عادت مجموعة الاتصالات الاسبانية تليفونيكا بقوة الى اوروبا بعد جولات في اسواق اميركا وآسيا. وتبين لها ان اقتصاد اوروبا يحقق لها ارباحاً على المدى القصير لتغطي خسائرها الحالية التي ستتحول الى ارباح مهمة على المدى البعيد في اميركا اللاتينية. اما بالنسبة الى سوق الصين، التي تتواجد فيها في شكل بارز من خلال تحالفها مع"تشاينا تليكوم"، فتنمو خدماتها مع النمو الاقتصادي والديموغرافي لهذا البلد. وعلى رغم انها لم تترك ابداً سوق اوروبا خارج اهتمامها، اذ كان لها في جزئها الشرقي مشتريات مهمة هذه السنة، فإنها كانت تراهن على مناطق اخرى من العالم وعينها على شركة O2 البريطانية. تأكيد شراء O2 المهم في الصفقات التجارية الكبيرة هو انتظار الوقت المناسب، وهذا ما فعلت. فبعد نحو سنة من النفي المستمر لخبر التفاوض حول امكان شراء تليفونيكا لشركة O2 البريطانية للاتصالات، اكدت صحة تلك الاشاعة وانهاء العملية التي كانت تحدثت عنها"ميريل لينش"قبل نحو شهر، عندما اعلنت ان"تلفونيكا تصيب في شرائها O2، على رغم ان"الصفقة ستكون ضخمة وباهظة". وبالفعل نفذت شركة الاتصالات الاسبانية، بعد 12 يوماً من المفاوضات، اكبر صفقة اسبانية خارج البلاد في قطاع الشركات بتقديمها"عرض الشراء العلني للشركة البريطانية بقيمة 26110 ملايين يورو تدفعها نقداً"، بعد موافقة المساهمين. ويبدو ان مجلس الادارة كان ابلغ تلفونيكا والمساهمين خطياً"الموافقة بالاجماع"على هذه الصفقة، التي تعتبر ايضاً الاكبر في اوروبا، لجهة الحجم وطريقة الدفع. وهكذا تتحول الشركة الاسبانية الى ثاني شركة في اوروبا والرابعة في العالم بعد فودافون والشركتين الصينيتين، لجهة عدد الزبائن ثابت وخليوي والرابعة في اوروبا لجهة عدد زبائن الخطوط الخلوية. وهي على رأس قطاع الاتصالات في 16 بلداً من العالم، اثنان بينهم فقط اوروبيان، اسبانيا وتشيخيا. 170 مليون مشترك وبغض النظر عن حجم الصفقة، فإن حصولها يمنح تليفونيكا ايضاً زخماً دولياً وموقعاً مهماً في عالم الاتصالات المعقد والصعب. اذ يضيف الى محفظة زبائنها نحو 25 مليون مشترك جديد، ليصل عدد هؤلاء الى نحو 170 مليوناً 116 مليوناً منها خليوي وهو عدد لا يمكن ان يحققه او يتمكن من تقديم الخدمات له سوى الكبار. كما انها ستدخل الى سوقي بريطانياوالمانيا، حيث تحتل O2 المرتبة الثانية فيهما، الى جانب سوق ايرلندا المهمة وستزيد ارباح المجموعة بنسبة 3،5 في المئة، على رغم دفعها ثمن اسهم الشركة البريطانية بنسبة 22 في المئة زيادة على سعرها الراهن. لكنها في الوقت نفسه ستغرق في الديون وستنخفض حصتها في نسبة القروض التي ربما تحتاج اليها، اي انها ستصبح ايضاً على رأس شركات الاتصالات، من حيث قيمة ديونها التي ستبلغ 55 الف مليون يورو قبل فرانس تليكوم التي تستدين نحو 52 الف مليون ودويتش تليكوم وتليكوم ايطاليا نحو 44 الف مليون. وكانت ارقام تليفونيكا تؤكد في النصف الاول من السنة، وبعد شرائها شركة شيسكي تيليكوم في تشيخيا، انها ستوفر او سيتوافر لديها نحو 36 الف مليون يورو ما بين 2005 و2008. كما ستتمكن من دفع ارباح لمساهميها بقيمة نصف يورو لكل سهم لهذا العام وضمان هذا المبلغ، على الاقل خلال العام المقبل، اضافة الى قدرتها على رصد نحو ستة آلاف مليون يورو لاعادة شراء اسهم حتى عام 2007. السلامة المالية وعلى رغم ذلك سيبقى في صندوقها ما يضمن سلامة ماليتها. تغيرت هذه الارقام اليوم من دون شك، خصوصاً انها تتعرض لضغط البورصة، اذ انخفضت اسعار اسهمها بنسب متفاوتة خلال الايام التي تلت عرض الشراء. ويبدو ان تيلفونيكا بدأت تحركاتها لخفض ضغط الدين بعد نجاح صفقتها. وكانت اولى هذه التحركات التي اشار اليها