مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    ارتفاع الصادرات السعودية غير البترولية 22.8 %    برعاية ولي العهد.. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    انتفاضة جديدة في النصر    استعراض مسببات حوادث المدينة المنورة    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    «الأرصاد» ل«عكاظ»: أمطار غزيرة إلى متوسطة على مناطق عدة    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    نهاية الطفرة الصينية !    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    الأمين العام لاتحاد اللجان الأولمبية يشيد بجهود لجنة الإعلام    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزير الخزانة عاجز عن زيادة الضرائب وعاجز عن خفض مستوى الخدمات الموازنة في المملكة المتحدة : سياسة اكثر منها اقتصاداً
نشر في الحياة يوم 26 - 03 - 2004

أُعلنت الموازنة في المملكة المتحدة الاسبوع الماضي. ووضعت الحكومة البريطانية السياسة اولاً والاقتصاد ثانياً في محاولتها الفوز مجدداً في الانتخابات السنة المقبلة. لكن على رغم المخاوف بان الموازنة ستجعل المملكة المتحدة مكاناً اقل جاذبية لاشخاص من الخارج، لا تزال المملكة المتحدة منطقة منخفضة الضرائب، وفي بعض الاحيان لا تفرض ضرائب.
ينتاب القلق المحامين والمحاسبين الذين لديهم زبائن من خارج المملكة المتحدة، فهم يدركون انه سيتعين على وزير الخزانة غوردن براون الرجل المسؤول عن الشؤون المالية للمملكة المتحدة، ان يجد طريقة ما لتغطية كلفة الانفاق كما وعد هو وحكومته الشعب البريطاني.
ويدركون ايضاً انه وعد كذلك بعدم زيادة ضرائب الدخل. وهم يعرفون ان الحكومة آُتهمت في الاعوام الستة الماضية بفرض ضرائب جديدة وقديمة، وصفتها وسائل الاعلام بانها"ضرائب خفية"، ما يعني ان السكان كانوا يدفعون نسبة اكبر من دخولهم الى الحكومة دون ان يدركوا ذلك. كان على وزير الخزانة ايجاد اموال اضافية، لكنه اغلق بالفعل الكثير من السبل التي كان يمكن استخدامها لزيادة الضريبة التي تحتاج الحكومة الى جبايتها.
الخشية من تغيير الانظمة الضريبية
كان يعتقد على نطاق واسع ان براون سيحاول ان يجمع مزيداً من المال من الجاليات الكبيرة والناجحة من الخارج التي استثمرت في البلاد واختارت ان تجعلها اماكن موقتة او دائمة لاقامتها. وخلال ال15 عاماً الماضية مورست ضغوط على الحكومة كي تغير اجراءات الاقامة، التي تسمح لاشخاص من خارج البلاد ان يعيشوا في المملكة المتحدة معفيين من الضرائب. وفي الشهور التي سبقت اعلان الموازنة الاسبوع الماضي، لمّحت وسائل الاعلام الى انه اذا غيرت الحكومة تلك الاجراءات ستكون هناك زيادة في العائدات السنوية للضرائب اكثر من بليون جنيه استرليني. لكنّ هذا الحساب لا يأخذ في الاعتبار حقيقة ان رأس المال الدولي يمكن ان يُنقل في ثوان وان تغييراً في اجراءات الاقامة لن يدفع الاموال الاجنبية الى خارج البلاد فحسب، بل انه سيجعل المملكة المتحدة ايضاً مكاناً اقل جاذبية بكثير لاصحاب الاموال.
وتواجه الحكومة مشكلة، فهي تريد ان يأتي الناس الى البلاد مع اموالهم. ولاجتذابهم يتعين عليها ان توفر بيئة منخفضة الضرائب. كما تعاني الحكومة ضغوطاً من وسائل الاعلام كي تقدم ما يصفه وزير الخزانة بنظام ضريبي"منصف". وتشعر وسائل الاعلام ان السماح لاشخاص من الخارج بالعيش معفيين من الضرائب، بينما يتعين على السكان المحليين ان يدفعوا ضرائب، امر لا يبدو منصفاً اطلاقاً. لكنّ الواقع هو ان كل شخص من الخارج يجلب المال والنشاط الاقتصادي الى البلاد يساهم في دعم الاقتصاد ويساعد على خفض الضريبة التي يدفعها بقية السكان.
