1 ... وإذ طلب مقدم البرنامج من ضيفيه الاخرين - اللذين كنت اشاركهما الحلقة المعنية- تعليقاً على قول الامام علي"لو كان الفقر رجلاً لقتلته"، لم يذهبا في التفسير الى أبعد من الرفض الاخلاقي الشائع للفقر. لا بل ان سياق المناقشة اللاحق قد جنح الى اعتبار الفقر نوعاً من القدر الذي يخفي في طياته اختباراً لإيمان البشر، أو حتى اعتباره قصاصاً على ارتكاب مفترض للمعاصي. علينا الاعتراف ان مثل هذا الفهم يلقى قبولاً بين الفقراء انفسهم على نحو خاص، الذين غالباً ما نراهم يعتبرون الفقر أو الغنى امراً قرره الخالق، والذي لحكمة تفوق ادراكهم، جعل الناس على ما هم عليه من اختلاف في مراتب الثروة والجاه باعتبار ذلك من طبيعة الامور على الارض. وإذا كان هذا التفسير لا يقعدهم عن الكفاح المرير من اجل لقمة العيش، فانه في المقابل لا يساهم في تحرير وعيهم من هذا الاعتقاد الذي ترسخ في عقولهم وقلوبهم، لا بفعل التحليل العقلي ولا إيماناً بمبدأ التفاوت بين الناس، بل بفعل المعايشة المرة لواقع مزمن ومتوارث منذ قرون حتى بات هو الطبيعة الاولى للحياة الاجتماعية والحقيقة التي لم يعرفوا غيرها. تقول السيدة الخمسينية التي تسكن في احدى بؤر الفقر في مدينة طرابلس ببساطة وعمق:"اهلي كانوا فقراء، وانا تزوجت رجلاً فقيراً، وما زلنا وأولادنا فقراء.... هذا هو الفقر يا ابنتي!"1. 2 "لو كان الفقر رجلاً، لقتلته"... ليس بامكانك أن تتجاهل قدرة هذا الكلام البسيط على النفاذ على وعيك. وهو ربما ما يدفع لتقديم قراءة اكثر عمقاً لمعناه تتجاوز ما هو شائع، وتحاول أن تستنبط منه دلالات تقترب من فهمنا المعاصر لظاهرة الفقر. إن"قتل"الفقر يعني أولاً رفضاً قطعياً للفقر يناقض أي شكل من اشكال القبول القدري به، او ربطه بأي شكل من الاشكال بإرادة إلهية صريحة او مستترة. ما يتسبب في الالتباس في الوعي الشعبي الشائع، هو الخلط الرائج بين الفقر، وبين بساطة الحياة والابتعاد عن سلوك البذخ والاسراف. ففيما الثاني امر محبب ومرغوب فيه اجتماعياً وأخلاقياً، فان الفقر بما هو انتهاك لحقوق الانسان وكرامته وحرمانه من وسائل العيش والمشاركة الكريمة واللائقة في الحياة الاجتماعية، لا يمكن قبوله على الاطلاق. ولا يجب الخلط بين الاثنين، بما يؤدي الى جعل الناس يقبلون بما هو مرفوض لإلتباس - غير بريء - في الوصف بين الاثنين. أما التعبير المقابل لقتل الفقر- الرجل في الأدبيات التنموية المعاصرة، هو"القضاء"على الفقر. ولم يمر ذلك من دون سجال: فهناك من يفضل تعبير التخفيف من الفقر، او الحد من الفقر، وغيرها مما لا يوحي بالموقف القطعي الرافض لوجود الفقر نفسه، لا لدرجة من درجاته فقط. وهذا نقاش معاصر بامتياز. 3 إلا ان قتل الفقر يستوجب تموضعه وانحصاره في محل كأن يتجسد رجلاً فيمكن حينها استئصاله والقضاء عليه او قتله ان كان رجلاً. إلا ان الامر ليس كذلك. ولعل هذا هو البعد الاكثر عمقاً في ما قاله الامام علي. فحقيقة الفقر هي انه ليس رجلاً او شيئاً يمكن حصره في مكان او جهة، لذلك لم يمت الفقر او لم يقتل، بل وجدناه ينمو ويزدهر ويتناسل وينتشر منذ مئات السنين. فلا الإرادات قضت عليه، ولا النوايا الطيبة، ولا الاخلاق الحميدة، ولا التضامن والتعاضد بين البشر، ولا التطور العلمي والتكنولوجي، ولا النمو الاقتصادي، ولا الفائض الهائل في الثروات المنتجة في عالمنا المعاصر والتي لا تحول دون