سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رسالة سياسية لطمأنة دول الجنوب التي تخشى تهميشها بعد توسيع الاتحاد . الشراكة الأوروبية - المتوسطية تبحث في دبلن الإصلاح و"سياسة الجوار الجديد" والتعاون الأمني
بعد احتضانها توسع الاتحاد الأوروبي وضمه عشرة أعضاء جدد من وسط اوروبا وشرقها، تشهد العاصمة الايرلندية دبلن يومي 5 و6 الشهر الجاري اجتماعات مؤتمر وزراء خارجية بلدان الشراكة الأوروبية - المتوسطية لتقويم ما انجز في نطاق الاتفاقات التي تربط الاتحاد مع كل من البلدان العربية المتوسطية واسرائيل وتركيا. وينتظر ان يطلق المؤتمر رسالة سياسية ويسفر عن اقتراحات عملية تطمئن دول الجنوب التي تخشى من خطر تهميشها مع امتداد الاتحاد الى حدود روسيا وأوكرانيا ومنطقة القوقاز من ناحية، والتي يواجه عدد منها ضغطاً خارجياً من أجل الاصلاح الاقتصادي السياسي والديموقراطية. تعقد بلدان الشراكة الأوروبية - المتوسطية اجتماعاتها في دبلن في وقت انهالت المبادرات الخارجية على المنطقة العربية وتزايدت ضغوط حرب الاحتلالات الاسرائيلية والأميركية - البريطانية في فلسطينوالعراق. وفي محاولة لإحلال بعض التوازن في علاقاته الخارجية، بعد الانجاز التاريخي بتوسعه شرقاً، يقترح الاتحاد الأوروبي على بلدان جنوب شرقي حوض البحر الأبيض المتوسط "إدماجها في سياسة الجوار" التي صاغها لتعزيز الشراكة مع جيرانه الجدد مثل روسيا وأوكرانيا. ويعتبر الاقتراح رداً يستبق فيه الاتحاد مبادرة الرئيس بوش حول الشرق الأوسط الكبير. ويجري وزراء خارجية بلدان الاتحاد الأوروبي مع الشركاء في مسيرة برشلونة محادثات حول مستقبل علاقات الاتحاد مع المنطقة الممتدة من المغرب حتى ايران. وينتظر أن تستكمل النقاشات حول مستقبل المنطقة العربية والاسلامية القريبة في اجتماع القمة الأوروبية، في منتصف حزيران يونيو المقبل في بروكسيل. وسيكون التصور الأوروبي جاهزاً لتعرضه رئاسة الاتحاد على اجتماع القمة التي يعقدها حلف شمال الأطلسي نهاية الشهر المقبل في اسطنبول. وكانت الولاياتالمتحدة طلبت من الحلف التفكير في امكان أن يتولى تعزيز الاستقرار في العراق من جهة، وتطوير الحوار الجاري مع بعض البلدان العربية الى نوع من الشراكة الأمنية والعسكرية. وقد يعرض حلف شمال الأطلسي توسيع مبادرة الحوار مع البلدان العربية والاسلامية في الشرق الأوسط. وستكون اجتماعات قمة البلدان الغنية الثمانية فرصة لجوجلة المبادرات الأميركية والأوروبية والأطلسية من التغيرات السياسية في المنطقة العربية والاسلامية. ويتوقع أن تجدد البلدان العربية المتوسطية في اجتماعات دبلن رفضها المعلن للمبادرات الخارجية التي لا تأخذ في الاعتبار خصوصيات كل بلد وتلتف خصوصاً على واقع الاحتلال الاسرائيلي. وفجرت المبادرة الأميركية خلافات عربية - عربية وأجهضت محاولات عقد القمة العربية قبل نهاية آذار مارس الماضي في تونس. وأثار هذا الفشل صدمة كبيرة في الشارع العربي وخيبة في الأوساط الديبلوماسية بخاصة في صفوف البلدان الأوروبية التي تدعم محاولات الاصلاح في البلدان العربية وترفض الوصاية الخارجية على مستقبلها. وقال ديبلوماسي اوروبي ل"الحياة" ان الاتحاد الأوروبي يتفق مع البلدان العربية حول "وجوب ان ينبع الاصلاح من صلب مجتمعات دول الجنوب ومؤسساتها". ولا يتجاهل الأوروبيون واقع الاحتلال وتأثيراته السلبية على مدى عقود في مسارات التنمية والانعتاق الاجتماعي والاصلاح والتعددية السياسية. ويعتقد الاتحاد في إحدى وثائقه السابقة حول مستقبل العلاقات مع العالم العربي والاسلامي بأن حل النزاع العربي - الاسرائيلي "مسألة استراتيجية بالنسبة