الى المعارضة، ولا يجمعني بالحكومة الحالية سوى صداقة شخصية مع الوزير محمود حمود. وقد بت من منطلق معارضتي الشخصية أجد أسباباً كثيرة للقلق على مستقبل لبنان، والمعارضة اللبنانية تُستغل من الداخل، ومن الخارج لأهداف متباينة، حتى تكون أحياناً متناقضة. نصف الناس الذين شيعوا الرئيس الحريري وعزوا وبكوا يحبون رفيق الحريري مثلي، ونصفهم يعارض استمرار الوجود السوري في لبنان، مثلي أيضاً. غير ان النصفين ينسيان ان لسورية في لبنان أنصاراً كثيرين، وان لكل فريق شارعاً يستطيع تحريكه، كما قال السيد حسن نصرالله. هناك أنصار لسورية خارج أجهزة الاستخبارات ورجالها في بيروت، وخارج وجود بعض الجيش السوري في البقاع. هذا واقع لا يجوز انكاره والانزلاق نحو مواجهة يخسر فيها لبنان. وربما زدت على ما سبق هامشاً أساسياً هو ضرورة انتظار نتائج التحقيق، مع شرط ان يكون التحقيق جدياً ومستقلاً، ومع تفضيلي شخصياً ان يكون هناك وجود خارجي ولو كان في ذلك اعتداء على السيادة، حتى تلقى نتيجة التحقيق قبولاً عاماً يحسم المسؤولية عن الجريمة. اذا كان من نقطة مطمئنة في البعد اللبناني للمعارضة فهي انها تجمع طوائف ندر ان اجتمعت من قبل, فهناك السنّة والموارنة والدروز، ما يرفع شبح مواجهة طائفية. غير ان البعد الخارجي للمعارضة هو الأخطر، وهو الذي ينذر بأوخم العواقب اذا لم تبتعد المعارضة، والموالاة، عن لعب مخلب قط لجهات خارجية. وأعرض هذه النقطة مع خلفية وبحسب تسلسلها الزمني للايضاح. هناك منشآت نووية ايرانية ستضربها اسرائيل ان لم تضربها الولاياتالمتحدة وكان رأي الرئيس الحريري في آخر جلسة لي معه في قريطم انها لن تضرب، الا ان الذي حدث قبل الضربة العسكرية ان الأميركيين ضربوا على رأسهم في العراق، فنتائج الانتخابات هناك أظهرت لهم خطر الحرية والديموقراطية في الشرق الأوسط على مصالحهم. كان المنتصر الأكبر في الانتخابات المجلس الأعلى للثورة الاسلامية وحزب الدعوة وهما حليفان لايران، حتى لو مارسا كل ما نعرف ويعرفون من"تقيّة"، وبما انهما سيمثلان الثقل الحقيقي في أي حكومة عراقية جديدة، فإن هذه الحكومة ستكون حليفة لإيران، وبالتالي عدوة للولايات المتحدة وعدوة لإسرائيل. عندما تضرب الولاياتالمتحدة، أو اسرائيل، المنشآت الايرانية، فسيضرب حزب الله اسرائيل، لذلك هناك مشروع خارجي لنقل الهيجان الشعبي اللبناني الذي رافق جريمة اغتيال رفيق الحريري الى احتقان يتبعه انفجار تستهدف فيه القوى الخارجية حزب الله، فالهجوم عليه سيكون مقدمة لغارات جوية شاملة على المنشآت النووية الايرانية استباقاً لرد حزب الله على هذه الغارات. كتبت قبل يومين عن حملة وزير خارجية اسرائيل سيلفان شالوم في لندن، وكاتب ليكودي في واشنطن على حزب الله في يوم واحد. ولا أرى الحملة صدفة فعندي ملف كبير لحملات انصار اسرائيل في الولاياتالمتحدة على حزب الله. وما اتهام سورية، والنار لا تزال تتصاعد من سيارات موكب الرئيس الحريري، بالمسؤولية عن الجريمة سوى جزء من السيناريو الأكبر، فسورية حليفة حزب الله، والاتهام وضعها في قفص الاتهام، وشغلها بالدفاع عن نفسها، لتقليص تدخلها في حال انفجار الوضع في لبنان، والدخول في مواجهة مع حزب الله تمهيداً لغارات على ايران الرئيس بوش صعّد الحملة في خطابه الأوروبي الاثنين على سورية وايران، الا انه كرر حرفياً فقرة عن مصر والسعودية وردت في خطابه عن حال الاتحاد في الثالث من هذا الشهر. كان اغتيال رفيق الحريري ضربة على رأس الطائفة السنيّة في لبنان فقد مثل مشروعاً عمره أكثر من عقدين، وبرحيله خلت الساحة من زعيم سني يجمع ابناء طوائف أخرى، فالقيادات السنيّة المجربة والحكيمة شاخت، وقيادات الجيل الجديد غير مجربة. والواقع ان مع غياب رفيق الحريري لم يبق هناك زعيم يستحق لقب الزعامة في لبنان غير السيد حسن نصرالله، غير انني لا أعرف اذا كان يستطيع احتواء الوضع المتفجر الحالي بعد ان اختلطت المعارضة الحقيقية بكل من له قضية ضد سورية، مع بعد دولي تختلط فيه هذه المرة قضايا الانتخابات في العراق، والمنشآت النووية الايرانية، ودور سورية كحليف لإيران وعنصر"غير مساعد"في العراق، ثم حزب الله كحليف آخر مسلح لايران وسورية. في دمشق هناك ادراك لما يدبر، غير ان سورية لن تتخلى عن حزب الله لأنه ولبنان ورقتها الأهم في أي مفاوضات سلام مقبلة مع اسرائيل. أعرف ان هذا هو الوضع الآن، غير انني لا أعرف هل يسير الاحتقان في طريق الانفجار أو التنفيس، فإذا كانت المعلومات والاستنتاجات والتحليل قادتني الى رسم هذه الصورة، فإنني لا أملك كرة بلورية أرى فيها المستقبل. ومرة أخرى، المعلومات وتحليلها تقول لي ان المنشآت النووية الايرانية ستضرب، وان حزب الله مستهدف قبلها، ورجائي ألا يصبح لبنان مرة أخرى مسرحاً لحروب الآخرين، خصوصاً عبر كارثة غياب رفيق الحريري، فالرجل عمل لبناء الاستقلال الثاني، ولعل المعارضة تصون الاستقلال الطفل، فهذا أعظم انتصار لرفيق الحريري وذكراه.