وجود خمس البشرية أي ما يقارب 1.2 بليون انسان يعيشون في حالة من الفقر المدقع بحسب خط الفقر المعتمد للمقارنات الدولية، والمقدر بدولار واحد في اليوم للشخص. فالفقر ليس ظاهرة خارجية على المجتمع وعلى تطور الحضارة الانسانية، ولا هو خلل محصور في جانب من جوانب تنظيم المجتمع الاقتصادية والاجتماعية بحيث يمكن القضاء عليه بمعالجة هذا الخلل. انه ظاهرة اكثر تعقيداً بكثير. انه يكمن في نسيج العلاقات المجتمعية الاقتصادية والاجتماعية، في البنى والهياكل الوطنية والاقليمة والدولية، وفي علاقات الانتاج والتبادل، وفي نمط ادارة المجتمع، وفي ضعف الديموقراطية وعدم قدرة الفقراء على المشاركة في صناعة القرارات التي تصنع حاضرهم ومستقبلهم، وفي الانتقاص من حقوق الانسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحق في التنمية...الخ. ولو اردنا ان نقدم قراءة معاصرة عميقة لقول الامام علي، لقلنا انه بعدد قليل من الكلمات البسيطة والعميقة في آن، يلفت انتباهنا الى ان الفقر متغلغل في نسق العلاقات والهياكل السائدة في المجتمع، وفي المفاهيم والعادات والمصالح، بحيث يصعب عزله واستخراجه كما الشعرة من العجين. إن القضاء على الفقر يتجاوز البعد الاخلاقي وان كان ينطلق منه، ويذهب ابعد من المعالجات الفردية وان كانت مهمة، ويتجاوز الدعوة الى الخير والتضامن، وان كانت هذه كلها لا غنى عنها في معالجة الاثار المباشرة للفقر ولتعزيز فكرة المسؤولية المشتركة للناس جميعاً. ان القضاء على الفقر يتطلب معالجة اسبابه والعوامل المولدة له، وهي كامنة في نسق العلاقات والهياكل والثقافة، وفي تنازع المصالح، في شبكة متداخلة بين الداخل والخارج. وهذا ما يجعل المعرفة سلاحاً لا غنى عنه في هذا السعي الى جانب الالتزام الاخلاقي والانحياز الاجتماعي لمصلحة الفقراء والناس، ومبادئ التنمية وحقوق الانسان. 4 معرفة ظاهرة الفقر والتعريف بها، هما قصد هذا المقال. ولئن التفتنا في المقاطع السابقة نحو قبس من شائع تراثنا، فما ذلك إلا للإشارة الى الامتداد الاصيل للبحث المعاصر في قضايا التنمية، والذي غالباً ما ينظر اليه باعتباره موضوعاً دخيلاً على مجتمعاتنا بحكم تأويل ماضوي يجافي الشواهد التاريخية. ولو ان ماكس ويبير كان عربي المولد، او لو انه تمعن في تاريخ المنطقة الاجتماعي، لربما وجد ارتباطاً بين تراثنا الديني وبين الازدهار القياسي في الحضارة العربية الاسلامية في عصورها الذهبية من علوم تجريبية، وتكنولوجيا، وتجارة واقتصاد، وعمران...، اكثر قوة وتأثيراً مما وجده بين البروتستانتية ونشوء الرأسمالية في أوروبا الغربية. إلا اننا لسنا بصدد مقالة في قراءة التراث، وإنما قصدنا الكتابة عن الحاضر والمستقبل. لذلك نلتفت في المقاطع التي تلي الى التعريف بواقع الفقر في البلدان العربية، ومؤشراته، مستندين بالدرجة الاولى الى مساهمة اعدت في اطار كتابة التقرير العربي عن اهداف الالفية الذي صدر أخيراً عن منظمات الاممالمتحدة العاملة في المنطقة العربية2. 