الى السياسة الخارجية". وتفيد وثيقة المفوضية الأوروبية الى المؤتمر الوزاري لبلدان مسيرة برشلونة بأن الاتحاد "يعتقد بأن استمرار مسيرة السلام عبر تنفيذ خريطة الطريق تمثل عنصراً مركزياً لنجاح كل سياسة". إلا أن الاتحاد يتفق من جهة أخرى مع الولاياتالمتحدة في "وجوب ألا يكون انتظار الحل السلمي مبرراً لاستمرار الجمود السياسي" مثلما أشار نائب وزير الخارجية الأميركي مارك غروسمان خلال زيارته في الخامس من آذار الماضي لبروكسيل. وبخلاف الطروحات الأميركية يتمسك الأوروبيون بضرورة بناء كل تصور لمستقبل المنطقة العربية المجاورة على أسس الانجازات التي تحققت على الصعيد الاقليمي وبخاصة خطة الشراكة الأوروبية - المتوسطية. وتشدد المفوضية في ورقة تقدمها الى اجتماع بلدان الشراكة الأوروبية - المتوسطية دبلن على أهمية "ابراز تنوع آليات التعاون والمعونات المالية المتوافرة في اطار اتفاقات الشراكة وتعدد مجالات التعاون بدءاً بالمسائل السياسية والأمنية حتى مسائل الحوار الثقافي مروراً بمجالات تحرير المبادلات التجارية والاصلاح الاقتصادي". سياسة الجوار الجديد وتلتقي بلدان الاتحاد الأوروبي ال25 وشركاؤها ال11، من جنوب شرقي حوض البحر الأبيض، في العاصمة الايرلندية بعد أربعة أيام من احتضانها احتفالات توسيع الاتحاد ومد حدوده من مضيق طارق بن زياد، في الجنوب الغربي، حتى مياه البلطيق في أقصى الشمال الشرقي. وستعرض المفوضية في الاجتماع الخطوات التي قطعتها في حوارها مع كل من بلدان مسيرة برشلونة في نطاق ما يسمى "سياسة الجوار الجديد". ويهدف المولود الجديد الى تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والتجاري مع كل من جيران الاتحاد، بعد انجاز التوسيع، سواء في جنوب حوض البحر الأبيض او في شرق القارة، وذلك وفق وتيرة سير كل من البلدان المعنية. وتؤكد المفوضية أن "سياسة الجوار الجديد" تبنى على أساس ما أنجز في نطاق الشراكة الأوروبية - المتوسطية منذ انطلاقها في مؤتمر برشلونة في 1995، ويتجسد العرض الأوروبي في "وضع برامج ثنائية، بين الاتحاد وكل من جيرانه، تشمل تكثيف الحوار السياسي وفتح أبواب المشاركة في الكثير من البرامج العلمية والتكنولوجية ومختلف السياسات الأوروبية وتحرير المبادلات التجارية وتنقل البضائع والخدمات والرساميل وتعزيز التعاون في مجالات الأمن والقضاء. وتربط وثيقة المفوضية الى مؤتمر دبلن توثيق التعاون الى درجات متقدمة شرط "توافر التفاهم المشترك للمشكلات الأمنية والاتفاق حول القيم المشتركة والمبادئ المشتركة". وذكرت مصادر ديبلوماسية أن ردود فعل البلدان العربية والمتوسطية "كانت ايجابية". وبفعل تزايد الانتقادات التي تستهدف ضعف السياسة الخارجية الأوروبية وصوتها الخافت حيال انتهاكات حقوق الانسان في الكثير من شركاء مسيرة برشلونة، فإن المفوضية ستضع مسائل الاصلاح السياسي والسير نحو التعددية السياسية ضمن شروط تعميق العلاقات مع كل من البلدان المعنية. ويرفض المسؤولون في بروكسيل مسايرة أصوات المنظمات الحقوقية الداعية التي تسليط عقوبات ضد الحكومات التي لا تحترم حقوق الانسان والحريات الأساسية والمواثيق الدولية ذات الصلة. وفي المقابل فهم يفضلون استخدام "وسائل الاقناع الايجابية"، أي انهم يعدون البلد الذي يحترم حقوق الانسان وحرية الرأي والتعددية السياسية بمزيد من المعونات المالية. وتشكك مصادر المنظمات غير الحكومية في جدوى الأسلوب غير الزجري وتفضل سياسة مزدوجة تستخدم وسائل الاقناع بالعصا أو الجزرة. وتضم شبكة اتفاقات الشراكة الأوروبية المتوسطية كلاً من المغرب والجزائر وتونس والمغرب ومصر والسلطة الفلسطينية والأردن