حملت التطورات السياسية والامنية التي شهدها لبنان اخيراً باغتيال النائب والصحافي الشهيد جبران تويني، وتعليق وزراء"حزب الله"وپ"حركة امل"مشاركتهم في الحكومة على خلفية تحفظهم عن طلب انشاء محكمة دولية، وتوسيع مهمات لجنة التحقيق الدولية، تداعيات"محدودة"على الاسواق المالية، وپ"تأجيلاً آخر"لمسار الحكومة في انجاز برنامج الاصلاحات الاقتصادية والمالية"سياسياً"استعداداً لمؤتمر بيروت للدول المانحة، اذ يتطلب توافقاً سياسياً ليكون"برنامجاً وطنياً"يحوز موافقة كل الاطراف السياسيين والاقتصاديين في لبنان. وأكدت مصادر حكومية ان الظروف السياسية التي تعطل او تؤجل مواعيد الانطلاق في مسار"حيازة"برنامج الاصلاحات على"التوافق السياسي وبالتالي موافقة الهيئات الاقتصادية"، لم تعطل العمل على انجازه، وقد تحققت خطوات كبيرة تصب في هذا البرنامج الذي اصبح جاهزاً، كما مشروع موازنة 2006 التي تنتظر الخروج بهذا البرنامج"اجندة"وطنية تضع لمساتها الاخيرة المشاورات في شأن بنودها، بدءاً من مجلس الوزراء وانتهاء بالفاعليات الاقتصادية والجهات المعنية". وكشفت هذه المصادر ان"بدء حلقات الحوار مع الهيئات الاقتصادية سينطلق الاسبوع المقبل بعدما كان مقرراً الثلثاء الماضي وأرجأته التطورات التي شهدها لبنان بداية الاسبوع الماضي". وتحدثت هذه المصادر عن مؤشرات جيدة سجلتها وضعية المالية العامة على رغم كل الاحداث التي شهدها لبنان، اذ لفتت الى ان النتائج المالية التي تحققت في الاشهور الاربعة الاخيرة تحولت"ايجابية"، بعدما كانت مؤشراتها سلبية في الشهر السابع من العام الحالي. اذ اظهرت احصاءات وزارة المال اللبنانية ان الايرادات العامة سجلت في الشهور الپ11 الاولى من العام الجاري زيادة بقيمة 40 بليون ليرة لبنانية، مقارنة بالقيمة المسجلة في المدة نفسها من العام الماضي، بعدما كانت سجلت تراجعاً بقيمة 170 بليون ليرة حتى تموز يوليو الماضي، فتحقق في خلال الشهور الاربعة الاخيرة حتى تشرين الثاني/نوفمبر مبلغ 200 بليون ليرة. كما اشارت الاحصاءات الى ان الايرادات من الضريبة على القيمة المضافة تراجعت 1.2 في المئة فقط، اذ بلغت في الشهور ال11پ الاولى 1580 بليوناً في مقابل 1598 بليون ليرة في المدة نفسها من العام الماضي. كما تراجع العجز في الموازنة بقيمة 365 بليون ليرة، وارتفع الفائض الاولي في الموازنة بنحو 350 بليون ليرة. واعتبرت المصادر انه على رغم الارتفاع الكبير في المبالغ المحولة الى مؤسسة كهرباء لبنان والتراجع التدريجي في الايرادات من مبيعات مادة البنزين، وعلى رغم الظروف التي مر فيها لبنان منذ بداية العام، سجلت مؤشرات المالية تحسناً. واستوضحت"الحياة"الخبير الاقتصادي مروان اسكندر، والخبير الاقتصادي واستاذ العلوم الاقتصادية والمالية في جامعة سيدة اللويزة لويس حبيقة، رأيهما في تداعيات حادثة الاغتيال واستمرار هشاشة الوضع الامني على الوضع الاقتصادي، والحركة السياحية الشتوية في موسم الاعياد، كما عن تداعيات انشغال الحكومة في معالجة الملفات السياسية والامنية والتأزم السياسي الداخلي على مستوى الحكومة، والمشكلات السياسية الخارجية على عمل الحكومة وتأمين التوافق السياسي على ورقة الاصلاحات، وعن التوقعات عن مؤتمر المانحين. اسكندر: تداعيات اغتيال تويني"كبيرة" فاكد اسكندر ان تداعيات اغتيال الصحافي والنائب جبران تويني على الاقتصاد"كبيرة"، عازياً ذلك الى اسباب عدة منها انه"كان معروفاً الى حد كبير في العالم العربي وله علاقات وثيقة بقادة الكويت ودبي وقطر". وقال:"لا شك في ان حماسة اهالي هذه الدول لزيارة لبنان في وقت قريب تراجعت سواء بسبب الحزن الكبير على فقدان جبران او الحذر من اعمال التخريب في لبنان". اما بالنسبة الى تداعيات تعليق مشاركة وزراء"حزب الله"و"حركة امل"في الحكومة، فاعتبر اسكندر ان الامر"يؤخر مساعي ضبط الامن، كما وضع البرنامج المطلوب لحيازة دعم الجهات المستعدة لتقديم المساعدات الى لبنان في المؤتمر المرتقب عقده في شباط فبراير المقبل". وأوضح اسكندر ان على لبنان ان"يبرهن عن قدرته على تنفيذ خطوات اصلاحية جذرية منها تخصيص بعض المؤسسات العامة التي تستنزف المال العام من دون انتاجية مقابلة". لكنه لفت الى"خطوة مهمة حققها لبنان في تأمين بيع اسهم البنك اللبناني للتجارة التي كان مصرف لبنان تملكها، واضطر الى تخصيص مبالغ لانقاذ المصرف تجاوزت مع فوائدها 150 مليون دولار". وأضاف ان"بيع الاسهم عملية تخل عن مؤسسة تجارية تملكها القطاع العام تفادياً لاهدار حقوق المودعين، سيؤتي لبنان دفقاً نقدياً من قطر يساوي 236 مليون دولار، اضافة الى تعهد بزيادة رأس مال المصارف بمئة مليون دولار مستقبلاً". ورأى ان مبلغ ال236 مليون دولار في حال توافر قبل نهاية العام الحالي، يحول عجز ميزان المدفوعات التراكمي الى فائض، كما يتأتى ربح ملحوظ لمصرف لبنان تذهب منه لحساب الموازنة نسبة 80 في المئة". واعتبر اسكندر انه"لا بد لوزراء"حزب الله"و"حركة امل"من تقويم هذا الحدث ومن ثم تقدير المنافع التي يمكن ان تتأمن من خطوات مشابهة وربما من تخصيص منشآت عامة في شكل شفاف وبمشاركة آلاف اللبنانيين". اما عن احتمال تأجيل موعد عقد مؤتمر المانحين في بيروت، فلفت اسكندر الى ان"في تأخير موعد عقد المؤتمر ضرراً بمصلحة لبنان، وليس للوزراء المكلفين عذر في التمنع عن المشاركة في قرارات اقتصادية مفيدة للبلد، وبالطبع يمكنهم القول ان المساعدات قد تكون مربوطة بشروط سياسية علماً ان رئيس الوزراء وممثلي الدول الكبيرة التي ابدت استعداداً لاعانة لبنان، اكدوا ان المساعدات لا ترتبط بالقرار 1559 وسلاح"حزب الله"او السلاح الفلسطيني". وأكد اسكندر ان"عرقلة المؤتمر من أي جهة كانت تضر بلبنان، وبحسب اعتقادنا فإن جميع الفرقاء يدركون خطورة المرحلة وان الحالة لا تسمح بإضاعة الفرص". اما بالنسبة الى الخلافات في مجلس الوزراء، فأوضح اسكندر ان"خلافات مجلس الوزراء تؤثر في التدفق الاستثماري، لكن وضعية المالية العامة لن تستفحل في وقت قريب. والواقع ان الاحصاءات تظهر الى الآن تحسناً ولو ضئيلاً". حبيقة: عجز المؤسسات عن اتخاذ القرارات المهمة واعتبر حبيقة ان حادثة الاغتيال شكلت"ضربة كبيرة للاقتصاد اللبناني، اذ ان المقصود من استهداف شخصية بحجم جبران تويني ومستواه الحاق الاذية بالشعب اللبناني، نظراً الى كونه سياسياً جريئاً وصحافياً ناجحاً، وبالتالي لا يمكن تفسير هذه الجريمة الا بابعادها السياسية والصحافية وارتباطها بالحريات العامة وخصوصاً حرية الكلمة". كما رأى ان المقصود من هذه الرسالة الموجهة الى اللبنانيين وخصوصاً الى اصحاب القلم لپ"اسكات الكلام الجريء، وهو امر مرفوض، لأن لبنان من دون صحافة واعلام وحريات لا يمكن ان يكون لبنان". وأكد حبيقة ان"الجريمة كبيرة بحجم الخسارة وتوقيتها المصادف مع موسم الاعياد الذي يعلق عليه لبنان اهمية كبيرة لجذب السياح العرب والاجانب"، معتبراً ان"هذه المرحلة التي كنا نعول عليها ضربت". ولم يغفل تأثير الاشاعات المتداولة يومياً عن حصول اغتيالات جديدة ووقوع حوادث تفجير في مواقع مختلفة، معتبراً ان ذلك"يندرج في خانة ارهاب اللبنانيين"، واصفاً اياها بپ"جرائم عامة في حق اللبنانيين، لأنها تضرب المعنويات وتساهم في ارهاب النفوس". وأعلن حبيقة ان عام 2005 سيكون"سلبياً"، متوقعاً ان تنعكس الجريمة"تراجعاً في معدل النمو، اذ كان يعول على الربع الاخير من السنة لتعويض الخسائر التي لحقت بالاقتصاد اللبناني خلال الشهور الماضية". اما عن تداعيات انشغال الحكومة بالملفات السياسية الداخلية والخارجية في تحركها لانجاز ورقة عمل مؤتمر بيروت للدول المانحة، اعتبر حبيقة ان الحكومة"لا تعمل الآن كما يجب"، مؤكداً انه"اضافة الى اهمية معرفة حقيقة من اغتال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يجب ان تقوم الحكومة بواجباتها تجاه الشعب اللبناني وحل بعض المشكلات الاجتماعية والاقتصادية". ورأى ان لبنان اليوم"من دون مؤسسات"، واصفاً هذا الوضع بپ"الخطير وينذر بالتدهور، فلا مؤسسات امنية فاعلة وفقاً لتقرير فيتزجيرالد الذي يوصي باعادة بناء اجهزتها، فضلاً عن عدم وجود اجهزة قضائية فاعلة باعتراف الحكومة والسياسيين والنواب، كما ان السلطتين التشريعية والتنفيذية معطلتان، وبالتالي فإن هذه المؤسسات عاجزة عن اتخاذ القرارات الكبيرة والضرورية المتعلقة بشؤون اللبنانيين". ولخص حبيقة الوضع الحكومي بپ"wait and see". وسأل هل مقبول الا يكون مشروعا موازنتي 2005 و2006 غير جاهزين وقد شارف العام على نهايته؟". وقال:"لا اعرف دولة في العالم لا تصدر موازنات لسنتين متتاليتين في فترة سلم اهلي". واستغرب عدم صدور هاتين الموازنتين"على رغم وجود هذه الحكومة منذ خمسة شهور، ما يدل الى نوع من الشلل في العمل الحكومي". وتناول حبيقة الوقت الذي تتطلبه عملية اقرار هاتين الموازنتين بفعل المراحل التي تقطعها مقدراً ان"تستغرق ثلاثة شهور". اذ توقع ان"تعترض اقرارها في مجلس الوزراء صعوبات بفعل التباين في وجهات النظر بين الاطراف الذين تضمهم الحكومة على المستوى السياسي وكذلك الاقتصادي وتحديداً في موضوع التخصيص". كما اشار ايضاً الى العراقيل التي ستواجه هذه المشاريع الموازنة في حال اقرت في مجلس الوزراء في المجلس النيابي، متوقعاً ان"تكون المناقشات على اشدها"، مستبعداً أي"ضمانة بمرورها بأكثرية عالية". ولم يغفل دور المجتمع المدني في ابداء الرأي في هذه الموازنات"لتحصل الحكومة على دعم اللبنانيين السياسي والاقتصادي". لذا رأى ان"للاعلام دوراً مهماً في تفسير هذه المواضيع للرأي العام". من هنا، اعتبر حبيقة ان هناك"استحالة لعقد مؤتمر للدول المانحة قبل نيسان ابريل المقبل، في حال حصول التوافق السياسي وعودة الانسجام الى الحكومة". وأشار الى ان"ما شهدناه في الشهور الخمسة الاخيرة، لا يدل على قدرة الحكومة على ادارة كل الملفات دفعة واحدة". وأكد حبيقة انه"لا يمكن ان ينتظر الوضع في لبنان التقرير الثالث لنتائج التحقيق، لكي تتحرك الحكومة سواء على مستوى معالجة الملفات الاقتصادية والمالية الملحة او على مستوى انجاز برنامج الاصلاحات الذي لم ير النور بعد". ورأى ان من الافضل"تأجيل مؤتمر الدول المانحة حتى الربع الثاني من السنة المقبلة، للتحضير له جدياً بدلاً من سلق المواعيد والبرنامج بهدف تقريب موعد عقده". وتوقع ان"يسوء الوضع المالي في ظل هذه العوامل"، عازياً ذلك الى"التراجع المحتمل في حجم الايرادات في الشهور القليلة المقبلة، فضلاً عن ارتفاع حجم الانفاق العام". واستغرب حبيقة الكلام المتداول عن زيادة في الضرائب في حين ان"الوضع يتطلب خفضاً لها لتنشيط الدورة الاقتصادية". كما رجح ان"تتباطأ حركة الاستثمار بفعل العراقيل والفساد الاداري، اذا لم تقم الحكومة بأي خطوة اصلاحية في الادارة العامة".