ترجمة الأدب العربي الى اللغة العبرية ما زالت تثير حفيظة كثيرين من الأدباء العرب، على رغم تأييد بعض من هؤلاء مثل هذه البادرة. وها هي القضية تعود الى الواجهة، ولكن هذه المرة عبر منظمة اميركية تدعى"نساء المستقبل". وكانت هذه المنظمة اختارت قبل اسبوعين خمس كاتبات عربيات لتكريمهن عالمياً، نظراً الى"إنجازاتهن الباهرة على المستوى الثقافي والفكري والأدبي"، كما جاء في بيان للمنظمة. والكاتبات هن: المصرية رضوى عاشور، السورية غادة السمان، المغربية فاطمة المرنيسي، الكويتية سعدية مفرّح واللبنانية جمانة حداد. ولم تمض ايام على البيان حتى اعلنت رضوى عاشور في بيان خاص، رفضها هذا التكريم، مبررة موقفها بحذرها الشديد من"تلقي أي جوائز او مكافآت من جهات غامضة، في تكوينها وتمويلها". وأشارت الى ان موقفها شخصي ولا يلزم بقية الكاتبات. وأوضحت انها تحرّت طويلاً عن المنظمة وعن تاريخها وطبيعة نشاطاتها في مواقع الإنترنت وسواها، ولم تجد ما يشفي غليلها. ولعل هذا ما دفعها الى رفض التكريم. إلا ان بعض المثقفين والأدباء وجدوا في موقف رضوى عاشور مبادرة"دونكيشوتية"وخطوة تهدف الى الصخب الإعلامي، خصوصاً ان التكريم لا بعد سياسياً له بل يهدف الى نشر ادب هؤلاء الكاتبات في خمس عشرة لغة عالمية... وبعد صدور بيان عاشور اعلنت الشاعرة اللبنانية جمانة حداد تحفّظها عن التكريم في بيان قصير تحدثت فيه عن جهلها هذه المنظمة. الشاعرة الكويتية سعدية مفرّح فرحت كثيراً بهذا التكريم وصدرت في الصحف الكويتية مقالات عنها تهنئها، معربة عن سرورها بهذه البادرة التي قد تتيح للشاعرة الحصول على هوية وجواز سفر، كونها تنتمي الى الفئة التي تُسمّى في الكويت"البدون"، أي التي لا يحمل افرادها بطاقة هوية. ورحب معظم ادباء الكويت بهذا التكريم ولم يجدوا فيه أي جانب سلبي. ولكن لم تمضِ بضعة ايام حتى أصدرت منظمة"نساء المستقبل"امس بياناً صحافياً ترد فيه على رضوى عاشور وجمانة حداد، معلنة احترامها موقفهما الذي فسرته برفضهما ترجمة نصوصهما الى العبرية. والمفاجئ في البيان ان المنظمة اعلنت قضية الترجمة الى العبرية للمرة الأولى ولم توردها في بيانها الرئيس السابق. وورد في البيان الصادر امس:"في الواقع ان احد اهداف المشروع، التقريب يبن العالمين العربي واليهودي في هذه اللحظة المعتمة من تاريخ البشرية". ومثل هذا الاعتراف المفاجئ يضفي بُعداً سياسياً واضحاً على التكريم. طبعاً خسارة هذه الفرصة ليست صغيرة، فالترجمة الى خمس عشرة لغة، عطفاً على التكريم الأدبي والإعلامي، مناسبة نادراً ما تتاح عربياً، ويصعب التعويض عنها. لكن الكاتبات العربيات سيجدن انفسهن في حال من الحرج، إن وافقن، خصوصاً بعدما اعلن بيان المنظمة جهاراً الغاية"التوفيقية"بين العرب واليهود. فلماذا على التوفيق ان يتم على حساب ادب هؤلاء الكاتبات اللواتي يذكرن جيداًً السجال الذي فُتح قبل سنة ولم ينتهِ، حول ترجمة الأدب العربي الى العبرية، وكذلك المقالات التي"خوّنت"بعض الكتّاب ممن وافقوا على هذه الترجمة.