أبرزت تطورات عام 2004 عدداً من العبر والدروس التي لا يمكن أن تمر من دون الإفادة مما تنطوي عليه في المستقبل. أول تلك الدروس، يشير إلى النظر إلى التوقعات الخاصة بالسوق النفطية على أنها حصيلة اجتهادات تتطلب الكثير من التمحيص. لكن الحقيقة ان المراجعة المتأنية لتلك التوقعات ربما تضعها في مجموعة التنجيم. إذ يبدو أنها اقرب إلى التنجيم منها إلى الواقعية والموضوعية التي يحاول بعضهم إسباغها عليها. وليس أدل على ذلك من المساعي التي تبذلها "وكالة الطاقة الدولية" في إصدار تقارير ودراسات للمسار الذي تتوقعه للدول النفطية، في المديين القصير والطويل، علماً أن مصطلح المدى القصير يشير الى الفترة التي تقل عن سنتين، لأنها لا تكفي عادة لتغيرات أساسية في العوامل المؤثرة في السوق النفطية سواء لجهة الطلب، أو الإمدادات. وبالتالي يصبح من اليسير إعداد تنبؤات ضمن الإطار العام لهذه العوامل. ولجأ الخبراء في وكالة الطاقة الدولية إلى الأسلوب الذي غالباً ما يستخدمونه في هذه التقارير، ويتلخص في تقليل إجمالي الاستهلاك العالمي، وتضخيم الإمدادات من خارج "أوبك"، توصلاً إلى نتيجة مفادها أن دول "أوبك" تواجه سوقاً تضيق باستمرار في المستقبل المنظور. وما على دول "أوبك" إلا أن تقلل من سعرها للخروج من هذه المعضلة. وسبق لتلك الدول أن قاست من أوضاع صعبة في نهاية تسعينات القرن العشرين، حين كانت التوقعات تشير إلى زيادة الطلب على نفطها عام 1998. وكما هو معروف أدت الأزمة الآسيوية في حينه إلى انهيار الطلب، وكذلك الأسعار التي تدنت إلى مستويات قياسية. أما في 2003 فكانت تنبؤات "وكالة الطاقة الدولية" تؤكد استمرار انخفاض الطلب العالمي على نفط "أوبك" ليبلغ 24.6 مليون برميل يومياً في 2004 نزولاً من 25.4 مليون برميل يومياً في العامين السابقين و27.4 مليون برميل يومياً مطلع القرن الجاري. ومن ثم كان من المفروض أن يكون عام 2004 شبيهاً بعام 1998 عندما انهارت الأسعار، وبالذات في الفصل الثاني، إذ لم يكن الطلب المتوقع يزيد على 23.3 مليون برميل يومياً، معنى هذا تدني الأسعار وانخفاض الريع النفطي. إلا أن الذي حدث فعلاً أن عام 2004 كان أفضل كثيراً من هذه التوقعات لأسباب أصبحت معروفة جيداً لمتابعي السوق النفطية، أهمها: * أنه عام الانتخابات في عدد من الدول التي تسعى إلى زيادة وتيرة النمو الاقتصادي، مما يستلزم كميات متزايدة من النفط وبقية مصادر الطاقة. وكما حصل في الأعوام الانتخابية السابقة، ارتفعت الدعوات بأن تزود الدول المنتجة نفطاً إضافياً. بعبارة أخرى، فإن ما حصل في 2004 يجد أصداء في 2000، وكذلك في 1996. ويمكن أن يتكرر ذلك في المستقبل، إذ لم يتبق سوى بضع سنوات حتى يحين موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية المقبلة عام 2008، وما يصاحبها من محاولات للمحافظة على انتعاش اقتصادي، والمزيد من الدعوات لكميات إضافية من النفط. أما الدول النفطية فركزت مساعيها على إعادة التوازن في الأسواق العالمية، والتوصل إلى تصورات واضحة للعرض والطلب أملاً في الحد من نشاط المضاربين، من طريق المتابعة الحثيثة لمستجدات السوق، وما تستلزمه من تعديل مستوى الإنتاج من فترة الى أخرى. وبالتالي بلغ معدل إنتاج "أوبك" السنوي لعام 2004 نحو 29.1 مليون برميل يومياً، وهو معدل يفوق التوقعات الأولى ل"وكالة الطاقة الدولية" بنسبة 18.3 في المئة، أي نحو 4.5 مليون برميل يومياً. ويقارن الجدول التالي بين التوقعات الصادرة عن الوكالة منتصف عام 2003 وتقديراتها في نهاية 2004 في شأن الطلب العالمي على نفط "أوبك"، وكذلك الإنتاج الفعلي لدول "أوبك" خلال العام المشار إليه. توقعات وكالة الطاقة الدولية للطلب على نفط "أوبك" والإنتاج الفعلي عام 2004: الفصل توقعات تقديرات الانتاج تموز يوليو كانون الأول الفعلي لعام 2003 ديسمبر 2004 2004 الاول 25.0 28.2 28.2 الثاني 23.3 26.9 28.4 الثالث 24.6 37.9 29.8 الرابع 25.5 29.0 29.9 المعدل 24.6 28.0 29.1 السنوي * مدير الإدارة الاقتصادية سابقاً في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول