أحداث الفتنة والشغب التي شهدتها مدينة الإسكندرية أخيراً شغلت فئة كبيرة من الشباب المصري. فقبل عشرة أيام، أصدرت مجموعة من أصحاب المدوّنات الشخصية من المصريين على شبكة الإنترنت والمعروفة إلكترونياً باسم Blogs بياناً تحت عنوان"معاً أمام الله: نحو المصالحة والمصارحة"، اشتمل على ست نقاط رئيسة عبر فيها المدونون والمدونات من الشباب والشابات عن أسفهم لما جرى في الاسكندرية ورفضهم لاتهام الاديان السماوية بأنها المحرض لتلك الأحداث المؤسفة، وطالبوا بأن يكون الوقت الحالي فرصة للوقوف والتأمل ومن ثم العلاج من خلال نقاش حقيقي حول الأسباب الرئيسة المسببة لمثل تلك النزاعات. واعتبر المدونون البيان دعوة الى ان يقف الجميع سوياً للتفكير في حلول جذرية لمشكلات المسيحيين والمسلمين، مع إشارة الى أن الكنيسة أوضحت عدم دعمها لأي نشاط طائفي في داخلها. ورفض أولئك المدونون استخدام أحداث الاسكندرية كذريعة من جانب عدد من المصريين الذين وصفوهم ب"غير المسؤولين"للتنديد بالمجتمع المصري مع دعوة إلى تمرير الأزمة بسلام. والبيان الذي نُشر على عدد من المدونات يوم 23 تشرين الاول اكتوبر الماضي، وقرأه نحو 3500 شخص، بعضهم قدم عليه تعليقات تشيد"بالروح الايجابية البناءة التي تعكسها فكرة البيان". ليس هذا فقط، بل دعت مجموعة المدونين الى صوم جماعي - مسلمين ومسيحيين - قبل أيام، وذلك في أواخر شهر رمضان من الفجر والى غروب الشمس، وكتب أحدهم:"ليكن صومنا المشترك أمام الله من أجل وطننا، وعملاً روحياً يجمعنا نقابل به أعمال الكراهية والتفرقة، ولنكسر صومنا معاً، يبحث المسلم عن مسيحي يفطر معه، ويفعل المسيحي ذلك". وبدلاً من أن تركز مجموعة المدونين من أصحاب الشعور الوطني على مناقشة أزمة الإسكندرية في هدوء وبتفكير ليبيرالي متنور يليق بدول العالم الأول، استيقظوا بعد ساعات من مباردتهم تلك ليفاجأوا بخبر اعتقال زميلهم المدون Blogger المصري كريم عامر 21 عاماً. ورجح عدد من المدونين أن يكون سبب الاعتقال كتابات كريم حول أحداث الاسكندرية على مدونته على شبكة الانترنت ومن خلال مواضيع نشرها على مواقع إخبارية عدة على الشبكة العنكبوتية. وأدى خبر هذا الاعتقال - الذي لم ينشر لا في الإعلام الرسمي ولا المستقل - الى تدخل منظمات حقوقية مصرية للمطالبة بالإفراج عن"المدون"المعتقل. فكريم عامر، واسمه الأصلي عبدالكريم نبيل سلمان، يعرف نفسه بأنه طالب إسكندري في ال 21 من عمره، مؤمن بحقوق الإنسان، ومدافع عن حقوق المرأة، ويدرس القانون ويأمل في تأسيس صحيفة حقوقية عقب تخرجه في الجامعة. وتبعاً لبيان صدر عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فإن كريم اعتقل من منزله في الإسكندرية، وتم اقتياده إلى مكان غير معلوم. وعلى رغم عدم الإعلان عن سبب اعتقال كريم ولا عن اعتقال كريم شخصياً، فإنّ عدداً من المدونين المصريين أشاروا إلى أن كتاباته عقب أحداث الإسكندرية هي على الأرجح السبب الرئيس لاعتقاله، لا سيما أنّ شقيقه قال:"إن أجهزة الأمن صادرت عدداً من مقالاته المطبوعة أثناء القبض عليه". وكان عامر كتب سلسلة من المقالات على مدونته الخاصة في الأيام القليلة التي سبقت اعتقاله واعتبرها كثيرون تطاولاً على المسلمين والدين الإسلامي. لكن الغريب ان كريم يقدم نفسه على مدونته على شبكة الإنترنت باعتباره طالباً يدرس"الشريعة"في جامعة الأزهر فرع دمنهور. ردود فعل جموع المدونين والمدونات على اعتقال كريم كانت أشبه بالحروب الأهلية. إذ فتح عدد من المدونين نيران مدوناتهم عليه لما رأوه"إهانته"للإسلام، فيما فتح آخرون نيرانهم على الحكومة والدولة وأجهزتها الأمنية لأنها اعتقلت شاباً حراً متنوراً مثل كريم. وفضل آخرون الدفاع عن كريم من منطلق الدفاع عن حقوق الإنسان وحق التعبير عن الرأي بغض النظر عن حجم الاختلاف أو الهوة في الآراء. ولوحظ اهتمام غالبية المدونين المصريين بأزمة الاسكندرية، وتليها أزمة"زميلهم"كريم، على رغم عدم تعاطفهم معه بسبب كتاباته المتطرفة ضد الإسلام مع غياب الاهتمام بالانتخابات البرلمانية، وهو ما لم يكن متوقعاً، وذلك بعد الاهتمام الكبير الذي أولاه عدد كبير منهم للانتخابات الرئاسية. المؤكد أن عالم المدونات الشخصية في بلد كمصر سيكون له أثر أكبر في الشباب المصري، وإن كان الشعور بهذا الأثر وتقديره واحترامه لن يحدث في المستقبل القريب.