ينتظر الشباب في بريطانيا بلوغ السادسة عشرة للحصول على حقوق يراها بعضهم ميزات، وبعضهم الآخر أعباء... ومن بينها حق ترك الدراسة الدائمة وحق العمل. ويصبح الحصول على وظيفة أول مظاهر الاستقلالية للشاب. ولكن ترافق هذه الاستقلالية بداية دفع الضرائب للدولة. فتصبح أول علاقة للفرد والحكومة في بلوغ سن الرشد هي في الحصول على "رقم ضمان اجتماعي" يخصص لكل من يعمل في المملكة المتحدة. وأولى نقاط التماس بين الحكومة والشباب تأتي عبر بطاقة الضمان التي تصدر تلقائياً للشبان الذين يقيمون في المملكة المتحدة في شكل دائم قبل عيدهم السادس عشر ببضعة أشهر. ومع تقدم التكنولوجيا، أصبح من الممكن مراقبة معظم المواطنين البريطانيين وتحركاتهم، خصوصاً المصرفية عبر حساباتهم في البنوك وانفاقهم عبر البطاقات الالكترونية. وتراقب الحكومة البريطانية دخل الفرد البريطاني بدقة من أجل احتساب ما عليه من ضرائب. الا ان معظم الشباب لا يدفعون ضريبة لأنهم لا يعملون، وحتى الذين يعملون في العطل المدرسية لا يخضعون لقانون الضريبة لأنهم عادة لا يحصلون على أكثر من 4745 جنيهاً استرلينياً، وهو الحد الأدنى للدخل الخاضع للضريبة. لكنّ ذلك لا يمنع من أن يحصل كل شاب على رقم الضمان الاجتماعي الخاص به والذي يبقى معه طوال حياته لكي ترصد دائرة الضرائب موارد الفرد البريطاني من أول يوم عمل له وحتى تقاعده. وعادة ما تقوم "وزارة العمل والتقاعد" البريطانية بارسال بطاقة تحمل اسم الشاب ورقم الضمان الاجتماعي تلقائياً ومن دون تدخل منه أو تقديم طلب خاص. الا انه وفي بعض الأحيان، وخصوصاً أنّ لم يسكن الشاب فترة طويلة في المملكة المتحدة، لا تصله الرسالة المهمة التي تحمل البطاقة من خلال البريد. وعندما يذهب ليحصل على عمل، يطلب منه هذا الرقم لكي يسجل في سجلات الضرائب. فيتوجب عليه حينها البدء من جديد ومراجعة دائرة "العمل والضمان الاجتماعي". وفي حال عدم الحصول على بطاقة التأمين، يخصص للشاب موعد مع دائرة "العمل والتأمين الاجتماعي" لاجراء مقابلة مع مسؤول لتحديد هويته وعمره. وبسبب البيروقراطية التي تسود الدوائر الحكومية البريطانية، كغيرها من الدوائر الحكومية حول العالم، ينتظر الشاب أسابيع بعد تقديم طلب المقابلة قبل الحصول على الموعد المهم. وفي اليوم المحدد يبدأ الشعور بالرهبة والخوف، فالمقابلة التي تستغرق نحو ساعة تشمل اسئلة عن فترة الاقامة في المملكة المتحدة والعناوين المنزلية والتفاصيل الدراسية وغيرها. ومن بعد المقابلة، لا يحصل الشاب على رقم الضمان تلقائياً، وانما ينتظر المزيد من الوقت حتى ترسل اليه بطاقة تحمل اسمه والرقم السحري الذي يرافقه مدى حياته ويخطئ الكثيرون من الشباب البريطاني حين يفرحون بالحصول على بطاقة "الضمان الاجتماعي" اذ يعتقدون انها تستخدم كهوية تثبت عمرهم. لكن الحكومة البريطانية لا تعتبر البطاقة بطاقة ثبوتية، لأنها لا تتضمن صورة حاملها ولا تاريخ ميلاده. ولأن الشباب البريطانيين يحصلون على بعض الامتيازات مثل اسعار مخفضة في استخدام المواصلات العامة، قررت الحكومة ادراج بعض بطاقات الهوية المحددة لتثبت عمرهم. فعلى سبيل المثال، كل مراهق بريطاني بين الرابعة عشرة والخامسة عشرة يحصل على تخفيض في سعر بطاقة الحافلات، ومن هم بين السادسة عشرة والسابعة عشرة لهم تخفيض خاص أيضاً. وبهذه الطريقة يوفر الشباب بعض المال في صغرهم، لكنه يبقى عليهم اثبات هويتهم للحصول على هذه الميزات البسيطة. ومن اللافت ان أول نظام لتعريف الشاب كفرد منفصل عن والديه في بريطانيا يتعلق بالمال. فبطاقة الضمان الاجتماعي خطوة أولى، يتبعها انفصال الشاب عن والديه عند دخوله الجامعة وتحمل تكاليف المعيشة اثناء الدراسة من خلال الحصول على قرض من الحكومة. وفي بداية كل عام دراسي للطالب الجامعي، يترتب عليه ملء استمارات لاثبات مورد دخله ومورد والديه. وان اختار الطالب الاعتماد على ذويه، يترتب عليهما دفع رسوم الجامعة. الا ان في امكانه اعلان استقلاله عن والديه وعدم امتلاكه مبلغ الرسوم فيعفى من دفعها. ولهذا يفضل الكثير من الشباب الاعتماد على انفسهم والاعلان للحكومة أنهم غير معتمدين على أهاليهم. ومن اللافت انه عند ملء الاستمارات الخاصة بالجامعة، يأتي حقل رقم الضمان الاجتماعي في المرتبة الثانية مباشرة بعد الاسم. فتصبح هوية المواطن البريطاني عبارة عن 13 رقماً متتالية لرصد دخله والديون التي تترتب عليه للحكومة، لتضاف الى جملة الضرائب التي يبدأ بدفعها فور تخرجه وتوظيفه!