5 تعتمد التقارير الدولية قياساً موحداً للفقر على الصعيد العالمي يمكنها من القيام بالمقارنات بين الدول. وخط الفقر المعتمد دولياً لمثل هذه المقارنات هو دولار واحد في اليوم للشخص الواحد، بحسب تعادل القوة الشرائية3. ولا داعي للغوص في التفاصيل الفنية التي تتجاوز مهارات كاتب هذا المقال ومعظم القراء، فالتقديرات العالمية ترى ان نسبة الفقر بأقل من دولار في اليوم للشخص في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا هي نحو 2 في المئة 2.4 في المئة مقابل 47 في المئة لمنطقة افريقيا جنوب الصحراء، و15 في المئة في اميركا اللاتينية والكاراييب، و14 في المئة في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، و4 في المئة في اوروبا الشرقية وآسيا الوسطى4. منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا هي الافضل حالاً بين مناطق العالم النامي الاخرى. ونسبة الفقر منخفضة جداً وبشكل لا يتناسب مع واقع كون مؤشرات التنمية البشرية عموماً هي اكثر انخفاضاً في البلدان العربية منها في اميركا اللاتينية واوروبا الوسطى وعدد غير قليل من بلدان آسيا. بالطبع بالامكان البحث عن تفسيرات كثيرة لهذا الرقم المنخفض، منها عدم التطابق الكامل للحدود الجغرافية لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا مع المنطقة العربية 22 بلداً عضواً في جامعة الدول العربية. ومن الاسباب التي يمكن تقديمها ايضاً النقص في البيانات في بعض الدول او عدم دقتها، وكذلك التمييز بين خط الفقر المعبر عنه بمستوى الدخل او الانفاق، وبين الفقر البشري المتعلق بالمؤشرات الاجتماعية الاخرى. 6 هذه كلها اسباب منطقية، ولكنها غير كافية في تقديرنا، وهي لا تصيب لب الموضوع. فمهما حاولنا تصحيح هذه الرقم ضمن منطق القياس نفسه، فسوف يقود ذلك الى تعديل طفيف في الوضع لا اكثر ولا اقل. ان خطورة هذا التقدير المنخفض للفقر الاكثر أهمية تتمثل في كونه يوجه رسالة خاطئة للمنطقة وللعالم بأن مشكلة الفقر ليست لها الاولوية في البلدان العربية، فتستبعد قضية مكافحة الفقر عن أولويات جدول الاعمال الوطني والاقليمي. ان عدداً غير قليل من التقارير الوطنية عن أهداف الالفية قد وقع في ارتباك حيال التعامل مع هذه المسألة، فتأرجحت بين الاكتفاء بالمعيار الدولي الذي يعني ان نسب الفقر في البلدان منخفضة جداً بل تكاد لا تذكر احياناً اقل من 1 في المئة وهذا يعني انها حققت الهدف الاول من اهداف الالفية عملياً"وبين اعتماد خط الفقر الوطني الذي يشير الى نسب للفقر اكثر ارتفاعا بكثير مما سبق. إلا ان نقد هذا القياس لا بد من ان يذهب ابعد من ذلك. فهو اصلاً ذو وظيفة محدودة تقتصر على تيسير المقارنات الدولية، وهو غير صالح من اجل توجيه السياسات الوطنية. كما أن مضمون تعريف الفقر الذي يستند اليه ضمناً هذا القياس، وطرائق الحساب المعقدة ذاها، هي نفسها تحتاج إلى تدقيق وتحقق من صلاحيتها. ان غالبية البلدان العربية هي بلدان اما ذات مستوى تنمية مرتفع بحسب المعايير الدولية مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي او ذات مستوى تنمية متوسط. وفي هاتين الحالتين فان قياس الفقر على اساس دولار واحد في اليوم، ليست قياساً مناسباً او مقبولاً كما يمكن ان يكون عليه الامر نسبياً بالنسبة للبلدان الاقل نموا. 7 يقتضي الاستغناء عن هذا القياس في منطقتنا تلافياً لأي تضليل غير مقصود او مقصود قد ينجم عن اعتماده. ومن الشواهد على ذلك انه عند قياس نسبة الفقر على اساس دولارين في اليوم للشخص الواحد، فانها تقفز من حوالي 2.4 في المئة إلى 31.5 في المئة !! وهي قفزة لا يمكن تفسيرها إلا بجملة من الاسباب بينها بالتأكيد ان خط الفقر المقدر بدولار واحد في وضعيته الراهنة، ليس معبراً عن واقع