الحدث الجلل ألمَّ بلبنان وبالشعوب العربية، نتيجة الاغتيال الجبان والشرير لرمز من رموز العمل الوطني اللبناني والعربي رئيس وزراء لبنان السابق الشهيد رفيق الحريري، ابن لبنان البار الذي قاد لبنان الجميل المنكوب من الحرب الأهلية الى الوحدة الوطنية وإعادة البناء. الأعمال الجليلة التي قدمها الراحل لبلده ولإعادة إعماره من خلال عمله الدؤوب، وعلاقاته الجيدة مع كثيرين من صناع القرار على المستويات اللبنانية والعربية والدولية، اثار الاعجاب وأحياناً الحسد. "سيد لبنان"، كما سمته الصحافة، وضع بلده مجدداً على الساحة الدولية والاقليمية من خلال ترسيخ الوحدة الوطنية التي نجحت الى حدود بعيدة في تجاوز الطائفية السياسية. تشييع الجثمان الشعبي المهيب الذي كرم لبنان به ابنه البار، الراحل غدراً، كان استفتاء، وفي الوقت نفسه علامة فارقة في ما وصل اليه هذا البلد من وحدة وطنية تثير الاعجاب. لقد كان هذا من صميم حلم الراحل "الحريري" والذي يأمل كثيرون من محبي لبنان، بلداً وشعباً وحرية ومركز اشعاع للثقافة العربية، ألا يكون رحيله بهذه الطريقة انتكاسة لهذا الحلم. الأطراف اللبنانية المتصارعة على الساحة اللبنانية، والتي تعتمد الحوار والسجال السياسي، يجب أن تعي دقة المرحلة، والظرف الحرج الذي يمر به لبنان والمنطقة بأكملها. وعليهم الاحتكام الى صندوق الانتخاب ليقول الشعب اللبناني الواعي كلمته. اتفاق الطائف الذي صاغ قواسم مشتركة بين مختلف الفرقاء اللبنانيين للخروج من دوامة الحرب الأهلية، والذي للراحل الحريري أيادٍ بيضاء في اخراجه الى حيز الوجود، شكل الانطلاقة الجديدة نحو الوحدة الوطنية وإعادة البناء في لبنان. بعد ذلك أصبح هذا البلد مجدداً نقطة استقطاب اقتصادي وثقافي لمحيطه العربي والاقليمي، والدليل هو الاستثمارات الهائلة التي بدأت بالعودة اليه. ومرة أخرى كانت للراحل أيادٍ بيضاء في هذا التطور الكبير. هذا الواقع يجعل لبنان محل حسد لدى كثير من القوى الطامعة التي تعمل على خلخلة هذا التطور والانتقاص منه لأن لبنان القوي الآمن الموحد والمحرر نقطة قوة وإشعاع لمحيطه العربي أولاً. وضمانات استمرار هذه النهضة عمادها الانسان اللبناني الواعي الذي يضع مصالح بلده فوق الحسابات الطائفية والاقليمية، متمسكاً بالوحدة الوطنية مع حق الاختلاف بين قواه على هذه القاعدة مهما كان عمق الصدمة. لهذا السبب يرجو محبو هذا البلد ان يكون هذا العمل الجبان الذي أودى بحياة رئيس الوزراء السابق، ومجموعة من مرافقيه ومواطنين آخرين، دافعاً اضافياً في تطوير صيغة الوحدة الوطنية، وخصوصاً بعد الهزة الاقليمية التي بدأت باحتلال العراق وتزايد عنف الهجمة الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني السائر بخطى ثابتة نحو الاستقلال الناجز لا محالة. هذا الاستقلال الفلسطيني الموعود ولد من رحم لبنان، وبجهد ابنائه أيضاً في وقوفهم الى جانب كفاح الشعب الفلسطيني بدمائهم وممتلكاتهم وبعد المخاض الصعب الذي قاد الى ذلك. دقة المرحلة تستدعي من سورية، بدورها في لبنان, تقديراً سليماً وجدياً وأميناً في التعامل مع هذا الملف لما فيه مصلحة لبنان وشعبه، ولمصلحة العلاقات المميزة بين البلدين الشقيقين. فلا يخفى على المراقب ان سورية تتعرض لضغوط شديدة، لها علاقة بمواقفها السياسية من الصراع العربي ? الاسرائيلي والاحتلال الأميركي للعراق أكثر مما هو حرص على مصلحة لبنان وسيادته الناجزة، في تقديري، لأن خبرات المنطقة مع التدخل الدولي لا تبشر بالخير، وخصوصاً بالنظر الى الملفين الاسرائيلي والأميركي في فلسطين وفي العراق. تلاقي بعض القوى اللبنانية مع المطالب الدولية، من خلال القرار 1559، وبالذات الولاياتالمتحدة واسرائيل بدورهما الدموي في المنطقة، وفرنسا بدورها التاريخي والسياسي والثقافي في لبنان، وبدرجة أقل في سورية، والذي لا يصنف في هذه الخانة لسبب وقوف فرنسا ضد الغزو الاميركي للعراق وموقفها الايجابي من حقوق الشعب الفلسطيني ? يجب ألا يكون مانعاً لوقفة جدية لتقييم الواقع المستجد. هذه التشابكات في الموقف من الدور السوري في لبنان تعقّد المعادلة، وتجعلها صعبة الحل. وهنا يجب على سورية ولبنان التعاطي الحذر مع ذلك، على قاعدة الحرص على مصلحة لبنان وقواه الحية، ومصلحة سورية من خلال دورها الذي ساهم في الحفاظ على صيغة التوافق اللبناني الداخلي تبعاً لنصوص اتفاق الطائف الذي وقعه الفرقاء اللبنانيون، في حينه، ووافقوا عليه، أي على دور سورية في لبنان الذي دفعت ثمناً باهظاً مقابله. الضغط الدولي، والمعطيات الجديدة في المنطقة، إضافة الى مواقف القوى اللبنانية من هذا الدور، ستقود قسراً الى ايجاد صيغة جديدة للدور السوري سواء كان ذلك من خلال اعادة انتشار القوات السورية في لبنان، أو في وضع برنامج منظم لعودتها الى خط الحدود الدولي ومراعاة مصلحة الطرفين في الأمن، وفي أ لا يكونا عرضة للتدخلات والابتزاز والضغط. دوسيلدورف - جمال قارصلي عضو برلمان ولاية شمال الراين ويستفاليا [email protected]