من تبعات احداث الحادي عشر من ايلول سبتمبر وحادث اغتيال المخرج الهولندي فان غوغ وتفجيرات مدريدولندن، انعدام الأمن والأمان في المجتمع الغربي الذي تعوّد على الاستقرار والرفاه الاجتماعي، فالأمن نعمة لا يحسها ويعرف قيمتها الا الذي يفقدها. ويلعب الاعلام والسياسات الامنية المتبعة دوراً سلبياً بتهويله لقضايا وحوادث بسيطة، وإشاعته الفزع بين الناس بكثرة البلاغات الكاذبة عن وجود قنابل أو هجمات ارهابية محتملة في محطات الانفاق ومحطات القطارات التي اصبحت شبيهة بثكن عسكرية. وقد اذهلني وارعبني مشهد محطة القطارات الرئيسية في روما عندما استقبلتنا كلاب الأمن مرحبة تتحسس وتتشمم الحقائب واصحابها ويعقبها صوت عون الامن متلعثماً ومتعتعاً بالانكليزية،"لا تخف نحن في خدمتك ونسهر على سلامتك". والحقيقة انني كنت خائفاً، وكيف لا اخاف وأنا بمجرد رؤية عون الامن في بلدي العربي ترتعد مفاصلي وترتعش، فما بالك ان يكون مدججاً بسلاحه ورفقة كلبه المفترس الضخم. فهممت بالابتعاد ركضاً عن امتعتي تجنباً للعاب الكلب ونجاسته، وعدت عن ذلك لما استحضرت حادث قتل المواطن البرازيلي الاصل في لندن عندما لم ينتبه لنداءات اعوان الامن البريطاني فاردوه قتيلاً، وذلك ضمن حزمة جديدة من اجراءات مكافحة الارهاب. ويعزز هذه المخاوف اجراءات امنية ووقائية، كما يدعون، لم يسبق لها مثيل. ففي المطارات يجبر المسافر على خلع حذائه ونزع حزامه وبعض ملابسه ويمر للتفتيش الشخصي والتدقيق بحقائبه وأمتعته مما يعطل حركة السير ويتسبب في الاكتظاظ والازدحام في طوابير طويلة يتطلب من المسافر ساعات من الانتظار قد تفوت عليه رحلته، كما حصل معي ومع عدد من المسافرين. ولم تسلم المؤسسات الحكومية البرلمان ومقرات المخابرات والداخلية وبعض السفارات والاماكن السياحية العامة كالمنتزهات والمراقص والملاهي من التحذيرات احياناً ومن الاخلاء احياناً اخرى. اجل لقد كدر الوضع الامني حياة الناس فقوبلت هذه الاجراءات باستنكار واستهجان وسببت اضطرابات نفسية جعلت المواطن الاوروبي الذي عاش وتربى في مناخ من الامن والاستقرار والاسترخاء مهدداً وهذا ما لا يمكن ان يتحمله لوقت طويل. اما ابناء الجالية العربية والاسلامية من شمال افريقيا والعراق وسورية فقد ذاقوا القهر والفقر، وتجرعوا المهانة والذل، وفقدوا الامن والامان لسنوات في اوطانهم فهذه الاجراءات والمعاملات لا تقارن على ما تربوا عليه، لذلك لا يلقون بالاً ولا اهتماماً كبيراً لما يجري من حولهم. وتظل الاقلية المسلمة في هولندا البالغ عددها مليون ونصف مليون نسمة اكثر الفئات تضرراً من هذا الوضع الذي يؤجج مشاعر الكراهية والتفرقة العنصرية ويهدد نسيج المجتمع الهولندي الذي يشكل المسلمون احد خيوطه المهمة. خميس قشة - مدير المركز الثقافي الاجتماعي في هولندا