الفقر في البلدان العربية على الاطلاق. من جهة أخرى، فإن نسبة السكان الذين لا يحصلون على الحد الادنى الضروري من السعرات الحرارية في البلدان العربية يقدر بحوالي 9.5 في المئة من اجمالي السكان! وهذا يعني انه لا يوجد منطق على الاطلاق في اعتبار ان نسبة الفقراء فقراً شديداً هي اقل من ذلك. فأي معنى يمكن ان يعطى للفقر الشديد يتجاوز النقص في الغذاء والجوع!! فالمنطق يقضي ان يشكل الجائعون جزءاً من الفقراء، لأن مفهوم الفقر يشتمل وعلى الجوع على عناصر اخرى اضافية، مما يعني ان الفقراء في مجتمع هم اكثر عدداً بالتأكيد من الذين يعانون من الجوع فيه. لقد توسعنا في نقد المقياس الدولي، وخصوصاً نقد استخدامه في تقويم وضع الفقر في البلدان العربية، لازالة أي التباس يمكن ان يستخدم في تقليص الاهتمام بضرورة مكافحة الفقر باعتباره من الاولويات الاكثر أهمية. وهو امر ينقلنا مباشرة الى تقويم وضع الفقر استناداً الى خطوط الفقر الوطنية، وهو ما سنقوم به في الفقرات الآتية5. 8 خلال السنوات التي تلت الاعلان عن أهداف الالفية عام 2001 نشرت 19 دولة عربية من اصل 22 دولة عضواً في جامعة الدول العربية تقارير وطنية عن التقدم المحرز في تحقيق اهداف الالفية. وبعض هذه البلدان اصدر اكثر من تقرير واحد. وقد بلغ عدد البلدان التي تضمنت تقاريرها تقديرات لخط الفقر الوطني 15 بلداً تمثل 79 في المئة من اجمال السكان في مجموع البلدان العربية. الا انه لا تتوافر بيانات لمجموعة مجلس التعاون الخليجي ما عدا البحرين، مما يجعل احتساب معدل لهذه المجموعة غير ممكن. وتبلغ نسبة السكان الذين يعيشون تحت خطوط الفقر الوطنية في البلدان العربية 23 في المئة. وهي تبلغ 17 في المئة في بلدان المشرق و9.2 في المئة في بلدان المغرب، و48.2 في المئة في البلدان الاقل نمواً حوالى عام 2000. رسم بياني رقم 1 9 على رغم التفاوت في منهجيات القياس، فان خطوط الفقر الوطنية تبقى الاكثر تعبيراً نظراً لأنها تعكس الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للبلد المعني، ونظراً لأنها تعبر ايضاً عن الاهداف التي تتضمنها السياسات الوطنية. كما أن عرض النتائج على مستوى المناطق الفرعية، يعطي صورة اكثر دقة من المتوسط الاقليمي لمجموع البلدان العربية، الذي يطمس التفاوتات الكبيرة بين البلدان والتي تجعل منه مؤشراً يحجب معرفة الواقع اكثر مما يكشفه. وبشكل عام، فان نسب مؤشرات التنمية، ومؤشرات الفقر بين بلدان المجموعة الفرعية الواحدة متقاربة، لكن دائماً مع وجود تفاوتات في الوضع الراهن وفي المسارات التي اتبعتها البلدان افرادياً، كما يبين ذلك الجدول الآتي. رسم بياني رقم2 أما على مستوى مجموعة البلدان العربية، والمناطق الفرعية، فان نسبة الفقر بقيت على حالها بين عامي 1990 و2000، لا بل سجلت ارتفاعاً طفيفا من 16.4 في المئة الى 16.8 في المئة. وهي سجلت انخفاضاً في المشرق من 21.6 في المئة الى 15.7 في المئة، وارتفعت في منطفة المغرب العربي من 7.3 في المئة الى 9.1 في المئة، وسجلت في مجموعة البلدان العربية الاقل نمواً ارتفاعاً كبيراً من 24.8 في المئة الى 47.1 في المئة. رسم بياني رقم 3 أن الاداء العام للمنطقة العربية ممثلة بالبلدان العشرة التي تتوافر عنها بيانات، يشير الى عدم امكان تحقيق الاهداف الموضوعة في ما يختص بالقضاء على الفقر7. 