بنك الاستثمار"باريبا"، اذ اكد ان المدير العام المالي للشركة الاسبانية فرنانثيسكو فرناندث بالبوينا اعترف للمحللين لأنه"يخطط لطرح ثمانية آلاف مليون يورو من الدين الجديد في اسواق البورصة لتمويل جزء من القرض الذي حصلت عليه شركته من ثلاثة مصارف لتسديد ثمن الشركة البريطانية نقداً". وعلى رغم انتقاد المحللين الاقتصاديين لرفع سعر السهم الشرائي للصفقة، تبين ان تيلفونيكا اشترت بعد سنة بفارق بسيط عما كان السعر عليه قبل 12 شهراً. وهي تريد ان تضمن العملية امام عروض معاكسة، ربما كانت ستتقدم بها شركة"دويتش تليكوم"الالمانية التي حاولت مرات عدة شراء نظيرتها البريطانية. في حين اشارت اوساط O2 الى انها"لن تفاوض جهات ثالثة". واوضحت انه"يمكن دراسة اي عرض آخر، لكن مجرد تسديد ثمن الصفقة نقداً وبالسعر المعروض، يجعل من شبه المستحيل جبه عرض تيلفونيكا بعرض افضل. ولذا اسرعت الشركة الالمانية الى تأكيد عدم رغبتها في تقديم اي عرض في الوقت الذي كانت ادارتها تعلن عن خفض العاملين لديها بالآلاف. وعلى رغم اشتراط المجموعة الاسبانية في صفقة الشراء، ألا تصبح العملية فعلية الا بعد ان يوافق عليها 90 في المئة من المساهمين. لكنها اشارت الى امكان خفض النسبة الى 50 في المئة. ولهذا السبب قال رئيس مجلس ادارتها سيزار الييرتا عند الاعلان عن العرض ان"صفقة الشراء نهائية وواضحة". نجحت تيلفونيكا الآن حيث فشلت من قبل بشراء KPN الهولندية لاسباب قاهرة، لعبت البورصة وسلبية الحكومة الهولندية والمحللين الاقتصاديين دوراً كبيراً في ايجادها. اما بالنسبة الى الشركة البريطانية التي يملك 40 في المئة منها 16 مستثمراً، نسبة ملكية كل منهم تتراوح بين 4،45 و1،18 في المئة، يشارك ثلاثة منهم في ملكية تيلفونيكا. اما فريق الاستشارات الذي شارك في الصفقة فكان يتألف من"غولدمن ساتشز" و"سيتيغروب"الاميركيين بالنسبة الى تليفونيكا و"جي بي مورغان"و"ميريل لينش"التي تملك 2،78 في المئة من O2 بالنسبة الى الشركة البريطانية. وكان الجانب القانوني على عاتق سيمونس اند سيمونس وكليفود تشانس. ويبدو ان نمو شركة O2 واستقرارها، كانا وراء الاهتمام بها. وابرزت هذه الشركة قدرتها على النمو والمنافسة بين كل شركات الاتصالات الاوروبية التي يعمل فيها 15 الف موظف وبلغت مبيعاتها 9824 مليون يورو في العام الماضي. كما تعمل ايضاً اضافة الى بلدان اوروبية عدة، في جزيرة"مان" شركة مانكس تليكوم، كما تملك في بريطانيا شركة"ايرواف"لخدمات الاتصالات الرقمية والطوارئ التي تستعملها الشرطة البريطانية. وربما سيلجأ جهاز الاطفاء الى خدماتها قريباً. وبين مداخيلها الرئيسية ما تكسبه من"نقل المعلومات"، اذ تقع على رأس الشركات الاوروبية في هذا المجال. فهي تعتمد على النوعية اكثر من اعتمادها على الكمية. ففي المانيا على سبيل المثال يقع عدد زبائنها دون عدد المشتركين في KPN ، لكن حجم مبيعاتها اعلى بكثير منها. وتحتل في بريطانيا ايضاً المرتبة الثالثة لجهة عدد المشتركين والثانية لجهة حجم الارباح، ما يضع تليفونيكا في المركز الثالث بالنسبة الى الارباح في أكبر خمس اسواق اوروبية ويعادلها بشركة"اورانج"الفرنسية التي تحتل المركز الثاني. وابعد من ذلك، فإن العلاقات التي تربط اسبانيا بالعالم العربي والمتوسطي وبأميركا اللاتينية ودولها، اضافة الى سوق العملاق البشري الصيني، ستمكن تليفونيكا من التوسع في اتجاهات عدة، اذا ما سمحت لها الظروف واستمرت المصارف بمنحها النسبة نفسها من الثقة التي تتحلى بها اليوم. هذا على رغم تخليها، بعد صفقة O2، عن المشاركة في تخصيص تونس تلكوم، لأنها تريد ان تقوم بخطواتها في العالم العربي براحة كي تكون ثابتة ومثمرة.