لندن كمدينة دولية
تتنافس لندن مع مراكز مالية اخرى على رأس المال وعلى الخبرة العالمية. ولا تريد المملكة المتحدة، بما لديها من روابط تاريخية مع اجزاء كثيرة من العالم، ان تفقد موقعها كمركز مالي وسياسي مهم، وتطمح ان تكون مدينة دولية. وهذه الاعتبارات السياسية مهمة. وفيما تبدو غالبية الناس منشغلة في الحد الادنى بشأن افتتان الحكومة ام انه بالاحرى افتتان توني بلير؟ بجورج بوش والسياسة الاميركية في الشرق الاوسط، لا يزال هناك الاحساس بان المملكة المتحدة يمكن ان تلعب دوراً يساعد على ضبط النفس في العلاقات الدولية. وتريد لندن ان تكون ملتقى لاشخاص من ارجاء العالم. كما تريد ان تكون لديها جاليات متنوعة ذات علاقات في بلدان اخرى، وكلما كان هناك المزيد من التنوع والصلات مع بقية العالم، كلما اصبحت المملكة المتحدة ذات شأن اكبر في سياق العلاقات الدولية. أما اذا كان هذا ما يعتقده بقية العالم، فتلك مسألة اخرى. لكن فيما يتعلق بالمملكة المتحدة فان الصلات الدولية في كل المجالات شيء جيد للاقتصاد وتساعد على تعزيز النفوذ.
كانت المدارس والجامعات في المملكة المتحدة، في السابق، تجتذب الطلبة من ارجاء العالم. وعاد هؤلاء الى بلدانهم، وفي ضوء ما حققوه من نجاح يرغبون في ابقاء صلاتهم مع المملكة المتحدة واصدقائهم فيها. وفي حال تغير نظام الضرائب، سيتضاءل عدد الطلبة من الخارج في المدارس والجامعات البريطانية، وسيؤدي هذا الى تقليل نفوذ البلاد في المستقبل. ويعاني النظام التعليمي ضغوطاً ويحتاج الى مزيد من الدخل والاستثمار. ويوفر الطلبة من الخارج الكثير من الدخل الضروري للجامعات. لذا فان جعلهم ينأون عن المملكة المتحدة بسبب التغييرات في نظام الضرائب لن يكون موقفاً شديد الذكاء.
ضرائب منخفضة
يكمن احد الاسباب التي تجعل المملكة المتحدة جذابة بالنسبة الى اشخاص من الخارج في نظام الضرائب. وبخلاف كل الانظمة الضريبية المتطورة الاخرى تقريباً، تستخدم المملكة المتحدة فكرة محل الاقامة الدائم لتحديد المسؤولية القانونية عن دفع الضريبة. وفي بلدان كثيرة، اذا كنت مقيماً حتى اذا كنت هناك بشكل مؤقت ستفرض الضريبة على ما لديك من دخل وايرادات رأس المال في ارجاء العالم. ولا ينطبق هذا في المملكة المتحدة. فاذا لم يكن محل اقامتك الدائم في المملكة المتحدة ما يعني انه على رغم انك ربما تعيش في المملكة المتحدة وحتى تملك الحق في اقامة دائمة بموجب قوانين الهجرة البريطانية، فانك تنوي ان تعود الى بلدك الاصلي في وقت ما في المستقبل لن تدفع سوى ضريبة الدخل وضريبة ايرادات رأس المال على ما تجنيه من دخل وايرادات رأس المال في المملكة المتحدة او ما تبعث به الى المملكة المتحدة. وباتباع تخطيط حذر يمكن ان تضمن ارسال رأس المال وحده الى المملكة المتحدة ولن يتعين عليك ان تدفع ضريبة. كما يعني ذلك انه اذا كانت اموالك واصولك موجودة في بلد ذي ضريبة منخفضة او لا توجد فيه ضرائب خارج المملكة المتحدة فان بامكانك ان تعيش في المملكة المتحدة او تقوم بزيارتها من دون دفع ضرائب.
