الشعور الذي انتابنا منذ اليوم الأول للاجتماع التأسيسي للمنتدى الاجتماعي العربي في القاهرة ما بين 4 - 6 كانون الثاني / يناير 2005، هو ضرورة التقدم لانجاز تأسيس المنتدى كهيئة عربية لها ضروراتها وأهدافها، وليس مجرد مقدمة للالتحاق بركب القوى الاجتماعية والسياسية العالمية المناهضة للعولمة. فللوطن العربي موقعه الجيوسياسي والاقتصادي المتميز داخل الاطار العام لاهتمامات آليات العولمة، وقواها الرأسمالية التي تعتبره أحد مجالاتها الرئيسة لتوسع وانتشار رأس المال المالي، والشركات العابرة للقارات، والاستثمارات الكبرى للاحتكارات المعولمة، وهذا ما يتم التعبير عنه اميركياً في النزوع الامبراطوري للعدوان والاحتلال، والهيمنة على الثروة النفطية، وعلى المواقع الجيوسياسية الاستراتيجية العربية، كمقدمة لتحويل العولمة وآلياتها لأمركة مسيطرة على مقدرات العالم. هذه الرؤية لحقائق الجغرافيا والاقتصاد والسياسة في الوطن العربي، هي التي أبرزت أهمية التأسيس أمام المؤتمرين، باعتباره من ضرورات العمل العربي المشترك بين مختلف هيئات ومؤسسات المجتمع وحقوق الانسان، بالتوافق والارتباط الجدلي مع التظاهرة العالمية المناهضة للعولمة. وقد أبرزت هذه الرؤية، وفي اطار الحوار حول نقاط الاتفاق والاختلاف بين المؤتمرين، التعارض بين رأيين مختلفين في تحليل الاحداث والتحولات العالمية المتسارعة. فحاول أصحاب الرأي الأول تغليب ما هو كوني وعالمي على القضايا والاشكاليات العربية، في حين حاول الطرف الآخر ابراز المخاطر الكبرى والاشكاليات الداخلية في الوطن العربي وسبل معالجتها، وذلك بعد ان تخلت الأنظمة العربية عن الوفاء باحتياجات الوطن واستقلاله وسيادته، وأغفلت طموحات الأمة، وحاصرت بالقمع والاستبداد كافة اشكال نضالها الوطني والقومي الهادف لتحقيق النهضة والتقدم في هذه المنطقة من العالم. وفي محصلة الحوار، على امتداد الأيام الثلاثة لمؤتمر التأسيس للمنتدى، بدت ملامح التوافق واضحة على ضرورة أن تأخذ القوى الوطنية والهيئات والمنظمات غير الرسمية المكونة للمجتمع العربي دورها في التأسيس لبناء النهضة والتنمية والتقدم، ومواجهة القوى الخارجية المعادية وفقاً لمجموعة من المهمات التي يأتي في مقدمتها: 1 - ان التغيير الديموقراطي ? بالاختلاف والتعارض مع الدعاوة الاميركية الكاذبة ? هو المدخل الوحيد لمواجهة تهديد القوى الخارجية الماثل أمامنا على امتداد الوطن العربي.... 2 - لقد أضحت قضية انهاء الاحتلال الأميركي للعراق واحتلال الكيان الصهيوني للأراضي الفلسطينية مطلباً عاماً تجمع عليه القوى والهيئات المدنية والاجتماعية كافة في الوطن العربي. ... ومع ان الادارة الاميركية تعتبر الانتخابات انجازاً سياسياً مهماً في الداخل العراقي، لا تعير أي اهتمام للقضية الفلسطينية، ولضرورة التقدم لحلها بعد الانتخابات التي حدثت في أعقاب رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. 3 - ومن المفارق تماماً أن يتواكب هذا الاغفال، في ظل تأييد الكيان الصهيوني في حملته العدوانية الشرسة لإبادة الشعب الفلسطيني، مع الدعم المادي والمعنوي والسياسي، الى درجة استصدار الولاياتالمتحدة قانوناً يجيز لها معاقبة المتهمين بما يدعى "معاداة السامية"، حيث يجري قتل الذاكرة وخلط الاوراق بصورة غريبة بين الأصول التاريخية والاثنية للشعوب والامم، وبين تداعيات الاحتلال الصهيوني للأرض العربية في فلسطين. 4 - ويشير البيان السياسي الصادر عن الاجتماع التأسيسي للمنتدى الاجتماعي العربي، الى ان البلدان العربية لا تتعرض فقط لأخطار خارجية، وإنما تواجه بالمثل مخاطر داخلية يؤججها ويستثمرها أولئك المهيمنون على مقاليد العولمة. وتتمثل تلك المشكلات الخاصة بالأقليات العرقية والاثنية والدينية. وتحاول قوى العولمة إبعاد هذه الأقليات عن التمسك بخيار الحل الديموقراطي، في اطار النسيج المجتمعي الواحد، ما يؤدي الى تعميق الانقسامات وإلحاق الضرر حتى بقضايا هذه الأقليات نفسها. 5 - وعلى الصعيد العالمي، يرى المؤسسون للمنتدى ان استراتيجيات الإفقار والتبعية الاقتصادية التي تفرضها الليبرالية الجديدة، باستخدام أدواتها من مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، ليست في المحصلة، إلا استراتيجية عدوانية ضد الشعوب وضد الشرائح الاجتماعية الواسعة التي تتعرض للإفقار والتهميش. ... لذلك فإن البديل التنموي الذي يحقق مصالح الشعوب يتضمن أولوية تعبئة مواردها المحلية، والحد من انتشار النزعة الاستهلاكية التي تعمل على توسيعها الشرائح الرأسمالية المستفيدة من العولمة، وتوجيه الانتاج لخدمة الاحتياجات الأساسية للمواطنين اضافة للاهتمام بتحقيق تكامل هياكل الاقتصاد المتعددة، وحمايتها من التفكك. غالب عامر كاتب سوري