واسرائيل ولبنان وسورية وتركيا. وتنفرد سورية بتأخرها في توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد بسبب الضغوط الشديدة التي تمارسها بلدان الاتحاد لإدماج شرط نزع أسلحة الدمار الشامل في الاتفاقية. وتشارك ليبيا في مؤتمرات الشراكة من دون انضمامها بعد رسمياً الى خطة برشلونة. ويبدو أن طرابلس تخلت عن تحفظاتها حيال الوثائق السياسية التي أصدرتها مختلف المؤتمرات الوزارية منذ 1995. اذ قال العقيد معمر القذافي خلال زيارته الأخيرة لبروكسيل ان بلاده "تراجع مواقفها حيال مسائل التعاون المتوسطي". وأوضح مصدر اوروبي أن خبراء ليبيين وأوروبيين "يبحثون صوغ نص الطلب الرسمي الذي ستقدمه ليبيا للانضمام الى عضوية مسيرة برشلونة". وفي الأثناء، فإن ليبيا مدعوة لحل الخلافات القائمة مع كل من المانيا وبلغاريا. فتتهم المانيا الاستخبارات الليبية بتدبير تفجير ملهى "لابيل" في برلين في 1986. وتطالبها بلغاريا بالافراج عن رعايا يعلمون في القطاع الصحي ووجهت اليهم النيابة العامة اتهامات تتصل بانتقال فيروس نقص المناعة الى عدد من الأطفال في أحد مستشفيات بنغازي. الشراكة السياسية والأمنية وتذكر ورقة المفوضية الأوروبية الى مؤتمر الشراكة الأوروبية المتوسطية أن المؤتمر "سيؤكد الحاجة الى مزيد من التقدم في تنفيذ مقتضيات التعاون في مجالات حقوق الانسان والديموقراطية مع التشديد الخاص على الاصلاحات القانونية اللازمة لتنفيذ الالتزامات الدولية وتحسين أداء الأنظمة القضائية والجنائية وظروف نشاط المجتمع المدني". وتعاني دول جنوب شرقي الحوض المتوسطي انعدام التعددية السياسية الحقيقية بالنسبة الى البعض والقيود المفروضة على وسائل الاعلام والحياة السياسية وعدم استقلال القضاء. وتبذل حكومات عربية جهداً كبيراً لتعطيل نشاط المنظمات غير الحكومية التي تعمل في شكل مستقل عن الجهات الرسمية بخاصة تلك العاملة في حقل حماية حقوق الانسان. وتفيد وثيقة المفوضية الأوروبية أن مسائل حقوق الانسان والديموقراطية "ستدرج في برامج التعاون الثنائية" مع كل من البلدان المعنية. علماً ان الاتحاد والمغرب أنشآ لجنة خاصة تعنى بمتابعة ملف حقوق الانسان وتوفير المعونات المالية لملاءمة القوانين المغربية مع مقتضيات حماية الحريات الأساسية. وتدعو المفوضية البلدان الأخرى الى الحذو حذو المبادة المغربية. وتؤكد الوثيقة الأوروبية أن "مسائل حقوق الانسان ستكون جزءاً مهماً في الفصل السياسي من برامج سياسة الجوار". ويتوقع أن يدعو وزراء خارجية بلدان الاتحاد الأوروبي ال25 في مؤتمر دبلن الى تعميق الحوار السياسي "على رغم الحواجز القائمة جراء انعدام تقدم مسيرة السلام في الشرق الأوسط". ويقترح الجانب الأوروبي دعوة مجموعة العمل المتخصصة في هذا الشأن الى تقديم مقترحات محددة قد تشمل مجالات الحماية المدنية وعمليات الانقاذ في الجو والبحر وأمن البحار ومكافحة تلوث البيئة وإقامة شبكات تربط بين مؤسسات الدفاع... وينتظر ان يؤكد الوزراء من الجانبين تعزيز التعاون في مجال مكافحة الارهاب. وسيستعجل المؤتمر البدء في وضع آليات جديدة وفورية للتعاون بين البلدان التي ترغب في ذلك على ان تلتحق الأخرى في الوقت المناسب. ويكتسب التعاون في مجال مكافحة الارهاب بعداً استراتيجياً خصوصاً بعد اعتداءات 11 آذار في مدريد. وفيما تتواصل التحقيقات، استخلص الخبراء بعض الدروس التي تمس أمن السكان المدنيين ومنها أن تفجير القطارات الثلاثة في مدريد قد يتكرر في الأماكن التي تعج بحركة السكان المدنيين وان المنظمات الارهابية لا تتردد في إيقاع الأذى بالمئات أو الآلاف من الضحايا الأبرياء، وان ما حدث في مدريد قد