"تعبئة الهواء" مصطلح يستخدمه التلفزيونيون، وهو يعني تعبئة الدقائق القليلة الفاصلة بين برنامج ونشرة للأخبار، مثلاً، باعلانات ترويجية لبرامج أخرى تبثها المحطة أو بپ"بروموشين"ترويجي للمحطة نفسها. الا ان فضائياتنا العاربة والمستعربة باتت"تعبئ"ساعات من الهواء ببرامج أقل ما يقال فيها أن تستخف بالعقول. أحد هذه البرامج بثته محطة"نيو تي في"اللبنانية أخيراً واستضافت فيه"استشارية عربية خبيرة في الايحاء والايماء". البرنامج يعرض مقتطفات من مقابلات مع شخصيات سياسية، ثم تتولى"الخبيرة"تحليل مدى الصدق في اجابات هؤلاء السياسيين من خلال حركات الجسد واليدين وشكل العيون والآذان والأنوف والذقون والرقاب... الخ. حتى هنا يبدو الأمر علمياً، وغير عصي على التصديق. الا أن ما يصعب تصديقه ان الخبيرة العربية لا تعرف عن ضيوفها لا أسماءهم ولا مناصبهم، حتى لو كانوا من أصحاب الأوزان الثقيلة مثل العماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله والدكتور سمير جعجع والنائب وليد جنبلاط! الدكتورة التي لم تجد سلبية واحدة في شخصيات هؤلاء جميعهم مبدئيون وحازمون، أطلت علينا ليل الجمعة الماضي من دبي، عبر قناة"الحرة"المستعربة، في تحليل لشخصية الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وقالت فيه ما لم يقله مالك في الخمر. فبعد بث مقتطفات من جلسة محاكمته أمام قاض عراقي،"نكتشف"في التحليل أن حركات جسد صدام ويديه في المحكمة تشي بأنه"متوتر"وپ"فقد زمام الأمور"! أما طبيعة جفونه فتوحي بأنه"شخصية استفزازية"، فيما يشير كبر أذنيه الى انه"ليس شجاعاً كما يدعي"، والدليل، بحسب الخبيرة،"انه لم يقاوم عندما عثر عليه مختبئاً في حفرة". أما"الاكتشاف"- القنبلة فهو أن صدام مذنب في الجرائم التي يحاكم فيها، والدليل انه قال:"أنا ليس مذنباً"بدل"أنا لست مذنباً"، وبدل القول:"أنا بريء"، كما فعل أركان حكمه الذين كانوا معه في القفص نفسه. ويعني الخطأ اللغوي ليس بدل لست واستخدامه ثلاث كلمات أنا ليس مذنباً بدل اثنتين أنا بريء ان عقله الباطن كان يلح عليه بأنه مذنب ما أدى الى ارتكابه هذين الخطأين. هذه اذاً بشرى لأركان صدام الذين دفعوا ببراءتهم ولم يرتبكوا أو يرتكبوا خطأ لغوياً، ما ينبغي معه اطلاقهم من السجن فوراً! أما نحن فنقر بأننا مذنبون لتضييعنا وقتاً في مشاهدة برامج نهرع بعدها الى المرآة لنقيس المسافات بين عيوننا، ونقارن بين حجم أنوفنا وآذاننا، ونتمعن في أشكال ذقوننا، ونتحسس رقابنا.