ضريبة الميراث لغير المقيمين
تفرض حكومة المملكة المتحدة ايضاً ضريبة عند وفاة شخص ما. فاذا توفي شخص وترك اصولاً تزيد قيمتها على 263 الف جنيه استرليني ومع اسعار البيوت الان في المملكة المتحدة، توجد لدى كثيرين اصول تفوق قيمتها هذا الرقم بكثير يتعين دفع ضريبة ميراث بمعدل 40 في المئة على الرصيد. وهناك استثناءات كما هو الحال عندما تُترك الاصول لزوجة او زوج، لكن هذه ضريبة ضخمة يفضل الناس تجنبها. ويمكن للاشخاص غير المقيمين ان يرتبوا تجنب دفع هذه الضريبة بضمان عدم امتلاك اصول باسمائهم في المملكة المتحدة. ولهذا السبب يستخدم البعض شركات"اوفشور"وصناديق"اوفشور"للاحتفاظ بالمساكن وغيرها من الاصول الموجودة في الواقع في المملكة المتحدة. ولابد بالطبع من مراعاة الحذر لضمان اتباع القواعد فيما يتعلق بكل هذه الضرائب.
ومن الانباء الطيبة للاشخاص من الخارج، في اعقاب الموازنة الاسبوع الماضي، ان المملكة المتحدة لا تزال منطقة ضرائب منخفضة، او من دون ضرائب لمن ينوي العودة الى بلاده في وقت ما في المستقبل. لكن الحكومة اعلنت كما فعلت في السابق انها تعد ورقة للتشاور بشأن تغييرات ممكنة في قواعد السكن والاقامة الدائمة. ومع ان عدم ادخال تغييرات في الموازنة نبأ طيب للاشخاص من الخارج، فمن الصعب تصور بقاء الترتيبات القائمة الى الابد. وفي مرحلة ما، ستتعاظم الضغوط السياسية لاجراء تغيير الى حد لا يمكن للحكومة ان تتحمله، حتى اذا كان اقتصاد المملكة المتحدة سيعاني جراء ذلك.
ورطة السياسي
يدرك العالم ان الحكومة في واشنطن تعاني من الشلل في الشهور التي تسبق الانتخابات في الولايات المتحدة. ويركز السياسيون هناك انتباههم على الانتخابات التي ستجري في تشرين الثاني نوفمبر المقبل. وينطبق الامر بدرجة اقل على المملكة المتحدة، حيث ستجري انتخابات خلال سنة 2005 على الارجح. وكل ما تفعله الحكومة البريطانية في الوقت الحاضر سيدرس في ضوء الانتخابات السنة المقبلة. ويريد وزير الخزانة ان يضمن وضعاً اقتصادياً جيداً وان يشعر السكان بالثراء والسعادة في ظل حكومة العمال.
ويكتسب هذا الامر اهمية خاصة بالنسبة الى وزير الخزانة، فيما يتنبأ كثيرون بانه سيكون الزعيم المقبل لحزب العمال وانه سيخلف بالفعل توني بلير في منصب رئيس الوزراء قبل الانتخابات المقبلة. لكن براون يحتاج الى دعم حزبه السياسي كي يضمن انه سيكون الزعيم المقبل. لذا استخدم خطاب الموازنة فرصة للتحدث الى حزب العمال كله والتذكير بانه كان أنجح وزير خزانة على مدى اكثر من ثمانين عاماً. وذكّر براون البلاد وحزبه بان"بريطانيا تنعم باطول فترة من النمو الاقتصادي المتواصل منذ 200 سنة".