10 المقصود بخط الفقر الوطني في هذه الفقرات، هو خط الفقر الادنى محسوباً وفق المنهجية الاكثر اعتماداً من المؤسسات الدولية البنك الدولي والاممالمتحدة والتي تميز بشكل عام بين خط فقر ادنى وخط فقر اعلى. والاثنان يحسبان على اساس كلفة سلة السلع الغذائية التي توفر الحد المطلوب من المكونات الغذائية سعرات حرارية وعناصر اخرى. ولكن يضاف الى هذه الكلفة نسبة الانفاق على السلع غير الغذائية الضرورية لحساب الخطين الادنى والاعلى اللذين يختلفان في نسبة الاضافة إلى خط الفقر الغذائي. ولكن ما تجدر الاشارة اليه هو ان خط الفقر في مجموعة البلدان العربية الاقل نمواً، مطابق لخط الفقر الدولي المحسوب على أساس دولار واحد في اليوم للشخص. وعلى رغم محاولة تقليص العوامل التي يمكن أن تؤدي الى تفاوتات غير مقبولة في قياس الفقر تعطل المقارنة بين البلدان، الا انه لا تزال هناك مشكلات حقيقية امام تحقيق هذا الهدف. وهذه بعض الامثلة على ذلك: عندما نقول مثلاً ان نسبة الفقر في البحرين 11 في المئة، وهي نسبة مساوية لنسبة الفقر في سورية 11.4 في المئة، وهي تكاد تبلغ ثلاثة اضعاف تقريباً نسبة الفقر في تونس 4.2 في المئة. فهل هذا يعني ان البحرين اكثر فقراً من تونس، وان مستوى الفقر فيها مساو تقريباً لمستواه في سورية؟ بالطبع لا نستطيع قول ذلك. وما ان ننظر الى دلالات الرقم وطريقة حساب خط الفقر حتى يتضح السبب، اذ ان خط الفقر في البحرين يعادل انفاقاً يومياً للفرد يبلغ 5.6 دولار، وهو انفاق يفوق عدة اضعاف الانفاق المقابل المعتمد في حساب خط الفقر في تونس او سورية. والسبب هو اختلاف مستويات المعيشة، واختلاف ما هو متعارف عليه كحاجات اساسية بين بلد وآخر، وبين زمن وآخر. 11 ثمة عوامل عدة تدعونا الى الحذر في اجراء المقارنات الاقليمية بين البلدان العربية على اساس خطوط الفقر الوطنية المعتمدة لديها، على رغم انها الاكثر دلالة على واقع الفقر في كل بلد. وابرز هذه العوامل: - اختلاف تعريف الفقر بين بلد وآخر فقر الدخل، فقر بشري.... - اختلاف المقاربات ووسائل البحث مقاربات احصائية، دراسات بالمشاركة .... - اختلاف منهجيات قياس خط الفقر مطلق او نسبي، دخل او انفاق، مستوى السعرات وسلة السلع المعتمدة، عدد خطوط الفقر ومستوياتها...الخ. - ثغرات متعلقة بالبيانات اختلاف تعريف المؤشرات، نقص بيانات، عدم اكتمال السلاسل الزمنية..الخ. أن توحيد التعريف المعتمد للفقر، ومنهجية القياس، وتشابه نوعية البيانات الاحصائية ضروري لعقد المقارنات بين البلدان على اساس علمي. وهذا أمر غير متوافر حتى اللحظة، وبالتالي فان ما يصدر في التقارير الاقليمية على هذا الصعيد، حول نسب الفقر في الاقليم العربي او الاقاليم الفرعية على اساس خطوط الفقر الوطنية، يحتاج بدوره الى مراجعة وتدقيق، ويجب التعامل معه مع لحظ هذه التحفظات. 12 نخلص من هذا العرض الى ما يأتي: 1- ان مكافحة الفقر يجب ان تكون من اولويات السياسات الوطنية والاقليمية في البلدان العربية. فالنسبة المنخفضة جداً التي ترد في التقارير الدولية لا تعبر عن الواقع، في حين تبين مقاربات اخرى للفقر اكثر منطقية ان نسبة الفقر في البلدان العربية تتراوح بين 23 في المئة حسب خطوط الفقر الوطنية و27 في المئة بحسب دليل الفقر البشري. 