قبل خمسة ايام من موعد الانتخابات النيابية الحاسمة في ألمانيا، ترتسم صورة سياسية مختلفة في البلاد بعد اعادة خلط الاوراق ونشوء اجواء جديدة لدى الناخبين قد تمكّن المستشار شرودر من تكرار قلب الطاولة على المعارضة في اللحظة الاخيرة، تماماً كما فعل في انتخابات عام 2003. ومع ان الظروف تختلف هذه المرة كل الاختلاف، وان قلب الطاولة قد لا يكون كاملاً الى حد بقاء حكومة المستشار غيرهارد شرودر في الحكم مع حزب الخضر لولاية ثالثة وإنما الى قيام"تحالف كبير"بين المسيحيين والاشتراكيين، فإن شرودر تمكن منذ المناظرة التلفزيونية مع منافسته المسيحية الديموقراطية انغيلا مركل في الرابع من الشهر الجاري، من استعادة زمام المبادرة من معارضيه المحافظين واليساريين على السواء. كما تمكن المستشار الالماني من لعب دور حاسم في تبديل اجواء الرأي العام والناخبين لمصلحة حزبه الاشتراكي الديموقراطي وانتشال الحزب من الحضيض الذي وصلت اليه شعبيته قبل شهرين 26 في المئة ليرفعه في الايام الاخيرة الى 34.5 في المئة فيما تراجعت شعبية الاتحاد المسيحي خلال الفترة نفسها، من 47 في المئة الى 40.5 في المئة، بحسب آخر الاستطلاعات. ولا بد من حدوث اعجوبة كما يقول البعض هنا لردم الهوة الباقية المتمثلة بثلاثة في المئة خلال ايام قليلة. ويظهر المستشار ثقة كبيرة في قدرته على فعل ذلك. ولتحقيق هدفه، يعمل مع حزبه على خطين: الاول يتمثل في مواصلة تعميق الشكوك الناشئة في وعي قسم كبير من الناخبين ازاء تصورات المسيحيين المالية والضريبية والاصلاحات الاجتماعية والصحية والتقاعدية المطروحة من جانبهم وأدت الى هلع الرأي العام، بل والى تبرؤ قادة مسيحيين منها. ويتمثل الخط الثاني في رهانه على طرح الاختيار امام الناخبين الخائفين والمترددين بين القبول ببرنامجه الاصلاحي الذي يحافظ على الدولة الاجتماعية العادلة المبنية على مبدأ"الاقتصاد الاجتماعي الحر"وبين البرنامج الاصلاحي الجذري لمنافسته مركل الذي يقضي بحسب زعمه، على العدالة الاجتماعية ليبنى"الاقتصاد الحر"فقط. ومع اقتراب موعد الانتخابات يوم الاحد المقبل، يصل الناخب الالماني رويداً رويداً الى طرح هذا السؤال على نفسه. وينتظر شرودر ان تختار اكثرية الناخبين المترددين، وكذلك العديد من الذين ابتعدوا عن حزبه في السنوات الماضية بسبب نهجه الاصلاحي غير المحبب، اقل الامرين سوءاً. ومن هنا فإن كانت مواقف شرودر في السياسة الخارجية، خصوصاً الرافضة لحرب العراق، والمسرعة في مساعدة ضحايا الفيضانات في شرق البلاد، هي التي امنت فوزه في انتخابات 2002، لكن مستقبل الدولة الاجتماعية وعمق الاصلاحات المطلوبة في البلاد يمكن ان يؤمنا فوزه هذه المرة. ولم تلعب السياسة الخارجية حتى الآن أي دور يذكر باستثناء دخول تركيا الاتحاد الاوروبي، علماً ان السجال بين شرودر المؤيد للدخول وموقف مركل المعارض له بقي على نار خفيفة جداً. ومع ان الاستطلاعات اشارت الى ان 71 في المئة يؤيدون السياسة الخارجية للمستشار مقابل 19 في المئة فقط لمركل، فان احداًَ لا يعتقد بأن ذلك سيؤثر كثيراً في اختيارات الناخبين الذين يريدون في الدرجة الاولى معرفة كيف يمكن التغلب على البطالة التي تطاول حالياً 4.7 مليون شخص، وكيف يمكن تأمين فرص عمل جديدة وضمان التقديمات الاجتماعية والصحة والتقاعدية لهم ولأولادهم. ويبدو ان الناخب الالماني يتجه كما تشير الاستطلاعات حالياً الى"اختيار حل وسط"يؤدي الى قيام ائتلاف حكومي قسري بين الاشتراكيين والمسيحيين ويضع مسؤولية مستقبل البلد في عنقيهما كما سبق وفعل مرة في ستينات القرن الماضي. في هذه الحال، واذا لم تضع نتائج الانتخابات الحزب الاشتراكي الديموقراطي في المرتبة الاولى، يكون شرودر خسر رهان عودته الى الحكم، وسيضطر عندها الى ترك التحالف هذا مع اول مستشارة لالمانيا لغيره في حزبه ويغادر الساحة السياسية نهائياً، انما في وضع سياسي ونفسي افضل له ولحزبه.