كما اثار براون اعجاب زملائه السياسيين بهذه الموازنة ذات الطابع السياسي القوي. واعلن حزب المحافظين، وهو حزب المعارضة اليميني في البرلمان البريطاني، اخيراً خططه لموازنة للبلاد. واوضح المحافظون اين سينفقون المال واين سيجمدون الانفاق. واستطاع براون ان يستخدم هذه المعلومات بشكل سياسي رائع ويبيّن الفرق بين الحزبين السياسيين. كما يعلم براون ان بلير يعاني مشكلة مصداقية. فربما كان بلير يحظى بالثقة عندما اصبح رئيساً للوزراء في 1997، الاّ ان طريقته التي أقحمت البلاد في حرب العراق والطريقة التي روجت بها حكومته لغزو العراق في وسائل الاعلام البريطانية خلقت مشكلة لبلير وحكومته. وقد يكتشف بلير انه اصبح عبئاً على حزب العمال، وربما يتنحى عن منصبه مفسحاً المجال لبراون. وميزة هذا التكتيك هي ان براون، الذي كان هادئاً جداً في الفترة التي سبقت الحرب في العراق، سيكون قادراً على المجادلة امام الشعب البريطاني بأنه لم يقحم البلاد في الحرب. وربما يكون ذلك كافياً لضمان فوز حزب العمال. لكن حال الاقتصاد سيكون على الارجح القضية السياسية الاساسية لمعظم الناخبين مهما كان مدى بغضهم لحقيقة تورط البلاد في غزو العراق. لكن لا يوجد اي تأكيد قاطع بان بلير سيتنحى عن منصبه قبل الانتخابات، وقد اعلن بنفسه انه يرغب في ان يقود حزب العمال الى ولاية ثالثة. ويبقى ان ننتظر لنرى اذا كان حزب العمال مستعداً للمجازفة بخوض انتخابات مع وجود بلير زعيماً له ينوء بالعبء السياسي الذي تمثله الحرب في العراق ام لا.
والمسألة الأهم التي ينبغي للسياسي ان يحميها مع اقتراب انتخابات هي مصداقيته. ويبدو ان السياسيين مستعدون لنقض الوعود عندما تكون الانتخابات بعيدة ولن تجري قبل بضع سنوات. لكن عندما تلوح الانتخابات في الافق، تكتسب الوعود اهمية اضافية. وكان على براون ان يفكر بوعود قُطعت في السابق عندما القى خطاب الموازنة الاسبوع الماضي.
واذا كان وزير الخزانة عاجزاً عن زيادة الضرائب بسبب وعود قُطعت في الماضي، وعاجزاً عن خفض الخدمات التي تقدمها الحكومة للشعب بسبب وعود اخرى، فلا بد ان تكون الخيارات في الموازنة محدودة. فكل ما يمكن ان يفعله هو ان يفرض تطبيق قوانين الضريبة على نحو افضل كي يسدد المزيد من الاشخاص الضرائب، وان يحد من الاهدار، ويقترض المزيد ويبتكر ضرائب جديدة لا تخضع لوعود قديمة صيغت بحذر. كما يمكن ان يتحدث بطريقة ايجابية ليحاول ان يقنع العالم بان اقتصاد المملكة المتحدة متين وان النشاط الاقتصادي بالرغم من المؤشرات الدولية سيكفي لتوفير ايرادات الضرائب التي يحتاج اليها.
نقل والغاء وظائف
فعل براون هذا كله في خطاب الموازنة الاسبوع الماضي. فوعد بنقل 20 الف وظيفة حكومية من لندن الى مراكز ادنى كلفة. كما اعلن انه سيتم الغاء 40 الف وظيفة حكومية في السنوات الاربع المقبلة كي يمكن استخدام ما يوفره ذلك من اموال لتقديم خدمات الى السكان. وهو يأمل ان يوفر 20 بليون جنيه استرليني من هذه التغييرات، وسينفق هذا المبلغ على التعليم والصحة والنقل والدفاع ومكافحة الارهاب. ووصفت النقابات، التي تمثل العمال المهددين بفقدان وظائفهم في هذه التغييرات، هذا الخفض في الوظائف بانه"يوم السكاكين الطويلة بالنسبة الى الموظفين الحكوميين في ارجاء المملكة المتحدة".
تجنب دفع الضريبة
يتلقى كثيرون المشورة من محاسبين ومحامين كي يدفعوا اقل ما يمكن من الضرائب. وليس هناك اي شيء غير شرعي بهذا الشأن. فنظام الضريبة كله يستند على الافتراض بانك لست مطالباً بان تدفع اقصى ما يمكن من الضرائب، بل ان تدفع ما بذمتك بالاستناد على ترتيباتك المالية ووضعك الشخصي. ويحاول كثيرون ان ينظموا شؤونهم المالية واوضاعهم الشخصية كي لا يضطروا الى دفع مقادير ضخمة من الضرائب. لكن هذه الوجهة ادت الى نشوء صناعة للتهرب من الضريبة، حيث يبتدع محاسبون ومحامون خططاً لمساعدة زبائنهم على دفع ضرائب اقل. ويقوم هؤلاء بتسويق هذه الخطط لزبائنهم ويطلبون أجراً مقابل خفض فاتورة ضرائبهم.
