يختلف موقف الناس من الكلاب: هناك من يحب الكلاب، وهناك من يكرههم. ويرى هذا الصنف الاخير من الناس أن الذين يحبون الكلاب قوم استبد بهم شعور بالنقص والضعف. فكل منهم يريد أن يكون ذا شأن، ومن اليسير أن تكون ذا شأن في نظر كلب.. هذه وجهة نظر الكارهين للكلاب... وهناك وجهة نظر أخرى لمن يحبونها... يرى هؤلاء المحبون أن الكلاب توجد حيث يوجد البشر. والكلب اصدق صديق للانسان... وحيث توجد الكلاب تسمع غرائب القصص عن اخلاقها وافعالها، من قصص تدل على الشجاعة، وقصص تبعث على الضحك، واخرى تثير العجب. وكلها مما يدعو المرء الى التفكير والدهشة. يقول أحد محبي الكلاب: كنت على وشك ان أدخل دكان جزار، فلمحت كلباً ضخماً من كلاب الصيد قائماً عند المدخل، فرماني ببصره وهز ذيله ثم نظر الى الباب. فهمت ما أراد قوله وفتحت له باب الجزار فعدا الكلب نحوه وهو يهز ذيله. والقى اليه الجزار قطعة من العظم وهو يقول - مرحباً... خذ هذه. تلقى الكلب العظمة وحرّك ذيله شاكراً وعدا خارجاً... بعد دقائق سمعت نباحاً خافتاً وإذا بالكلب يقف الى جواري مرة اخرى. والقى اليه الجزار عظمة ثانية فأخذها ومضى شاكراً. ضحك الجزار وفسر لي ما يحصل... قال - أرأيت الى هذا الكلب؟ انه يأوي الى حظيرة الفندق هو وصديق له من الكلاب... وكلاهما تجاوز العاشرة، أي انهما دخلا في الشيخوخة، وكان من عادتهما ان يخرجا الى الصيد معاً، وكانا يأتيان اليّ معاً ليصيبا شيئاً من العظام. وفي السنة الماضية صدمت الكلب الآخر سيارة، فصار أعمى وأعرج وبات عاجزاً عن التجوال والصيد والحركة... فمن أجل ذلك يأتي هذا الكلب ليأخذ عظمة لصديقه، ثم يعود ليأخذ أخرى لنفسه. وتحدثت سيدة من محبي الكلاب عن ذكاء الكلاب وحيلها في حفظ طعامها، قالت: كان لدينا كلب من كلاب المراعي، وقد ضاق ذرعاً بكلب آخر صغير من كلاب جيراننا، وكان هذا الكلب الصغير لا يدع للكلب الكبير عظمة مخبوءة، إلا بحث عنها واستخرجها من الارض وذهب بها... باختصار... كان الكلب الصغير لصاً بالسليقة، وكان يقف للكلب الكبير بالمرصاد، فإذا خبّأ كلبنا عظمته عن العيون، فلا تكاد تنقضي خمس دقائق حتى يسرع إليها الصغير ويخرجها من مخبئها... ومرت الايام... ورأيت كلبنا يحمل عظمتين، إحداهما صغيرة والثانية كبيرة... ومضى الكلب بالعظمتين الى مكان في الحديقة، وحفر الكلب حفرة واسعة وعميقة، ودس فيها العظمة الكبيرة، ثم أهال عليها التراب برفق وعناية. ثم وضع العظمة الصغيرة من فوقها وغطاها بغطاء خفيف من التراب، ثم مضى الى شأنه. ولم تمض دقائق حتى اقبل الكلب الصغير كعادته وجعل ينبش حتى وصل الى العظمة الصغيرة فأخذها وانطلق يجري سعيداً بما وجد... وبقي كلبنا ساكناً مقعياً رخيّ البال، وراح ينظر الى الصغير المحتال نظرة راضية... لقد انطلت خدعته على الصغير... وقال رجل يربي كلبة من كلاب البيوت، قال: بذلنا جهدنا مع الكلبة لنعلمها الحراسة، ولكننا لم نوفق. وكان من عادة أبي إذا بدأ الشتاء ان يرسلها في مساء كل يوم لكي تحرس بيت الدجاج حتى يتنفس الصبح، فإذا استيقظ أبي مع الصبح رآها حيث تركها، وهي مفردة ترتعد من شدة البرد... فأحطناها بأعظم العطف والرعاية جزاء ما تلقاه من العناء والمشقة في الحراسة... ومضى الشتاء... وحدثنا جار لنا عن العادات الغريبة لكلبتنا هذه، قال إنها كانت تيمم نحو داره إذا انتصف الليل وتخربش على الباب حتى يفتح لها. وتدخل فتمكث عنده حتى الخامسة صباحاً او قبلها بدقائق.. وتسرع نحو قن الدجاج حيث يجدها أبي وهي ترتعد.. وكأنها كانت تحرس طوال الليل. وعن ذكاء الكلاب يقول واحد من هواة تربية الكلاب: كان عندنا في مزرعة أبي كلبان يحبان الخروج الى الصيد معنا، فإذا لم يجدا من يخرج معهما الى الصيد خرجا اليه وحدهما. وفي ليلة من ليالي الخريف انطلقا الى الغابات، وبزغت شمس اليوم التالي ولم يعودا. فلما أقبل الليل جاء احدهما وهو يتهالك من التعب والجوع، فأكل حتى امتلأ، ثم انطلق عائداً الى الغابات ولم يبال بنا حين ناديناه أن يبقى. بعد فترة من رحيله عاد الكلب الثاني بجوعه وتعبه يلتمس الطعام ثم اختفى في جوف الغابة. وتكرر هذا المشهد فخرجنا نفتش عنهما حتى وجدناهما. لقد وقعا على صيد من حيوان البر فاعتصم كل منهما برأس شجرة. وعجز الكلبان عن ان يصلا اليه فوثبا، وضربا عليه الحصار، وجعلا يتناوبان مراقبته حتى يدفعه الجوع والخوف الى الاستسلام والنزول، وحينذاك يتحول الى مائدة شهية للكلبين... هذه بعض حكايات البشر عن الكلاب... وهي حكايات لا تنتهي.