2- هناك تفاوتات مهمة بين البلدان العربية وبين مجموعات فرعية من البلدان العربية: مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي ذات مستوى تنمية ودخل مرتفع"مجموعتا المشرق والمغرب وهي ذات مستوى تنمية ودخل متوسط"والدول العربية الاقل نمواً 6 دول عربية والتي يشكل الفقر فيها مشكلة بالغة الحدة. 3- هناك ضرورة للقيام بجهد عربي اقليمي منسق من اجل معالجة المشكلات المنهجية والفنية المتصلة بتعريف الفقر وطرائق القياس وتوفير البيانات. 13 ان الجهد المطلوب من اجل تحقيق ذلك لا بد من أن يستند الى افضل الخبرات الدولية، شرط ان يقترن ذلك بالضرورة بجهد عربي مقابل على الصعيد الاقليمي والوطني، كي لا يقتصر الامر على مجرد اعتماد المناهج والطرائق التي يملك مروجوها قدرات اكبر على التمويل او على تسويق افكارهم، بغض النظر عن صلاحيتها لهذا البلد او ذاك. ان اطلاق ورشة عمل عربية في هذا الاتجاه هو من بين اهتمامات برنامج الأممالمتحدة الانمائي في المنطقة العربية. ونحن نأمل ان تلاقي المؤسسات الوطنية والاقليمية العربية والدولية هذا الجهد في منتصف الطريق لنقدم مساهمة عربية حقيقية في تطوير ادوات البحث في مجال الفقر، ولكي نقدم اساساً صلباً لسياسات وبرامج مكافحة الفقر في بلدان المنطقة. * برنامج الأممالمتحدة الإنمائي وحدة معلومات التنمية للبلدان العربية الهوامش 1 - شهادة لاحدى شخصيات الوثائقي"ابتسام"، فيلم لمنى سعيدون، انتاج الحركة الاجتماعية - لبنان. 2 - صدر عن منظمات الاممالمتحدة العاملة في المنطقة العربية ملخص عن تقرير التقدم الحاصل في تحقيق اهداف الالفية. والصيغة الكاملة لهذا التقرير قيد التحضير للطباعة، وسوف تصدر قريبا. وهذا التقرير هو نتاج عمل مشترك بين 18 من وكالات وبرامج الاممالمتحدة، تولت"الاسكوا"التنسيق فيما يبنها. وقد صدر الملخص بعنوان:"الاهداف الانمائية للالفية في المنطقة العربية 2005 - ملخص"، في شهر ايلولسبتمبر 2005. وهو متاح باللغتين العربية والانكليزية. 3 - المقدار الدقيق هو 1.08 دولار بحسب قيمته عام 1993. اما حساب تعادل القوة الشرائية فهو بدوره عملية معقدة يقوم بها جهاز متخصص على النطاق العالمي. 4 - وردت هذا التقديرات في تقرير الامين العام للامم المتحدة عن تحقيق أهداف الالفية، ومصدر البيانات هو تقديرات البنك الدولي. 5 - يتضمن تقرير التنمية البشرية الذي يصدره برنامج الاممالمتحدة الانمائي قياسا للفقر البشري هو قياس خاص للفقر يعبر عن مستوى الحرمان من الصحة والتعليم وتدني مستوى المعيشة. واستنادا الى هذا القياس، فان نسبة السكان الذين يعانون من الفقر البشري في البلدان العربية يبلغ 27 في المئة من اجمالي السكان وهي تبلغ 17 في المئة في بلدان مجلس التعاون الخليجي، و26 في المئة في مجموعتي بلدان المشرق والمغرب، و36 في المئة في البلدان العربية الاقل نموا - المصدر تقرير التنمية البشرية لعام 2004. ويظهر الاختلاف الكبير في المقاربة وفي نسب الفقر حسب هذا القياس، وبحسب خط الفقر على اساس دولار واحد في اليوم. 6 - هي البلدان نفسها في الرسم البياني رقم 2، يضاف اليها: لبنان، فلسطين، السودان، الصومال، البحرين. 7 - بالنسبة للعراق، هناك دراسات عن الفقر قيد التنفيذ حاليا. وقد قدر مسح الاحوال المعيشية في العراق، برنامج الاممالمتحدة الانمائي 2004، نسبة الفقراء على اساس تقييمهم الذاتي لاوضاعهم ب 27 في المئة من السكان. في حين ان تقرير اهداف الالفية الثاني الذي اعده المغرب يقدر نسبة الفقر لعام 2004 ب 7.7 في المئة من السكان.