قال براون دائماً انه لن يقترض ابداً لتمويل الانفاق اليومي، لكنه سيقترض لتمويل الانفاق الرأس مالي. وفي سياق مساعي الحكومة لتحسين الخدمات، لم تكتف باللجوء الى الاقتراض بالسبل المعتادة بل رهنت عملياً المستقبل بتوقيع عقود ضخمة مع شركات مستعدة لبناء وادارة مشاريع للبنى التحتية. وترفع"مبادرة التمويل الخاص"عملياً كلفة تحسين الخدمات العامة من ميزانية الحكومة، وتنجم عنها اكلاف سنوية اعلى في المستقبل. لكن من منظور سياسي لن يكون هذا مهماً للناخبين.
يلجأ الناس كل سنة الى الاقتراض عبر القروض العقارية وبطاقات الائتمان. وتمثل هذه مشكلة، لكن معظم الناس لا يهتمون بمستوى دين الحكومة. لكن يتوقع على نطاق واسع انه في حال فوز حزب العمال في الانتخابات المقبلة، لا بد ان تكون هناك زيادات في الضرائب لتغطية الاموال التي تنفقها الحكومة حالياً.
ضرائب جديدة
وضمن مساعي براون لتوفيرمصادر جديدة للدخل، لُمّح الى انه ينبغي ان تفرض ضريبة جديدة على الزيادة في القيمة التي تنشأ عندما يعطى الأذن بالبناء على قطعة ارض. ومع الارتفاع الحاد في اسعار العقار، وحصول شركات البناء على ارباح كبيرة، ادركت الحكومة انها ربما تستطيع ان تفرض ضريبة على هذه الارباح. ولن تكون هناك معارضة سياسية تذكر لفرض مثل هذه الضرائب، وتنظر الحكومة في الطريقة التي يمكن ان تطرح بها مثل هذه الفكرة.
ولم تطرأ اي تغييرات على ضريبة الدخل ومعدلات الضريبة على ايرادات رأس المال. لكن وزير الخزانة اجرى تغييراً في احدى الضرائب المفروضة على الشركات. وكان براون اعلن في آخر موازنة ان اول 10 آلاف جنيه استرليني من ارباح الشركة لن تخضع للضريبة. وشجع ذلك الالاف من اصحاب المشاريع الصغيرة على تأسيس شركات وتسلم دخولهم من تلك الشركات باعتبارها ايرادات تخضع لمعدلات ضريبية منخفضة. وكلّف ذلك الحكومة اكثر مما كانت خططت له. واقدم براون الاسبوع الماضي على تغيير هذه القاعدة لمنعهم من القيام بذلك.
حقوق هجرة لخريجي كليات الاعمال
يدرك براون، كما أُشير في بداية المقال، اهمية جعل المملكة المتحدة مكاناً جذاباً يقصده اشخاص من الخارج. واعلن في يوم الموازنة انه ستكون هناك طريق جديدة للهجرة او"حق"يسمح لخريجي كليات الاعمال من خارج الاتحاد الاوروبي ان يأتوا الى المملكة المتحدة. وسيتعين عليهم ان يكونوا متخرجين من احدى كليات الاعمال الخمسين الأرقى. وكانت وزارة الداخلية البريطانية، وهي الجهة المسؤولة عن الهجرة، اعلنت انها ستسمح لاشخاص موهوبين بالعمل في البلاد، في البداية لفترة سنة او نحو ذلك، كي تكون "المملكة المتحدة اول من يستفيد من الاداريين الشبان الاكثر تأهلاً حالما يتخرجون".
ليس هناك اي جدوى من العمل على تشجيع اشخاص على القدوم الى المملكة المتحدة اذا كان سيجري في الوقت ذاته تغيير قواعد الضريبة لجعل البلاد اقل جاذبية. ولدى المملكة المتحدة نظام ضريبي مفهوم بشكل جيد، يشجع التجارة الدولية ويساعد على تعزيز نفوذ المملكة المتحدة وصداقاتها في ارجاء العالم. ومن المؤمل ان تتذكر الحكومة البريطانية كل هذا عندما تجري مشاورات بشأن اي تغييرات ممكنة في قواعد الاقامة.
محام في لندن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.