"دع قناعاتك تكون قائدة دربك، لا تدفن رغباتك حية. أُشعر بمشاعركَ اشعر لا تجعلها مجرّد تفكير فحسب". السطور السابقة هي للشاعر الألماني فيرنر شبرنغر ومضمون هذه القصيدة ينطبق كثيراً على الفنانة النجمة منى واصف التي لعبت دور الزوجة الخرساء تلفزيونياً العام 1975 في مسلسل"أسعد الوراق"وهو مأخوذ عن قصة قصيرة للأديب الراحل صدقي اسماعيل وكتب السيناريو عبدالعزيز هلال وأخرجه علاء الدين كوكش. أطلقت منى واصف في ذلك العمل صرختها مع سماعها بموت زوجها أسعد لعب الدور هاني الروماني. ومنذ ذلك التاريخ حفظ المشاهد تلك الصرخة التي أبكت كثيرين وجعلت من صاحبتها نجمة في الشاشة الصغيرة وبعد ذلك في السينما وطول الوقت نجمة في المسرح. وقبل مسلسل"أسعد الوراق"لعبت منى واصف دور"الحاجة أمونة"في مسلسل"الجرح القديم"، إخراج سليم موسى عرضه التلفزيون السوري عام 1970 ومن أسماء ممثلي هذا العمل:"أحمد عداس، يعقوب أبو غزالة، محمد صالحية، إغراء...". أم نذير منذ تلك الأيام بقيت منى واصف تعمل وتحفر اسمها رويداً رويداً في عالم النجومية. وحصّنتها ثقافة حصلتها عبر القراءة المتواصلة. وقبل أيام قليلة وفي مشهد درامي عميق يشبه الى حد ما ذلك المشهد القديم في"أسعد الوراق"وضمن مسلسل"بكرا أحلى"، تطلق منى واصف صرختها محرضة نذير على عدم الانكسار، أدى الدور الفنان أيمن رضا والعمل من إخراج محمد الشيخ نجيب وتأليف محمد أوسو وعرضته الفضائية السورية، لتعيد مرة أخرى هذه الممثلة الى تثبيت نجوميتها المتواصلة، هي التي تعشق أدوارها فتخلص لها حتى النهاية. وعلى رغم أن منى واصف تعترف بعشقها أدوار الملكات إلا ان شخصية"أم نذير"وأداءها اللافت كان الغرض منهما إثبات مقدرة الممثلة على أداء أي دور. تقول منى واصف ل"الحياة":"لقد دخلت الى هذا الدور عبر قصة الحياة المتكاملة لهذه الأسرة. فقد عشت مع الشخصية وتخيلت حياتها وتاريخها. وكي ينجح الممثل يجب أن يحب شخصيته، يندمج فيها، لا أن يتكبر عليها. وأنا أحببت أم نذير فكنت هي قدر الإمكان. وضمن الأحداث الدرامية تقوم الأسرة بمحاولة بناء غرفة مخالفة طبعاً، وأثناء هبوط بعض الأحجار كنت أشعر ان قلبي يتمزق حزناً". وفي سياق الحديث عن هذه الشخصية تتذكر واصف المخرج الروسي ستانيسلافسكي الذي"علّمها"كيف ترصد حركة الناس والشخصيات في الحياة اليومية وكيف يمتلئ خزان الذكريات بهذه التفاصيل، وبعد ذلك يمكن الاستفادة من هذه التراكمات في الوصول الى شخصية يريد الفنان إحياءها. صدق تقول واصف ان"بكرا أحلى"نجح وشرائح كثيرة تابعته وأحبته لأنه يحاكي الحياة اليومية بصدق ويناقش الفقر والصمود في وجهه. والأهم ان العمل دخل الى الحياة المعاصرة، الراهنة، فرصد التفاصيل النفسية والمعرفية لشخصياته بكثير من الإحساس النابع من الحياة ذاتها. تقول أم نذير لابنها نذير:"اصحَ يا نذير، يجب أن لا ينهار هذا البيت"، وفي لحظة تراجيدية عالية الانفعال أبكت الكثير من المشاهدين. قاربت منى واصف لحظات الحزن والصبر في حياة فقراء كثر في العالم العربي. فكم أكل الفقر أحلاماً وكم دمّرت المعاناة حيوات بشر. وعن علاقتها بالزمن تقول:"عندما يعطي الفنان ويعمل ويرى الشمس لحظة شروقها وغروبها والليل والصيف والشتاء والربيع ويشمّ الورد والفلّ فإن العلاقة مع الزمن تكون علاقة صداقة". عبر تاريخها الفني كانت منى واصف تعشق أدوار المرأة القوية، وأم نذير امرأة قوية على رغم فقرها لأنها دافعت عن تماسك أسرتها وعن مبادئها الأخلاقية،"لا أحب دوراً أُصفع فيه ولا أصفع، أصلاً شكلي لا يوحيا انني امرأة ضعيفة". منى واصف نجمة بدأ اشعاعها الفني باكراً في حياتها وما زال هذا الاشعاع مستمراً، فقد أبكت مشاهديها عام 1975، وأبكتهم عام 2005. وبين التاريخين كانت فنانة بارعة الأداء والابداع لأنها علمتنا معنى الفن ومعنى الإخلاص له.