لم يمت الشيخ رفيق الحريري، ولكنه انتقل من عالم الفناء الى عالم البقاء لينال أسنى الأجر، وأجزل الثواب في علياء السماء. انه حي في قلوب مواطنيه وخواطرهم، وسيبقى حيّاً الى الأبد في قلوب أبنائهم وأحفادهم، ومواكب الأجيال الآتية من بعدهم. انه حي بما شيّده لبلده - هو العصامي الذي بدأ حياته بشبه العدم المادي - من صروح خيرية منيفة، وأنشطة انمائية وسياسية رائدة. لقد أثرى الحياة اللبنانية في غير مجال وغير حقل. وان ذكراه الطيبة، ستظل دائماً تعطّر المجالس، بعبير فضله، وشذا نبله، وأريج مروءته، ليس كرئيس لحكومة لبنان فقط بل كمؤسس أو داعم لمؤسسات اجتماعية ? تربوية مستقبلية التطلعات في لبنان، وتحت كل سماء. كان رجلاً شرقياً طيباً من الطراز الأول، بكل ما في الطيبة من معنى سام ومفهوم راق. وكان كريماً الى أبعد حدود الكرم ولم يكن ينتظر ان يهرع البائسون اليه، بل كان في كثير من الحالات يهرع هو اليهم، ليكفكف دموعهم، ويطيّب خواطرهم، ويملأ أيديهم بنفحاته السخية. وكثيراً ما كان يفتعل الأسباب ليجود، ويبذل، ويقيل عثرات الكرام. وكانت كلماته الهادئة الهادية تتألق في قبة السماء. وكانت عباراته المشعّة بأضواء العطف تنير ظلمات النفوس، وترشد الناس الى محجة البر والايثار. ولقد بلغت وطنيته، بل انسانيته المثالية والفاعلة، أقاصي الأرض شرقاً وغرباً، بأجلى مظاهرها وأرفع معانيها وأكرم معطياتها. لبنان - الدكتور جهاد نعمان أستاذ في الجامعة اللبنانية ومؤسس "الجمعية اللبنانية - الأوروبية"