اكتشفت أخيراً انني افضل خساسة القطط على وفاء الكلاب. هو كلب جارتي الاسود الكبير جعلني اغير رأيي من هذا الشكل. فحين عادت من العمل لتأخذ كلبها الذي تركته عندي ساعتين او ثلاثاً، كان الكلب لا يزال في مكانه، امام الباب، حيث تركته حين خرجت. بقي جالساً على الارض امام الباب المغلق، ينصت الى الاصوات التي تأتي من الخارج، ويخال كل صوت صوت معلمته، فيقفز من الفرح، ويحرك ذيله في كل الاتجاهات، ويقترب من الباب، وكأنه تعرف الى خطى صاحبته. ثم يختفي الصوت خلف باب آخر، غير بابي، ويخيب امل الكلب الاسود الكبير، فيعود الى مكانه على الارض منتظراً صوتاً آخر، يجعله يقفز من جديد. وفاء كلب جارتي الاسود الكبير جعلني اشفق عليه، واكرهه في الوقت نفسه. افضل شخصية القطة التي تحبنا حين يحلو لها، او يكون لها في حبنا مصلحة ما. الذئاب تخلت عن كبريائها وفخرها حين اصبحت كلاباً. الوفاء مرض الكلاب وليس مكمن قوتها. لا قيمة لحب الكلاب الغريزي وغير المشروط للانسان، و لا جمال في وفائها الذي لا ينضب. القطة التي سميتها شاي، لانني لا اعرف اسمها، ولان لون وبرها يشبه لون اوراق الشاي اليابسة، لا تحبني الا في أحيان. تأتي اليّ حين يحلو لها، او لا تأتي. تهرب مني وتختبى تحت المكتبة او خلف الكنبة حيث لا استطيع الوصول اليها، حتى يحلو لها الخروج. احاول احيانا ان اغريها بالطعام، فتأكله وتعود الى مخبئها. تفعل ما يحلو لها، القطة التي سميتها شاي، والتي لا يعجب اسمها الا من لا يفهم معناه. يعجب الاسم الفرنسيين الذين يسمعونه كصوت خال من اي معنى، ويصبح بالنسبة اليهم اسم القطة هو معناه الوحيد. العرب، في المقابل، لا يعجبهم. "شاي، كالذي نشربه؟، لماذا لا تسميها قهوة؟"، قالت اختي بسخرية، كأنها لا تسمع جمال الصوت لأنها تعرف معناه. كلمة شاي التي طالما كان لها معنى واحد في ذهني، بات لها منذ شهر معنيان. بت اقولها عشرات المرات كل يوم، فهي، وحدها، تؤلف معظم حواراتي مع قطتي. والارجح أن القطة لا تعرف ان شاي هو اسمها. شاي تعني لا، حين اقولها بصوت مرتفع ومهدد، فتفهم النبرة ولا تأبه للكلمة. وحين أناديها بهدوء ودلع، لاحثها على المجيء نحوي، تنظر الي بعينين واسعتين كأنها لا تجد في ما أقوله اي معنى، وتنتظر مني ان اضيف الى صوتي لهجة تفهمها" لأن اسمها وحده لا يكفي. الاصوات هوس قطتي الدائم. الاصوات التي لا اسمعها أنا، تكفي لايقاظها من نومها الخفيف. تحرك اذنيها نحو مصدر الصوت من دون ان تحرك رأسها، حين يكون الصوت بعيداً او خفيفاً. تستمع بأذنيها الى الاشياء كما ننظر اليها بعيوننا، وهي لا ترتاح ابداً من الاصوات والضجة. تحترس من كل ما تسمعه، فكل صوت بالنسبة اليها خطر محتمل، كأنها لا تزال فريسة حيوانات اكبر منها، في غابة خطيرة، بل كأنها لا تزال حيواناً برياً. الطابة التي اشتريتها لها من المحل المخصص بمستلزمات الحيوانات الاليفة، لم تعجبها. ربما كان حجمها هو الذي يخيفها، او الصوت الذي تصدره حين تقذفها. لا تلعب بلعبتها التي اشتريتها لها بل بكل ما تجده. تسرق من المنفضة بقايا سجائري، وتأخذها الى احدى زوايا الغرفة لتلعب بها. تضع واحدة منها على الارض وتنظر اليها مطولاً في البداية، كأنها تنتظر منها ان تتحرك وحدها، او كأنها تتأكد فقط من انها لن تفعل. ثم تقترب منها وتحركها بيدها، وتخاف منها حين تتحرك. تقضي ساعات على هذه الحال، بين قفزة على فلتر السيجارة وكأنه فريستها، وقفزة بعيداً منه، هرباً منه، كما لو كان عقرباً يلسع. تلعب بالاشياء كأنها تتدرب على الصيد وعلى الهرب، او كأنها تمنح الجماد حياة بتحريكه، ثم تخاف من الحركة التي بثتها فيه. ومنذ جاءت شاي من مدينة ريمس في حقيبة صديقتي اوليفيا, ما عدت اعيش وحدي في شقتي الباريسية. كنت خائفاً يومها لأنني قبلت بالقطة من دون ان اراها. فالصور الاربع التي اخذتها اوليفيا بهاتفها الخلوي وأرسلتها الي عبر البريد الالكتروني لم ار فيها القطة. عرفت فقط ان القطة تحب اللعب، لأن الصور كلها كانت مشوشة كما تكون الصور المتحركة. ذيل القطة واحدى قوائمها في صورة، وطابة من الفرو البني تركض في اخرى، لم ار القطة فعلاً الا حين خرجت من حقيبة اوليفيا. اعجبتني منذ رأيتها، فلم اندم لأنني قبلت بها قبل ان اراها. ولكنني خفت من الا تعجبني، قبل ان تصل، فقالت لي اختي ممازحة، انني اذا لم أقبلها لجمالها، ربما احتفظ بها شفقة على قباحتها. اعطتني اوليفيا مع القطة علبة دواء، وقالت انها مصابة برشح، وانني يجب عليّ ان اعطيها الدواء كل يوم لمدة اسبوع، ثم آخذها الى البيطري. لم انس ان اعطيها دواءها يوماً، كما انسى غالباً ان آخذ دوائي، ووفرت مالاً من مصروفي الشخصي لآخذها الى البيطري. انتبه عليها، واحاول الا اتأخر حين تكون وحدها في البيت. كأنني ما عدت اعيش وحدي في شقتي الباريسية، منذ أتت شاي لتعيش معي، وكأنها احياناً تجعلني اصبح رجلاً افضل.