يتكرر في لندن أو روما أو باريس. كما ان الشبكات الارهابية لا تستهدف ضحاياها في اوروبا فحسب بل في البلدان المغاربية كما في المغرب والسعودية. ويرى خبير اوروبي أن "الشبكات المتصلة بتنظيم القاعدة أصبحت ذات أبعاد اوروبية ومغاربية، اذ اثبتت التحقيقات وجود علاقة بين مدبري تفجيرات مدريد وتفجيرات الدار البيضاء في أيار مايو من العام الماضي. ويبحث المحققون في صلات تربط بين المعتقلين في اسبانيا، وغالبيتهم من أصل مغربي، وناشطين اسلاميين في بلجيكا وبريطانيا وغيرهما من بلدان الاتحاد. وسيؤكد المؤتمر الوزاري لبلدان الشراكة الأوروبية - المتوسطية ضرورة تقوية قنوات التعاون وتبادل المعلومات لتجفيف موارد المنظمات الارهابية ومراقبة نشاط الجمعيات الاسلامية وملاحقة المشتبه فيهم. وعلى الصعيد الاقتصادي، ينتظر ان تؤكد المفوضية الأوروبية ضرورة ان يتم في غضون العامين المقبلين "دعم الاصلاحات القانونية اللازمة لقيام منطقة التبادل التجاري الحر وأولويات سياسة الجوار"، و"تشجيع التعاون والحوار بين الشعوب الأوروبية والمتوسطية من خلال تشجيع قيام المؤسسة الأوروبية المتوسطية للحوار بين الثقافات ووضع برامج تدعم مشاريع بين البلديات والجماعات المحلية". التعاون الاقليمي والشراكة الاقتصادية ويعتقد كبير المستشارين في مركز السياسة الأوروبية في بروكسيل اربيهاريد رهاين بأن "التعاون بين الجماعات المحلية الأوروبية والمتوسطية يساعد في تنمية فكرة الديموقراطية، لأن واجب البلديات يتمثل في خدمة المواطن واحترام حقوقه. كما يتميز مثل هذا التعاون بانعدام سيطرة الأجهزة الحكومية على مراحل تنفيذه". ويوفر اجتماع دبلن فرصة إضافية يدعو فيها الاتحاد الأوروبي البلدان العربية الى تسريع وتيرة الاندماج الاقليمي وبناء أسواق عربية مندمجة في شمال افريقيا والمشرق العربي ومنطقة الخليج. ويعد إعلان أغادير حول التبادل التجاري نموذجاً في حال تم تنفيذه بين البلدان العربية المتوسطية. ويضم إعلان اغادير حتى الآن المغرب وتونس ومصر والأردن ويهدف الى اقامة تبادل تجاري حر بين البلدان العربية التي تربطها اتفاقات شراكة مع الاتحاد الأوروبي. وستقدم المفوضية تقريراً أمام الوزراء حول مدى تحسن شروط إنفاق المعونات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لدعم الاصلاحات الاقتصادية التي تؤهل اقتصادات دول الجنوب حتى تكون المؤسسات قادرة على الصمود امام تنافسية شديدة، بخاصة بعد انجاز منطقة التبادل التجاري الحر. وتشير الوثيقة الأوروبية الى "ارتفاع وتيرة رصد المعونات وإنفاقها الى 90 في المئة من إجمالي معونات بقيمة 777 مليون يورو في 2003، كما سيطالب الجانب الأوروبي ممثلي الجنوب ببدء مفاوضات تحرير قطاع الخدمات "لأنه يفتح فرصاً كبيرة للاستثمار والنمو الاقتصادي وخلق وظائف العمل في دول الجنوب". وفي المقابل، فإن الأخيرة ستعيد التشديد على أهمية تحرير تجارة المنتجات الزراعية التي توفر مزايا كبيرة بالنسبة الى المصدرين من جنوب شرقي حوض البحر الأبيض المتوسط بسبب انخفاض كلفة الانتاج. إلا ان البلدان الأوروبية لا تقبل سوى بتحسين شروط وحصص دخول المنتجات الزراعية، لأنها تخشى على مصالح المزارعين الأوروبيين بخاصة في مناطق جنوب الاتحاد، من البرتغال حتى اليونان. ويفترض ان تستكمل شروط دخول منتجات الجنوب مع حلول عام 2010، موعد قيام منطقة التبادل التجاري الحر. ويعد توسع الاتحاد الأوروبي في اتجاه الشرق فرصة لزيادة الصادرات الزراعية من بلدان جنوب شرقي الحوض المتوسطي. لكن التوسع سيزيد في المنافسة التي تواجهها صادرات الجنوب من النسيج ومنتجات الصناعات الالكترونية والميكانيكية.